محمد رشدي شربجي
في كتابه الشهير “اللويثان” يعتبر الفيلسوف توماس هوبز أن الإنسان شرير بطبعه، وأنه في الحالة الطبيعية التي لا توجد فيها قوة قاهرة عليا تفرض قانونًا تتبعه فئات الشعب كافة، فإن ما يسود هو حالة “حرب الجميع ضد الجميع”. كان هوبز قد شهد الحرب الأهلية البريطانية وبشاعتها ورأى أن قيام الدولة “اللويثان” يأتي على رأس سلم أولويات الاجتماع البشري.
وقد فصل في كتابه مهام هذا “اللويثان”، وهو وحش ذكر في العهد القديم، وشرعيته، ورأى أن أساس الشرعية وأصلها هو تأمين الحماية والأمان للمواطنين، فالقدرة على ردع الناس عن الانقضاض على بعضهم هو ما يدفعهم للتخلي عن حريتهم طواعية لهذا الوحش الذي صوره هوبز بـ “كلي القدرة” أو “إله فان”، بحسب تعبيره.
لقد فقد النظام العربي أو ما تبقى منه أي شرعية، فالأنظمة العربية مسؤولة عن تراجع الدول العربية على كل مقياس، واليوم يجد المواطن العربي نفسه من المحيط إلى الخليج -باستثناء تونس التي يحكمها نظام ديمقراطي منذ عدة سنوات- تحت رحمة عصابات مسلحة ليس لديها ما تقنع الناس به إلا القوة العارية المحضة.
النظام العربي إذن هو المسؤول عن إخافة الناس وترهيبهم، وبعيدًا عن هذا النظام يبحث الشعب العربي عن حماية نفسه منه، وليس غريبًا والحالة هذه أن يشكل العرب 40% من لاجئي العالم، رغم أن نسبة العرب لا تزيد على 5%.
يدرك النظام العربي هذه الحقيقة، وهو بسبب ذلك يبحث عن شرعية خارجية تعوض عوز الداخلية منها، وهذا ما تحبذه الدول العظمى بطبيعة الحال، السيسي على سبيل المثال هجر جزءًا من شعبه في رفح المصرية وجرف مدينتهم بالكامل إرضاء لإسرائيل، ثم باع جزيرتين للسعودية طمعًا بمال يثبت حكمه. في سوريا يتفوق الأسد على نفسه في كل مرة ببيع بلده للآخرين، وكل ذلك في سبيل البقاء على كرسي في بلد أحاله الأسد بحرًا من الدماء، وما حال العراق عنا ببعيد.
يشتري العرب أطنانًا من السلاح الأجنبي بالمليارات، وحين يتعرضون لتهديد، خارجيًا كان أم داخليًا، يهرعون إلى دول أخرى لحمايتهم، لماذا اشترينا السلاح إذن إذا لم نكن نريد استخدامه؟
وبسبب هذه الحقيقة لا تتعامل الدول الأخرى مع أنظمتنا بمنطق الحلفاء، بل بمنطق الأتباع والعبيد، وهذا ضروري لهذه الدول نفسها لتدعيم شرعيتها الداخلية، فهي أيضًا معنية أمام شعوبها بالظهور بمظهر القوي القادر على فرض إرادته على الآخرين.
في المنامة وصل النظام العربي إلى قعر جديد، وكذا وصل تعامل أمريكا مع أتباعها، فهناك يريد كوشنر من النظام العربي دفع 50 مليار دولار مقابل ضم إسرائيل لبقية أراضي فلسطين، وهو ما يُظهر حجم الأزمة التي يعيشها هذا النظام.
لم تخرج الورشة بمخرجات تستحق التعليق، وهي بكل تأكيد لن تؤثر على الوضع القائم في فلسطين ولن تحرك عملية السلام -وهي هراء أساسًا- في أي اتجاه.
في الحقيقة لم يكن ما جرى في المنامة أكثر من ورشة لتجديد الشرعية الخارجية للنظام العربي.