"عندما يُستهدفون لا يمكنهم سوى انتظار القدر"
عناصر الدفاع المدني في حلب تضحيات وألم في سبيل إنقاذ الضحايا
«كنا نحضّر فطورنا الصباحي حين سمعنا دويّ برميل يهوي بالقرب منا؛ هرعنا إلى المكان فإذ به دوار الحيدرية يحجبه الدخان الأسود وأرتال السيارات، وتملأ أرضه الجثث والأشلاء… ليبدأ عناصر الدفاع المدني بمساعدة الأهالي انتشال ما يمكن من الأبدان».
هي قصة تبدو روتينيّة، يرويها أبو أمير الكياري (30 عامًا)، قائد فريق الإنقاذ في الدفاع المدني، حول ما يواجهه عناصر الفريق بشكل شبه يومي جراء قصف البراميل التي تستهدف أحياء حلب المحررة.
لكنّ القصة التي حدثت مطلع آذار من العام الفائت لا تتوقف عند انتشال الجثث أو الجرحى، إذ يتعرض هؤلاء لأن يكونوا ضحية كما الآخرين؛ وعليه، يردف أبو أمير عن ذات الحادثة «كوني قائد الفريق طلبت من أصدقائي الابتعاد عن السيارات المحترقة خوفًا عليهم وبدأت بسحب الجثث من أسفل السيارات حينها هوى البرميل الثاني نحونا فجأة».
«في هذه الحالة لا يسعنا سوى الانبطاح منتظرين القدر؛ رفعت رأسي فرأيت صديقي (محمد فرج) طار في الهواء وارتطم بالجدار، بينما اخترقت شظية رأس إيهاب حورية وسال الدم على وجهه كالشلال» وفق أبو أمير، الذي يضيف بحرقة «التفتّ خلفي فوجدت عمار بكار وقد أصبح جسده جزأين، ركضت تجاهه صارخًا أحاول لملمة أحشائه المتناثرة هنا وهناك علّها تعيده إلى الحياة».
ولم تقتصر أحداث اليوم على استهداف الفريق بل تعدّت ذلك لتشمل الصحفي الكندي، علي، الذي كان يحضّر لتقرير مصوّر عن الدفاع المدني، «لقد تعلم الصلاة وصلى معنا 4 مرات، لكنه فارقنا يومها وانفجر رأسه إلى أشلاء».
جنودٌ مجهولون يصلون ليلهم بنهارهم ويقدّمون أرواحهم في سبيل إنقاذ الناس من تحت الركام، لكنهم إضافة إلى ذلك يتعرضون لأن يكونوا أهدافًا دائمًا، وقد أصيب أبو أمير نفسه رمضان الماضي حين أوقظ ليلًا ليساعد في إنقاذ رجلٍ تحت سقفٍ منهار في حي الشعار.
وبينما كان أبو أمير يحاول رفع الردم لإنقاذ الرجل، انهار المبنى المجاور وانهالت الحجارة فوقه وأصابه إغماء، ويقول «استيقظت بعد دقائق أتفقد جسدي، وبدأت أنقّب الحجر والتراب بأظافري لأفتح حفرة صغيرة وضعت فيها أنفي مباشرة لاستنشق الهواء وبدأت أصرخ علّ أحدًا يسمعني لكن دون جدوى، حتى استطعت في النهاية إزاحة بعض الأحجار وخرجت بأعجوبة».
ما يجمع الفريق أنهم شباب مدنيون متطوعون، تعرفوا على بعضهم أول مرة بعد سقوط صاروخ سكود في أرض الحمراء في آذار 2013 أثناء قيامهم بعمليات الإنقاذ، ليؤسّسوا بعدها مركز هنانو للدفاع المدني.
وبعد حوالي عام ونصف بدأت الحكومة السورية المؤقتة بصرف رواتب ثابتة لهم بالكاد تكفي وتأتي متأخرة عن أول الشهر، كما يقول أبو أمير، لتتوقف نهائيًا منذ 5 أشهر وحتى الآن، وأغلبهم لديهم عائلات وأطفال، البعض أهلهم نازحون والآخرون لم يروا نساءهم وأطفالهم منذ شهور.
«لقد فقدت أخي بداية الثورة حين احترق فرن للخبز في أرض الحمراء وبداخله 12 شابًا، لم يجرؤ أحد على التقدم باتجاه النار لينقذهم، وحده أخي دخل الفرن متحديًا النيران لإنقاذ ما في المستطاع، لكنه احترق مع باقي الشباب؛ هذا ما جعلني أحب عمليات الإنقاذ ولا أتردد أبدًا بالالتحاق بفرق الدفاع”، يقول أبو أمير.
كما خسر أبو أمير -الذي كان يعمل في مصنع لبطاريات السيارات قبل الثورة- منزله جراء قصف بالبراميل أيضًا، ولم يرَ أهله وبنته منذ 5 أشهر إبان نزوحهم.
ظروف خطرة وأوضاع مادية أسوأ، فما الذي يشجّع على الاستمرار إذن؛ يجيب أبو أمير مبتسمًا «لقد أنقذت حياة الكثير من الأطفال بسحبهم من تحت الأنقاض وهو شعور لا يمكن وصفه… ثمّ أن يوقفك أحدهم يومًا في الشارع ويضمّك بشدة ولهفة ويخبرك أنك أنقذت حياته يومًا من تحت الأنقاض في حي الفردوس؛ ثم تدمع عيناك فرحًا… إحساس لا يمكنك أن تشعره في أي عمل آخر؛ إننا سعيدون بذلك».
ويختم قائلًا: «إننا ثوار ولذا فنحن مستمرون بإذن الله».
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :