محمد رشدي شربجي
ليس الهوس بالإمبراطورية شيئًا جديدًا على الفرس، فمنذ ما قبل الميلاد وإمبراطورية فارس تحاول توسيع نفوذها في الإقليم، وهذا بكل الأحوال تاريخ جميع الأمم، بيد أن العدائية الإيرانية الحالية وسعيها الدائم نحو تدمير جيرانها لا يمكن تفسيره فقط بالسعي البشري نحو تعظيم القوة.
باعتقادي ، السلوك الغربي، وخاصة الأمريكي البريطاني، مع إيران خلال القرن الماضي مسؤول عن نشوء الوحش الإيراني في بلادنا، قبل أزيَد من قرن من الزمن وفي عام 1908 أسست بريطانيا الشركة الأنجلو- فارسية للنفط، وحصلت الشركة بتفويض من الإمبراطورية البريطانية العظمى على حقوق حصرية في النفط الإيراني، واستمر هكذا حتى انتخب الإيرانيون عام 1951 محمد مصدق رئيسًا، كانت انتخابات ديمقراطية نزيهة فاز فيها شخص ليبرالي يتبنى خطًا إصلاحيًا ويرى ضرورة إقامة علاقات حسن جوار مع العرب، كان تأميم النفط من أبرز قرارات مصدق، بعدها بسنوات قليلة دبرت الولايات المتحدة وبريطانيا في عملية أجاكس انقلابًا على مصدق وأعادوا الشاه من منفاه القصير ليسوم شعبه سوء العذاب.
عمل الشاه في شعبه قتلًا وتشريدًا، وعلى طول الخط كان يحظى بدعم أمريكي غربي ثابت لقمعه لشعبه، وحين قامت الثورة الإسلامية عليه كانت التقديرات الأمريكية تشير إلى أن حكم الشاه ثابت ولا تهديد حقيقي عليه. لقد أذل الغرب الشخصية الإيرانية وجرح كبرياءها على مدى عقود وحان وقت الانتقام. انتصرت الثورة على الشاه كما هو معلوم، ورفضت أمريكا استقبال فتاها المدلل وتركته ليموت في مصر، وما فهمه الخميني حينها من درس مصدق، أن الانقلاب العسكري قادم لا محالة، وما لم يكن هناك تشكيل عسكري يقينا خطر هذا الانقلاب فسنعود سيرتنا الأولى. لم تكن إسرائيل بعيدة عن كل هذا، فنظام الشاه كان صديقًا وفيًا لإسرائيل، والثورة جاءت بعد هزيمة 1967 الكارثية وبدء المد الإسلامي وخلال كامب ديفيد 1979 وتخلي العرب عن فلسطين فيها.
ولكن هذا لم يكن نهاية المطاف هناك، بعدها بسنتين حرضت أمريكا صدام الحسين على غزو إيران. وقد كان لديه الغباء الكافي لذلك، ثماني سنوات امتدت فيها الحرب بين البلدين راح ضحيتها أكثر من مليون إنسان وأكثر من 400 مليار دولار دفعت معظمهما دول الخليج العربي.
وقبل الحرب وبعدها كانت دائمًا عصا العقوبات الغربية على إيران حاضرة، منعت البلد من تصدير نفطها وتعرض شعبها للإفقار بهدف إسقاط النظام فيها، وخلال ذلك وبسببه كانت العدائية الإيرانية تكبر وتنمو، وبالنتيجة أسهم كل ذلك بتقوية إيران لا إضعافها. إيران المنهكة الخارجة لتوها من فوضى سياسية بعد ثورة وحرب طويلة قبل ثلاثة عقود، باتت اليوم تتحكم في أربع عواصم عربية على الأقل بعد أن قتلت وذبحت من العرب الملايين.
حين أدرك الغرب أن المشكلة الإيرانية تخرج من يديه، قرر عقد صفقة معها تمنعها من امتلاك السلاح النووي وتحفظ أمن إسرائيل متناسيًا أدوارها التخريبية الأخرى في المنطقة. في الاتفاق النووي رمى الغرب القنبلة الإيرانية في وجه العرب وهو ما فعله قبل 70 عامًا حين رمى في وجهنا المشكلة اليهودية أيضًا، واليوم ينقلب الغرب مرة أخرى على الاتفاق النووي، وتُحتجز نواقل النفط الإيراني في بحار العالم ليُفرض على إيران اتفاق آخر لن يراعي بالتأكيد مصالح العرب، وبالمحصلة فإنه لن يزيد إلا من خرابنا وعدائية إيران.
هل ستكون حرب على إيران من مصلحة العرب؟ طبعًا لا، فكيف تتحقق مصلحتنا ونحن لا نشارك في صنع الحدث لا من قريب ولا من بعيد؟ ومن سيقوم بالحرب؟ إن قامت سيحرص الغرب على ألا نستفيد منها بطبيعة الحال، إيران عدو للعرب بلا شك وهي قائدة لمحور من مصاصي دماء يمتد من طهران إلى بيروت (يسمونه أحيانًا محور المقاومة) وإبعاد شرها عن بلادنا خير للعرب وللعالم ولكن حين يكون بأيدينا وإرادتنا.
إيران جار تاريخي إجباري للعرب ولا مفر منه والعلاقة معه يجب أن تكون في هذا الإطار، وحتى قيام ما يشبه اتحاد سياسي اقتصادي بين أمم الشرق الأوسط الكبرى (العرب والكرد والفرس والترك) سالت وستسيل أنهار من الدماء كان من الممكن تجنبها لو اتبعنا سبل أمم أخرى، ولكن الإنسان لا يتعلم إلا من كيسه، كما يقال.