عنب بلدي – رهام الأسعد
كحال الكثير من السوريين، لم ترَ سارة أهلها منذ أكثر من خمس سنوات، باعدت بينها وبينهم مسافات شاسعة من الرياض إلى دمشق، ومخالفات منعتها أيضًا من السفر إلى سوريا عبر مطارات السعودية التي دخلتها بتأشيرة زيارة، دون أن تحصل على إقامة.
في وقت يئست فيه سارة، التي تقيم مع زوجها وابنتها في مدينة الرياض، من السفر إلى سوريا لزيارة أهلها، وجدت في قلب التغييرات السياسية والميدانية الحاصلة في سوريا “فرجًا” لها، حين سمعت من إحدى صديقاتها أن طريق البر من السعودية إلى سوريا أصبح سالكًا أمام المسافرين، عبر شركات نقل لم تشترط عليها سوى امتلاك جواز سفر، حتى إن كان منتهي الصلاحية.
قفزة فوق المخالفات
تقول سارة (فضلت عدم نشر اسمها الكامل) لعنب بلدي إنها تواصلت مع إحدى الشركات التي وضعت إعلانًا عبر “فيس بوك” عن رحلة من الرياض إلى دمشق، بتاريخ 14 من أيار الماضي، وبعد أن استفسرت عن الأوراق والإجراءات المطلوبة قررت المجازفة والسفر برًا مع ابنتها (6 سنوات) إلى سوريا.
تصف سارة (29 عامًا) الرحلة بأنها صعبة قليلًا لكنها “أسهل” مما كانت تتخيل، مشيرة إلى أن الطريق استهلك يومًا كاملًا (24 ساعة) تخللتها استراحات كثيرة، حيث خرج بهم الباص من مدينة الرياض إلى معبر “الحديثة” الحدودي بين السعودية والأردن، ثم إلى معبر نصيب الحدودي بين الأردن وسوريا.
وأضافت أن كلفة الرحلة كانت 200 ريال سعودي للشخص الواحد (ما يعادل 32 ألف ليرة سورية تقريبًا)، ولم يُطلب منهم في مراكز الجوازات سوى امتلاك جواز سفر عليه تأشيرة زيارة سابقة إلى السعودية، حتى وإن كان الجواز منتهي الصلاحية، وفق ما قالت.
تلك التغييرات كانت رهن افتتاح معبر نصيب، الذي أعاد الطرفان السوري والأردني افتتاحه منتصف تشرين الأول الماضي، عقب سيطرة النظام السوري على محافظة درعا، ما أتاح للسوريين المقيمين في الأردن والسعودية دخول الأراضي السورية.
إذ يُعتبر الكثير من السوريين في السعودية مخالفين لنظام الإقامة، خاصة من سافروا إليها بعد عام 2011، كونهم دخلوا الأراضي السعودية بتأشيرة حج أو عمرة أو زيارة أو عبور، ولم يُغادروا بعد انتهاء فترة صلاحية التأشيرات.
إلا أن السلطات السعودية منحت استثناء للسوريين المخالفين وسمحت لهم بالبقاء على أراضيها شرط تجديد تأشيرة الزيارة كل ثلاثة أشهر، وفي حال غادروا البلاد عبر الممرات الجوية لن يُسمح لهم بالدخول مجددًا.
ومن هنا وجد بعض السوريين، ومن بينهم سارة، في الطريق البري “الشاق” الملجأ الوحيد لرؤية أهلهم داخل سوريا، ثم العودة مجددًا إلى السعودية بتأشيرة زيارة جديدة، يستطيعون التقديم عليها قبل مغادرة الأراضي السعودية لضمان عودتهم إليها، بحسب ما قالت سارة.
وأضافت، “قدّم زوجي على تأشيرة زيارة لي قبل سفري إلى دمشق، كي أضمن عودتي إلى السعودية برًا”.
تصل المسافة بين الرياض ودمشق إلى 1600 كيلومتر تقريبًا، وتستغرق ما يقارب 20 ساعة في الأحوال العادية.
يعتبر ذلك الطريق ممرًا حيويًا للمسافرين بين البلدين، قبل عام 2011، خاصة بالنسبة للسوريين الراغبين بأداء مناسك العمرة. توقفت الرحلات برًا بين سوريا والسعودية، عبر الأردن، منذ عام 2012 نتيجة الأوضاع الأمنية والنزاع المسلح في درعا بين النظام السوري وفصائل المعارضة، التي سيطرت على معبر نصيب عام 2015، وأُغلق المعبر بشكل رسمي. |
رزان حلواني، التي تقيم في مدينة الرياض، تنوي السفر أيضًا إلى دمشق برًا، إلا أنها لم تستطع حسم أمرها بعد، كما تقول لعنب بلدي، بسبب تحذيرات صديقاتها لها من مشقة الطريق.
تقول رزان (35 عامًا)، التي دخلت السعودية بتأشيرة زيارة عام 2012، إنها تواصلت مع عدة شركات نقل في الرياض للاستفسار عن الموضوع، مشيرة إلى أن ما عرقل سفرها هو أنها أنجبت ابنها في السعودية وبالتالي لا توجد تأشيرة زيارة على جواز السفر الخاص به.
وأضافت، “يتطلب الأمر منا إجراءات معقدة، ومن بينها استخراج ورقة عبور لابني من إدارة شؤون الوافدين في الرياض حتى أتمكن من التنقل به عبر المعابر الحدودية”.
شركات تعاود النشاط دون اتفاق رسمي
لم يتم الإعلان بشكل رسمي عن افتتاح الطريق البري بين السعودية وسوريا، عبر الأردن، نتيجة انقطاع العلاقات الدبوماسية بين البلدين منذ عام 2011.
لكن الرحلات المتكررة بين سوريا والسعودية تدل على وجود اتفاق ضمني أو تساهل من قبل المراكز الحدودية تجاه شركات جديدة بدأت، منذ أيار الماضي، بتسيير رحلات منتظمة من السعودية إلى سوريا وبالعكس، تشمل محافظات دمشق ودرعا وحمص وحماة.
عنب بلدي تواصلت مع إحدى شركات النقل بصفة زبون للحصول على تفاصيل، وأكد مدير الشركة أن العبور بين الحدود يتم بشكل نظامي عبر مراكز الهجرة والجوازات الحدودية، مشيرًا إلى أنه لا يُطلب من المسافرين سوى امتلاك جواز سفر عليه تأشيرة الزيارة التي دخلوا بها إلى السعودية سابقًا.
وأضاف أن شركته (تتحفظ عنب بلدي على ذكر اسمها) لها مكتب في مدينة الرياض وآخر بمنطقة القدم في دمشق، ويتم عبره دفع تكلفة السفر وحجز المقاعد في بولمانات “VIP” مزودة بإنترنت وشحن كهربائي للهواتف النقالة، على حد قوله.
وبحسب مدير الشركة فإن تكلفة المقعد الواحد من الرياض إلى دمشق 300 ريال سعودي (50 ألف ليرة سورية تقريبًا)، في حين يُكلف طريق الرجوع من دمشق إلى الرياض 100 ريال فقط (16 ألف ليرة سورية)، ويستغرق 24 ساعة كحد أقصى تتخللها استراحات كل 350 كيلومترًا تقريبًا.
ويشير المدير إلى أن شركته تنظم رحلة كل يومين بين الرياض ودمشق، مضيفًا، “يوجد طلب كبير على السفر برًا، والباصات دائمًا مزدحمة، إذ يجب على الراغبين الحجز قبل فترة حتى يتمكنوا من السفر”.
وهذا ما أكدته سارة، التي سافرت من الرياض إلى دمشق في أيار الماضي، بقولها إن الباص الذي سافرت فيه كان مليئًا بالكامل، وجميع الركاب من النساء والأطفال فقط، كما أنها كانت تلتقي في الاستراحات بالكثير من المسافرين برًا عبر شركات أخرى.
وعن الحواجز داخل سوريا، قال مدير الشركة إن الطريق من معبر نصيب الحدودي إلى دمشق لا يوجد فيه سوى حاجزين فقط تابعين للنظام السوري، على حد قوله، وأضاف أنه يتم إنزال الركاب وتفتيش الحقائب عند كل حاجز.
لكن سارة قالت إن الشركة التي حجزت لديها طلبت من كل عائلة دفع مبلغ 100 ريال (16 ألف ليرة سورية) كي لا يتم تفتيش الحقائب وإنزال الركاب عند الحواجز الأمنية.
وجرى الحديث نهاية العام الماضي عن بدء تسيير رحلات برية من السعودية إلى سوريا، عقب إعلان شركة “نجمة الأولى للنقل الدولي”، ومقرها جدة، عن تسيير أول رحلة من مدينة جدة إلى مدينة دمشق بتاريخ 16 من آب 2018.
ونفى مدير إدارة الهجرة والجوازات التابعة للنظام السوري، ناجي النمير، ذلك في حديث لموقع “الاقتصادي”، بقوله إن الأمر “غير صحصح”.
في حين لم يعلق النظام السوري على الرحلات البرية التي بدأت فعليًا منذ أيار الماضي، وفق ما أكده مسافرون لعنب بلدي.