تشهد مدن الشمال السوري رواجًا كبيرًا للبضائع التركية وأضحت اليوم مقصد الأهالي في المناطق المحررة في مختلف المجالات، لتتصدر واجهة المشتريات قبل المنتوج المحلي، الذي تراجع بشكل كبير مؤخرًا.
«أكثر من 80% من المعامل والمصانع توقفت منذ بداية الثورة وجلّها من المعامل الرئيسية» وفق ما نقله لنا الحاج أبو عبد الكريم، وهو مالك لأحد المراكز التجارية في مدينة الأتارب في ريف حلب.
ويشهد القطاع الصناعي في سوريا تراجعًا كبيرًا وخصوصًا في الشمال، حيث تتواجد أغلب المعامل والمصانع الكبيرة التي أعطت لحلب لقب «العاصمة الاقتصادية».
ويعود توقف المعامل إلى استخدامها كمقرات عسكرية لكلا طرفي الصراع من جهة، ولتعمد نظام الأسد قصف المراكز الصناعية في المناطق التي تخرج عن سيطرته من جهة أخرى.
كما يؤثر ارتفاع أسعار المواد الخام وصعوبة الحصول عليها، وانقطاع الكهرباء بشكل كامل وسط غلاء لأسعار المحروقات، على حسابات أصحاب هذه المنشآت وتجعلهم يتراجعون عن كثيرٍ من المشاريع الخاسرة في زمن الحرب.
فتح ذلك الباب على أبوابه للبضائع المستوردة بكافة أنواعها، لتحتل إلى الساحة الاقتصادية في المناطق المحررة، وبما أن المنفذ الوحيد للشمال السوري هو الحدود التركية، فكانت الرابح الأول في تصريف بضائعها.
أبو محمد الحمصي، صاحب دكان لبيع اللحوم في قرية تل حدية في ريف حلب، تحدث لعنب بلدي عن كثافة اللحوم التركية في السوق «لم أعد أشتري اللحوم السورية إلا بشكل قليل جدًا، اللحوم التركية تأتي بأسعار مناسبة».
وأوضح الحمصي «أبيع كيلو الغرام الواحد من الفروج التركي بـ450 ليرة، بينما الفروج السوري سعره لا يقل عن 550 ليرة للكيلو»، مضيفًا «نحن نعيش في تركيا فكل ما لدينا صنع فيها؛ المواد الغذائية والمواد الخام والأدوات الكهربائية وغيرها في شتى المجالات».
وفي السياق، قال أبو عبد الملك، وهو أحد العاملين في أعمال البناء، إن أغلب المواد الأولية لمصلحته تأتي اليوم من تركيا، إلا أن الوضع هنا مختلف، إذ ما زالت «المواد السورية تكلفتها أقل وجودتها أفضل، ولكن الحصول عليها صعبٌ جدًا؛ الحواجز الأمنية التابعة للأسد تمنع دخول هذه المواد إلى المناطق المحررة، لذلك تعتبر الموارد التركية الأساس لجميع مواد البناء تقريبًا».
وانعكس ذلك على الصناعة في المناطق الحدودية التركية، إذ بدأت بعض الشركات تنتج موادّ مخصصة لإدخالها إلى سوريا، لكنها بجودة أقل، وفق ما نقله أبو رياض، وهو صاحب سوبرماركت في أورم الكبرى ويجلب بضاعته من سرمدا، عازيًا السبب في ذلك إلى محاولة المنافسة في الأسعار مقارنة بالمواد السورية.
وأضاف أبو رياض «تركيا هي المستفيد الوحيد من دخول المواد إلى سوريا»، مردفًا «لا يمكننا تخزين البضائع التركية بشكل كبير لأن أسعارها غير ثابتة فهي تتغير حسب وضع المعابر الحدودية».
وفي حديثٍ لعنب بلدي مع مصدر مسؤول في إدارة معبر باب الهوى (رفض الإفصاح عن اسمه)، أفاد أن دخول البضائع يتم عن طريق المنطقة الحرة بين البلدين، وتدار العملية من المعابر لتنظيمها ومنع التجار من التلاعب والتهريب.
ولفت المسؤول إلى تلاعب التجار وتأثيرهم بحركة المعابر، حيث «يشترون بعض الرخيصين لافتعال المشاكل التي تؤدي لإغلاق المعابر لعدة أيام، مستفيدين بذلك من ارتفاع أسعار المواد التي أدخلوها في وقت سابق، ويتاح لهم المجال للتحكم بها خصوصًا بعض المواد الغذائية».
وتقوم إدارة المعبر حاليًا بـ «تحريات مكثفة» لمعرفة المسببين ومحاسبتهم بأسرع وقت ممكن، وضبط هذا الأمر، وفق ما ينقله المسؤول.
وتغيب الإحصائيات الرسمية حول مقدار الواردات من الحدود التركية وذلك لاختلاف مناطق السيطرة في الشمال السوري، وعدم التنسيق بينها.
ويعدّ الشمال السوري سوقًا خصبةً للتجارة الخارجية، بينما تقدّم الحكومة التركية تسهيلات كبيرة لدخول البضائع وتتيح للسورين حرية التبضع في أراضيها رغم كل المعوقات التي تقع على عاتق بعض رؤوس الأموال، خصوصًا بعد تعمد نظام الأسد منع أغلب المواد الرئيسية كالطحين والمواد الغذائية بأنواعها عن الشمال السوري منذ أكثر من 3 سنوات.