كثيرًا ما تشكو غالبية الأمهات من فرط حساسية أطفالهن، وخاصة في السنوات الأولى من العمر وقبل التحاقهم بالمدرسة، فتراهم يبكون متأثرين بأبسط الأمور، ويشعرون دائمًا بأنهم سخرية لمن حولهم؛ ويعتبر التعامل مع هذه النوعية من الأطفال صعبًا للغاية، إذ يجب معاملتهم بطريقة خاصة تجنبًا لتفاقم مشكلة الحساسية المفرطة وتأثيرها عليهم في الكبر.
تقول والدة هبة، ذات الأربع سنوات، إن ابنتها حساسة جدًا لدرجة أن الكلمة أو النظرة قد تبكيها، حتى لو كانت من طفل صغير.
إن هذه المشكلة لا تأتي بين يوم وليلة، وإنما تزيدها كثرة التصرفات التي يبدي فيها الأهل اهتمامًا زائدًا للبكاء والصراخ الذي يقوم به طفلهم، ويبدون انبهارًا ويركزون بشكل زائد على الطفل.
على سبيل المثال، عندما تقوم الأم بسؤال ابنها: هل تتألم، من الذي سبب لك الضيق، ماذا فعل لك؟ بهذه الحالة تصل رسالة للطفل وكأنه إذا تألم فهناك مشكلة ما، وبالتالي يعتاد بأن يعاني من قلقٍ على نفسه، ونجده يبكي ويصرخ بشكل مفرط حتى يحصل على الانتباه والاهتمام من أهله.
ويتعود الطفل بأنه لا يمكن للآخرين أن يتكلموا معه بطريقة قد لا تعجبه وكأن ذلك خطأ كبير، وبذلك يساهم الأهل في انغراس الطفل في مشاعره، وتوجيه انتباهه إلى نفسيته في عمر مبكر بشكل مفرط وبطريقة غير مفيدة.
الأهل غالبًا هم السبب في زيادة أي تصرفٍ يكرره الطفل، وعن غير قصدٍ في معظم الأحيان، إذ يقومون بالطبطبة على أفراد العائلة بشكل مفرط عند بكاء أي أحد منهم، أو أن العائلة تعاني من خوف وقلق من أن تضر بنفسية طفلها لدرجة زائدة عن الحد.
يبدو الأمر وكأننا انتقلنا من عنف قاس على الأطفال في الأجيال السابقة، إلى أهل حساسين بطريقة مفرطة على نفسية الطفل والخوف على جرح مشاعره، والتسبب بعواطف مزعجة، في عصرنا الحالي.
يمكن أن يكون اهتمامنا بنفسية أطفالنا بهذه الحالة بطريقة صحيحة، وذلك من خلال العمل على فهم الطفل وسؤال أنفسنا ماهو سبب بكاء وصراخ طفلي؟ هل هو متألم بشكل جدّي؟ أم أن هذا البكاء هو فقط للحصول على الانتباه والاهتمام.
فالمشكلة عندما يعمل الأهل على توجيه الطفل إلى نفسه، وتعويده على الحساسية للكلمة أو للنظرة بشكل مفرط.
مثلًا، عندما يأتي الطفل ويشتكي لأمه بأن أولاد الحي لم يسمحوا له باللعب معهم؛ في هذه الحالة، من الممكن أن تطلب الأم من طفلها لحل المشكلة أن يذهب ويستأذن منهم باللعب، وفي حال رفضهم، يجب على الأم أن تطلب من طفلها البحث عن مجموعة أخرى واللعب معهم.
ولن ينفع بهذه الحالة أن تظهر الأم الهلع والخوف، وتبدأ بقول: ماذا تريدني أن أفعل؟ هل تريدني أن أذهب وأتكلم معهم ليسمحوا لك باللعب معهم؟ الطفل ينظر بعيون أمه، كيف ترى هي الموقف؟ هل تراه أمرًا كبيرًا؟
عندما تعطي الأم الأشياء حجمها الصحيح وتتعاطف مع مشاعر طفلها، ولكن لا تتوقف عندها، وإنما تساعده بدفعه لتجريب حلول بديلة، عندها يكون دورها فعالًا وإيجابيًا.
أخيرًا، الحساسية المفرطة عند الأطفال تأتي من ردود أفعال الأهل لمواقف متتالية، تكاد تكون مواقف بسيطة، ولكن استجابتنا هي من سببت بخلق هذه المشكلة.
إن هذا الاستجابة قد تأخذ هذا النحو إما لحل مشاكل قديمة مع أهالينا، لأنهم لم يحسّوا بنا، وبالتالي نحاول أن نكون نحن حساسين مع أطفالنا ولكن بطريقة مفرطة، أو نعتقد أن هذا له علاقة بالصحة النفسية لطفلنا، وكل ذلك غير صحيح وقد تكون له آثار سلبية على أطفالنا، فوجب الانتباه.
ويستجيب الطفل الحساس بشكل أكبر عند التعامل بلطف ولين معه، باستخدام أساليب مختلفة كالتودد والابتعاد عن القسوة في التعامل معه؛ تجنبًا لزيادة ردّات فعله السيئة والتي من الممكن أن تكون صادمة في بعض الأحيان، كأن يبكي الطفل بشدة ويفقد أعصابه.
وهنا يأتي دور الأم في كشف وتحديد الأشياء التي من الممكن أن يتحسس الطفل منها ويشعر بالتوتر والذعر وتحاول أن تتجنبها بشكل أو بآخر.