لا يقتصر الاستبداد والاحتلال على تهديم الحجر والاستحواذ على الجغرافيا فحسب، بل يسعى إلى تخريب العقول وإضعاف النفوس وإحلال الفساد في المجتمع، فالسكين التي قتل بها أنصار الأسد أطفال بانياس ورجالها أصبحت أكثر حدة فيما بعد، إذ انتقلت من قتل الجسد إلى محاولة قتل الأرواح والأخلاق في نفوس شباب مدينة لطالما عرفت بطيبة ونخوة أبنائها.
وقبل الخوض في تفاصيل ما يجري في مدينة بانياس الساحلية، لا بد من الإشارة إلى أنّها فقط محاولة للبحث فيما يجري داخل هذه المدينة -بعد أكثر من سنة على مجزرتها الشهيرة- بعيدًا عن الإساءة لأهلها، والتعميم عليهم.
النظام يستميل المراهقين
يقول أحمد، أحد شباب المدينة الجامعيين، إنّ «النظام حاول خلال الفترة الماضية أن ينهي فكر الثورة بأشكال متعددة منها إفساد الشباب والبنات الذين تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 25 عامًا، وهي فئة يسهل التلاعب بأفكارها».
وقد نجحت هذه المحاولات باستمالة بعض شباب المدينة بالمال والسلطة، وفق ما ينقله أحمد مؤكدًا أن «الجانبين –المال والسلطة- من نوازع النفس البشرية التي تميل بصاحبها، فالضيق المادي والنفوذ الذي يغري كل شابٍ في هذا العمر وانعدام الأفق بالمستقبل؛ جميعها أسباب جعلت عددًا من الشباب متطوعين الآن في صفوف ميليشيات الدفاع الوطني».
ويكمل أحمد في وصف ما وصلت إليه الحال اليوم «ساهمت الضغوط النفسية والمادية والفراغ الذي يعيشه المراهقون وغياب رقابة الأهالي، في بعض الانحلال الأخلاقي في هذه الفئة»، لكنه يعتبر «الظاهرة طارئة على مدينة لطالما عرفت بالمحافظة، فأصبحنا نرى بعض المراهقات على كورنيش بانياس وقد دخلن في علاقات خاصة مع مجندين من قوات النظام غرباء عن المنطقة».
ما بقي شباب في البلد
ولعل المبرر الأبرز الذي تسوقه بعض الفتيات اليوم في مثل هذه العلاقات التي تطور بعضها ليصبح رسميًا، هو «ما بقي شباب في البلد»، وهو بالتحديد ما ذكرته إحدى الفتيات -رفضت التصريح باسمها- عن خطوبتها التي تمت منذ أيام لأحد جنود النظام.
وتقول الفتاة: «العسكري هو أحد أبناء المنطقة الداخلية ولا مانع لدي من الارتباط به؛ من حقي أن أحب وأكمل حياتي»، لكنها تعترف بأن العلاقة سائرة باتجاه المجهول، خصوصًا وأن خطيبها يقاتل مع قوات الأسد وربما يتم نقله إلى مكان آخر، مصرّةً في الوقت ذاته «لم يبق الكثير من شباب المدينة وقد ملت الفتيات الانتظار» وفق تعبيرها.
ولا يجد أحمد أي مبرر لهذه العلاقة حتى وإن كانت رسمية، ويسأل في المقابل «هل نسي هؤلاء الشباب وتلك الفتيات ما حلّ بأهلنا من مجازر، وكم من معتقل من أهل المدينة يعذب في أقبية السجون، وما يدري هؤلاء أن هذا الشخص الذي أصبح اليوم حبيبًا أو خطيبًا هو نفسه من حمل سكينًا وأجهز بها على أخيها الصغير أو ابن جارها»، لافتًا إلى «فظاعة» الانتهاكات بحق أهالي المدينة «لم تكن مجزرة بانياس كغيرها، فكيف يمكن أن يضع البعض مبررات لما يحصل ولم تمضِ سنوات بعد لننسى».
سياسة «خبيثة»
ويعزو أحمد سبب اعتماد النظام على شبان البلدة ومنحهم السلطة والسلاح وتقديم الحماية القانونية خصوصًا للصغار منهم إلى «تغطية النقص البشري في قواته وكسب أكبر عدد منهم في الجبهات المشتعلة».
ولا تقتصر هذه السياسة على مدينة بانياس فحسب، بل تتعداها إلى مناطق عديدة مثل جبلة واللاذقية وحماة، وإن تفاوتت نسبة الانخراط بين أبنائها. وكان جيش الفتح كشف بعد معركته الأخيرة في مدينة إدلب عشرات الصور التي وجدت في جوالات قتلى الأسد، تظهر فتيات جندها النظام لصالحه وأغلبها تعود لمراهقات لا تتجاوز أعمارهن 20 عامًا.