عام من التسوية في درعا

  • 2019/06/30
  • 12:00 ص

عناصر من قوات الأسد ترفع علم النظام في الجنوب السوري بالقرب من حدود الأردن - 2018 (سبوتنيك)

عنب بلدي – درعا

مر عام على اتفاق “التسوية” بين فصائل المعارضة والنظام في الجنوب السوري، لم يتمكن فيه الأخير من تثبيت نفوذه الكامل، على عكس باقي المناطق التي دخلت بموجب التسويات والمصالحات كالغوطة الشرقية، فالسيطرة هشة وضعيفة والخدمات متوقفة، أما القبضة الأمنية فهي حاضرة بالتزامن مع حالة فلتان أمني يعيشها المواطنون، وتتمثل بعمليات سطو واغتيال تطال عسكريين ومدنيين.

سيطرة قوات الأسد على المنطقة الجنوبية لم تكن فعلية، ولم تتعدَّ حدود رفع الأعلام على الدوائر العامة ونشر الحواجز في المنطقة الشرقية دون القدرة على الاقتحام، وإن اعتمدت أساليب كالخطف والاعتقال على الحواجز المنتشرة، مستغلة المواطنين المجبرين على المرور عبرها.

ويختلف الأمر في المنطقة الغربية، حيث يفقد النظام السوري السيطرة فيها بشكل أكبر من المنطقة الشرقية، ويعود ذلك لأن قوات الأسد اقتحمت المنطقة الشرقية بالقوة العسكرية، بينما سيطرت على المنطقة الغربية بالتفاوض وتسليم السلاح الثقيل.

وبخلاف الصورة العامة التي توحي بسيطرة كاملة لقوات الأسد على محافظة درعا، لا تزال مناطق خارجة عن سيطرته بشكل شبه كامل، كمنطقة درعا البلد وطفس والقرى المحيطة بها.

ففي درعا البلد وطفس يمنع دخول أي عسكري، مهما كانت رتبته إلى داخل المدينة، ورغم وجود مفرزة أمن عسكري في مدينة طفس، إلا أنها من عناصر المصالحات.

مظاهرات وكتابات على الجدران

المحامي سليمان القرفان، نقيب المحامين في محافظة درعا سابقًا، يقول لعنب بلدي إنه وبعد مرور عام على “سقوط” الجنوب السوري لم تتمكن قوات الأسد من إحكام سيطرتها على كامل مناطق الجنوب، إذ توجد عدة مناطق في المحافظة لم تدخلها، كدرعا البلد وطفس وبصرى الشام.

ويضيف القرفان أن خروج المظاهرات في بعض المناطق، والكتابات على جدران الأماكن العامة دليل واضح على عدم تقبل المواطنين في الجنوب لسياسة النظام السوري، كونه فاقدًا للسيطرة المطلقة، مستدلًا على ذلك بما حدث في مدينة الصنمين من تمزيق صورة بشار الأسد في النهار من قبل فاعلين مكشوفي الوجوه.

كذلك تعتبر الهجمات على نقاط النظام العسكرية، والتي تبناها فصيل يطلق عليه “المقاومة الشعبية”، دليلًا على ضعف السيطرة، بحسب القرفان.

وشهدت الأشهر الماضية منذ توقيع اتفاق التسوية عدة هجمات استهدفت مواقع وحواجز لقوات الأسد في الريفين الشرقي والغربي لدرعا، كان آخرها الهجوم الواسع من ثلاثة محاور الذي استهدف مفرزة المخابرات الجوية ومخفر داعل.

 “الضامن كاذب”

في أثناء توقيع اتفاق التسوية، في تموز 2018، تعهدت روسيا (الضامن للاتفاق) بضمان أمن المدنيين الذين رفضوا الخروج إلى الشمال السوري إلى جانب القادة العسكريين الذين دخلوا بالاتفاق وكانوا يعملون في صفوف فصائل المعارضة سابقًا، لكن ذلك لم يترجم على الأرض، فالنظام استمر بعمليات الاعتقال، تحت مسمى “الدعاوى الشخصية” والانتماء لتنظيم “الدولة الإسلامية”.

ويوضح القرفان أن الضامن الروسي أخل بتعهداته، فالاعتقالات مستمرة ولم تتم تسوية أوضاع المنشقين، مشيرًا إلى أن الروس يدركون أن خروجهم من المشهد في الجنوب سيعيد الأمور إلى سابق عهدها، وسيكون هناك تأجيج للثورة مجددًا وإخراج قوات النظام من كامل المحافظة بالقوة، بحسب تعبيره.

اتبع النظام السوري سياسة خاصة في عمليات الاعتقال التي نفذها طوال الأشهر الماضية، من خلال الالتفاف على بطاقة التسوية بالأمن الجنائي، الذي نفذ مداهمات واعتقالات بحجة الدعاوى الشخصية المرفوعة من قبل ذوي المقتولين في ظروف الحرب خلال السنوات الماضية.

ووجه المدعون الدعاوى ضد قادة “الجيش الحر”، الأمر الذي تسبب باعتقال الكثير منهم، كما اعتُقل آخرون رغم عملهم ضمن التشكيلات العسكرية في قوات الأسد.

قيادي سابق في “الجيش الحر” بدرعا (طلب عدم ذكر اسمه) يقول لعنب بلدي إن الدعاوى من المفترض أن تسقط كونها جاءت في ظروف الحرب، “فالقتل كان مشتركًا بين الطرفين، لكن النظام السوري اعتمدها كطريقة للتخلص من قادة الفصائل من جهة، وللانتقام ممن حمل السلاح والفكر ضده”.

ويضيف القيادي أن دعاوى القتل تتيح للنظام السوري الإمساك على الشخص المدعى عليه ومحاكمته قانونيًا، وقد يصل الحكم للإعدام أو الأشغال الشاقة، معتبرًا أنه يجب التفريق بين دعاوى الحق الشخصي خارج إطار الحرب ودعاوى الحق الشخصي في مرحلة “التسوية”، والتي يجب أن تمحي كل شيء في الماضي.

ووفق “مكتب توثيق الشهداء بدرعا” فإن عدد الأشخاص الذين اعتقلهم النظام السوري في درعا منذ توقيع اتفاق التسوية حتى 20 من شباط الماضي، بلغ 312 شخصًا بينهم 132 مقاتلًا في “الجيش الحر” من ضمنهم 26 قياديًا قتلوا في ظروف التعذيب والاعتقال.

فلتان أمني

اتسمت مرحلة التسوية خلال عامها الأول بالفلتان الأمني وانتشار الجرائم “مجهولة المنفذ”، فقد اغتيل قياديون ومقاتلون في “الجيش الحر” سابقًا، كالقيادي في معركة “الموت ولا المذلة”، العموري أبو حمزة الغزلان، والقيادي أبو النور زيد البردان، والقيادي في “جيش المعتز بالله” موفق الغزاوي، وغيرهم.

في المقابل اغتال مجهولون ثلاثة رؤساء بلديات تابعين للنظام، إلى جانب محمد شمدين الحاري، رئيس لجنة المصالحات في عتمان، الذي حمّلت اللجنة الأمنية للنظام مقتله للجنة المركزية، بالإضافة إلى حالات اغتيال طالت أشخاصًا اتهموا بارتباطهم بـ “حزب الله” اللبناني.

لم يقتصر الأمر على عمليات الاغتيال، إذ انتشرت في درعا جرائم السطو المسلح والسرقة، على يد عصابات مسلحة لم تعرف هويتها أيضًا.

أبو حسن (45 عامًا)، صاحب مطعم في مدينة درعا، تعرض لسرقة عشر أسطوانات غاز الشهر الماضي، يقول لعنب بلدي، “لا أستطيع البقاء ليلًا في ظل انتشار السرقات وبشكل يومي”.

ويضيف “أبو حسن” أن الحركة التجارية في معظم المناطق لا تزال ضعيفة، وخاصة في الأحياء المركزية من مدينة درعا، نظرًا للظروف الأمنية السيئة.

وفي سياق ما سبق، كان مجلس مدينة درعا قد طلب من أصحاب الورشات الصناعية إعادة تأهيل محلاتهم في المنطقة الصناعية المتاخمة لمبنى المخابرات الجوية، وهدد بإغلاق الورشات بالشمع الأحمر في حال لم ينفذ القرار، لكن القرار قوبل برفض شديد خوفًا على المعدات من السرقة.

رفض القتال في صفوف النظام

من جانب آخر يعتبر ملف المنشقين من الملفات المختلف عليها بين اللجنة المركزية والنظام السوري، الذي يحاول زج شبان المنطقة في صفوف قواته للمشاركة في العمليات العسكرية في الشمال السوري والجبهات الساخنة الأخرى.

وكانت اللجنة المركزية تمكنت في وقت سابق من تحصيل تأجيل ستة أشهر للشبان، انتهى في مطلع حزيران الحالي، الأمر الذي دفع النظام السوري للإيعاز بضرورة تبصيم المطلوبين للخدمة على أوراق، وطلب منهم مراجعة شعب تجنيدهم في مدة أقصاها سبعة أيام، وفي حال لم يطبق ذلك يعتبر المخالف فارًا من الخدمة العسكرية، وتطبق عليه الأحكام العسكرية الخاصة بالفرار.

إجراء النظام لاقى رفضًا شعبيًا، وقال القيادي السابق في “الجيش الحر”، أدهم الكراد، عبر حسابه الشخصي في “فيس بوك”، إن أبناء درعا “لن يذهبوا لقتال إخوتهم في إدلب”، موجهًا خطابه لقوات الأسد، وبموازاة ما سبق دعا ناشطون إلى عصيان في درعا، تخلله منشورات على جدران بلدة سحم، تؤكد عدم قتال فصائل المعارضة في إدلب وريفي حماة الشمالي والغربي.

حجز احتياطي

بموجب اتفاق التسوية حصل الناشطون والعاملون في المنظمات الإنسانية وأعضاء المجالس المحلية على “ورقة تسوية”، وفي أثناء مراجعة صحيفة أملاكهم العقارية من بيع وشراء تفاجؤوا بوجود إشارات حجز احتياطي على عقاراتهم، وطُلب منهم مراجعة محكمة الإرهاب بدمشق.
وشمل الحجز معظم الناشطين والعاملين بالمنظمات الإنسانية وأعضاء مجلس المحافظة ورابطة أهل حوران ورؤساء المجالس المحلية للمدن الكبيرة وبعض المغتربين الذين لهم أملاك بالداخل السوري، والذين وجه النظام لهم تهمة تقديم الدعم للمعارضة السورية.
وشمل الحجز أيضًا الأموال المنقولة وغير المنقولة لقيادات عسكرية في “الجيش الحر”.

ويوضح المحامي سليمان القرفان أن الحجز شمل أملاك معظم الناشطين من أعضاء مجلس المحافظة والمجالس المحلية والعاملين بالمنظمات الإنسانية بما فيها الأممية.
ويقول إن هذه القرارات صدرت منذ بداية الثورة، ضمن القانون رقم “11”، الذي ينص على إلغاء الصحيفة العقارية وإنشاء صحيفة عقارية جديدة، بهدف شطب ملكية الأشخاص المعارضين.

وكان هناك أكثر من قانون ومرسوم يخدم تلك الغاية كالمرسوم رقم “66”، وبحسب القرفان، لم تقتصر قوانين الحجز الاحتياطي الصادرة على أملاك الناشط الشخصية، بل شملت أصوله وفروعه، “وهذه تعتبر مخالفة قانونية، لأن حق التملك حق مصان تحميه كل الدساتير العالمية ولا يجوز مخالفة عرف دستوري عالمي”.

خدمات معدومة

من أهم ما تميزت به المرحلة الماضية خلال فترة “التسوية” عدم قدرة مؤسسات الدولة على تأمين الخدمات العامة بحدها الأدنى، فالمؤسسات التي كانت خارج سيطرة النظام السوري لا تزال مدمرة حتى اليوم، واكتفى برفع علمه عليها.

الخدمات العامة التي كانت تشرف عليها المجالس المحلية مدعومة من المنظمات الإنسانية توقفت، فالقمامة متناثرة على أطراف الشوارع، ولا تزال الأنقاض على حالها، والأبنية المدمرة لم يُعد تأهيلها.

عضو مجلس محلي سابق (طلب عدم ذكر اسمه) يقول لعنب بلدي إنه ورغم إمكانية المجالس المحلية الضعيفة في السنوات الماضية، إلا أنها كانت قادرة على ترحيل النفايات وتجميعها بمكبات خارج البلدات.

ويضيف عضو المجلس، “بعد سيطرة بلديات النظام نجد تراخيًا كبيرًا في ترحيل القمامة، ولم يعمل النظام على تعبيد الطرقات وحتى على إصلاح المطبات والحفر، وكذلك لم تعمل الورشات التابعة له على صيانة خطوط وشبكات المياه، التي تحتاج إلى صيانة وعمليات ترميم كبيرة”.
موظف سابق في منظمة إنسانية (طلب عدم ذكر اسمه)، يقول إن نسبة تقديم الخدمات من قبل مؤسسات النظام خلال فترة التسوية لا تتجاوز 10%، وهي تقوم بحلول جزئية ومختصرة على تركيب بعض المحولات الكهربائية، وبعض الإصلاحات العامة.

وأكد الناشط الإنساني أن أغلب الخدمات العامة وخاصة في مجال الكهرباء والمياه تمت بأيدي أبناء البلدات عن طريق جمع تبرعات من الأهالي ومساندة من المغتربين.

وأشار الناشط إلى تراجع الخدمات الطبية بعد سيطرة النظام، فالنقاط الطبية والمشافي كانت منتشرة في أغلب مناطق حوران، أما اليوم فانحصر تلقي الخدمات الطبية في مشفى إزرع الوطني ومشفى درعا الوطني، مع تهميش وإلغاء جميع النقاط الطبية التي كانت تعمل إبان سيطرة المعارضة على المنطقة.

ويضيف الناشط أنه على مستوى العمليات البسيطة فإن المواطن مجبر على قطع المسافات باتجاه مدينة إزرع أو مدينة درعا، وقد يتعرض للاعتقال على حواجز النظام السوري التي يتجنبها المواطنون وخاصة المطلوبين منهم.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا