الشهيد الرقم..

  • 2015/04/12
  • 1:54 م

«تشابه أسماء» ألبسني حياة غيري، لم أتميَّز يومًا عن أحد بشيء فأنا مجرد سائق سيارة أجرة لا يتسع وقته حتى لمتابعة الأخبار إلا بالقدر الذي أشعرني حينها أن الأمور في هذا البلد ليست على ما يرام.

ارتجف قلبي لما سمعته من أرقام قيل لي إنّهم سقطوا في درعا بادئ ذي بَدئ، غيرَ مدركٍ بأنني يومًا ما سأكون رقمًا، وأن الأرقام في بلادي سيطيب لها المقام أكثر مما تصورنا، لتتحول فيما بعد إلى ما يشبه السرطان المتشبث بالجسد، المتنامي الذي لا يزيده «الكيماوي» إلا استفحالًا من آحادٍ لعشرات لمئات لألوف لعشرات الألوف، اسمي أحمد وأنا رقمٌ من 4 خانات تعلو رأس جثّتي.

لا يُفزعنَك وجهي الأصفر النّحيل ولا عيناي الغائرتان اللّتان طمحتا إلى السَّماء وقد تبع البصرُ منهما الرّوحَ منِّي، فمنذ ثلاثة أشهر فقط كنت أعانق زهرة الحياة الدّنيا، فلقد رُزقتُ بمولودي الأول وصادفت مع ذلك نجاحًا في تجارتي الصّغيرة مع سدادٍ للدَّين الّذي عَلِقني لسنين؛ لكنّ للقَدَر دَينٌ لا بدّ من سداده.

تهمتي الوحيدة أنني من ريف حلب الثائر وأنا لا أنكر هذه التهمة، لم أحمل سلاحًا يومًا ولكنني لم أقصِّر فيما عدا ذلك، اسمي خالد، وأنا رقمٌ من 4 خانات تعلو رأس جثتي.

كنتُ كما أرادوني طبيبًا في عامي الدراسي السادس في الجامعة، عندما تمّ تفريق المظاهرة التي مرَّت بجوار منزلي بالرّصاص الحيّ، أحضروا لي شابًا غارقًا بدمه، هو إلى الموت أقرب منه للحياة.

ذنبي الوحيد أنّ يداي تلطختا بدمائه عندما شخّصت وفاته؛ ساعاتٌ فقط كانت ما بقي لي قبل أن أدخل عالم «السلالم النَّوازل»، غاية ما كنت أتمنّاه هناك -ولسنواتٍ ثلاث- أن أشفي غليل الأسئلة التي تطرق رأسي كعصا التعذيب تمامًا يوميًا ولمرات عديدة، ما الذي حلّ بـ «بابا عمرو»؟ وهل انتفضت حلب؟ والجيش الحر لا بد أنه قد أصبح الآن قوة لا يستهان بها؛ اسمي أسامة وأنا رقمٌ من 4 خانات تعلو رأس جثتي.

«قل الحق يا شيخ» كلمة أسرّ لي بها الكثيرون طوال عامين كنت أعتلي فيهما منبر الجمعة، كنت أعلم منذ أول لحظة أنني على المحكّ، لم يكن التحدي بالنسبة لي أن أصدع وأصدح بالحقّ الذي بات واضحًا وضوح الشَمس للطفل الصغير، أما من أغلق عقله بمفتاح أسبابه «الخاصّة» ثم ألقى به في البحر فلن تنفعه حجّتي وكلماتي التي سأقولها لمرّة واحدة سيتبعها الاعتقال المحتوم.

التّحدي الأكبر بالنسبة لي كان أن لا أنعق بالباطل مع زمرة النَّاعقين، فالوقوف على الحياد ظاهريًا في حالة كحالتي لم يرق لكلاب الظلام وتمَ تنبيهي مرتين، وفي كل مرّة كنت أجادل نفسي مستعرضًا الأدلة الشرعية التي تجيز لي التَرخّص حفاظًا على حياتي، ولكن أبت نفسي إلا الثبات على ما أنا عليه وأخلصت النية إذ لا معينَ لي ولا يعلم بحالي إلا الله.

أنا عبد الرّزاق وأنا رقمٌ من 4 خانات تعلو رأس جثتي، أما العيون مني فقد فقأوها بعدما فاضت روحي وما علموا بأنّ مهمتهم قد انتهت، والفارس قد ترجّل، والشّاة إذا ذُبِحت لم يؤلمها السّلخ..

مقالات متعلقة

رأي

المزيد من رأي