جريدة عنب بلدي- العدد 30 – الأحد – 16-9-2012
مع إعلان حكومة النظام عن بدء العام الدراسي في هذا الأسبوع وتصريحات وزير التربية في الحكومة أن الوزارة أنهت استعداداتها للإنطلاق بالعملية التدريسية اعتباًرا من 16 أيلول، يتبادر لأذهان الجميع عدة تساؤلاتٍ حول مدى جدية هذا الإعلان الحكومي وحول مدى القدرة على تنفيذه والمضي به في ظل الواقع الحالي الذي لا يخفى على أحد. فقوات النظام وشبيحته استباحت المدارس وجعلت منها ثكنات عسكرية ومراكز اعتقال وتعذيب، والقصف الذي هدم الكثير من بيوت المدنيين الآمنين وجعلها غير آمنة فاضطر الأهالي للنزوح منها واللجوء إلى المدارس بدلًا من البقاء في العراء، فأصبحت مقولة «المدرسة بيتنا الثاني» حقيقة واقعة لا مجرد شعار كنا نتغنى به في مدارسنا. وكثير من المدارس على امتداد ساحة الوطن تعاني نقصًا في الكادر التدريسي لأسباب متعددة، في حين أن كثيرًا من طلابنا، وقود ثورتنا ومستقبل أمتنا، غير قادرين على الالتحاق بمدارسهم فمنهم من سقط شهيدًا على أيدي جنود الأسد وأسلحتهم، ومنهم من تم اعتقاله ومنهم من شُرّد أو اضطر لمغادرة البلاد مع أهله…..
فهل حقًا سيكون من الممكن الإنطلاق بالعملية التدريسية وذهاب الطلاب إلى مدارسهم اعتبارًا من اليوم كما خطط ويتمنى النظام؟؟!!!
أيلول، الموعد السنوي الذي يبدأ فيه التلاميذ بتحضير أنفسهم وشراء مستلزماتهم المدرسية لاستقبال عامٍ دراسيّ جديد. إذ تفتح المدارس أبوابها ليبدأ الطلاب رحلتهم مجددًا في سفينة العلم والمرح، فترتسم على وجوههم بسمةٌ تعلن سرورهم بقدوم العام الجديد، وفرحتهم بجديد المدرسين ورؤية الأصدقاء القدامى. لكن لشهر أيلول هذا العام وقْعٌ مختلف، فالمدارس تعجز عن فتح أبوابها للتلاميذ كالمعتاد! وخصوصًا في المناطق الساخنة.
لم تعد المدرسة مكانًا مناسبًا لينال الأطفال فيه العلم أو ليحتضن طفولتهم أو ليضم أصوات ضحكاتهم وصراخهم اليومي، كيف يكون ذلك ومدارس أبنائنا التي دُمّر عدد كبير منها، باتت اليوم هدفًا لصواريخ وقذائف النظام أو حُولت إلى ثكنات عسكرية ومراكز استجواب أمني وسجونٍ للإعتقال!! أو أنها تحولت إلى مشافٍ وملاجئ ومنازح للسوريين! كل ذلك ناهيك عن قدرة الأهالي على تحمل عبء المصاريف المدرسية في ظل الحصار الأمني الخانق الذي تتعرض له المدن والبلدات السورية والذي أدى إلى انقطاع أرزاق الآلاف من المعيلين وأرباب البيوت!
اقتحام المدارس وانتهاك حرماتها:
منذ بداية الفصل الثاني من العام الدراسي السابق ازدادت ممارسات النظام وقواته وتكررت بانتهاك حرمات المدارس واقتحام ساحاتها وصفوفها واعتقال الطلاب من داخلها بحجة تنظيمهم للمظاهرات أو مشاركتهم بها وإلقاء المناشير وتوزيعها. كما قام عناصر الأمن أثناء اقتحامهم المدارس بالاعتداء على المدرسين والطلاب جهارًا نهارًا بالضرب والإهانة.
الطالب م. ش في الصف الثامن في إحدى مدارس المدينة يروي ما جرى أمامه وأمام حميع الطلاب في مدرسته عندما اقتحمها عناصر الأمن وشبيحة النظام: «الشبيحة ضربوا المدير بنص الباحة قدامنا وسبوه لأنو كنا عم نهتف بالفرصة علمًا انو هو كان بمكتبو وما دخلو فينا!». أما مدارس البنات فقد اُقتحِمت غير مرة وتم شتم الطالبات والمدرسات وإسماعهن كلمات جارحة وعبارات شديدة الوقاحة. تقول الطالبة هـ. م من الثانوية العامة للبنات: «الشبيحة فاتوا لعنا عالصف وتلفظوا بكلمات وعملوا حركات….. وكل ما أتذكرها بكره المدرسة وساعة المدرسة…»
النقص في الكادر التدريسي:
عدد كبير من المدرسين على امتداد ساحة الوطن تم اعتقالهم أو ملاحقتهم أو التضييق عليهم نتيجة ورود تقارير أمنية بشأن موقفهم من الثورة أوتعاطفهم معها. وداريا، شأنها في ذلك شأن بقية المدن والمناطق السورية، تعرض عدد من مدرسيها للاعتقال لفترات مختلفة ولا يزال بعضهم قيد الاعتقال التعسفي حتى اليوم. كما أن عددًا كبيرًا من المدرسين والمعلمين هم قيد الملاحقة من قبل الأجهزة الأمنية نتيجة مواقفهم الوطنية المؤيدة للثورة. كما أن الحملات الأمنية والعسكرية المتكررة على مختلف المدن والبلدات والاستهداف العشوائي (إعدامًا واعتقالًا) للمواطنين دفع بعدد كبير من المدرسين – كما غيرهم- للخروج من البلد وبالتالي حدوث نقصٍ إضافي في أعداد المدرسين.
كذلك فإن الحصار المفروض على المدينة يحول دون وصول المدرسين القاطنين خارج المدينة إلى مدارسهم وطلابهم داخلها فيما لو استطاعوا الخروج من مناطق سكنهم بسلام وآمان. ذلك أن المدرس – شأنه في ذلك شأنه جميع أبناء الشعب- سيكون مضطرًا للوقوف كل صباح لساعات على الحواجز التي يقطّع بها النظام أوصال المدن ويفصل بها المناطق بعضها عن بعض.
وقد قامت مديرية التربية بالتضييق على عدد من المدرسين والمدرسات ومنعهم من التدريس أو نقلهم إلى مدارس في مناطق أخرى أو إلى وظائف إدارية بهدف الضغط عليهم وإزعاجهم وحرمان الطلاب من أساتذتهم المخلصين. فيما تم تعيين عدد جديد من المدرسين من مؤيدي النظام في مدارس المدينة ليكونوا عيونًا لأجهزته الأمنية على زملائهم المدرسين وطلابهم ضمن المؤسسة التعليمية، وليعملوا على اجتثاث معاني الحرية والكرامة التي ترعرعت في نفوس وعقول الطلاب!
وبالمحصلة ستعاني مدارس المدينة من نقصٍ حادٍ في الكادر التدريسي. وإذا ما تحقق حلم وزير تربية النظام بالبدء بالدوام المدرسي اعتبارًا من اليوم، فإن الكثير من الأسئلة وإشارات الاستفهام تثار حول إمكانية الانطلاق بعملية التدريس في ظل النقص في الكادر التدريسي.
استهداف المدارس وسرقة التجهيزات:
على مستوى الجاهزية فإن عددًا من المدارس قد تضرر وبشكل كبير وخُرّبت محتوياتها جراء القصف والحملات العسكرية كحال بعض مدارس داريا. عدة مدارس في مدينة داريا طالها القصف الهمجي أثناء الحملات الوحشية للنظام على المدينة لاسيما الحملة الأخيرة (25 آب) فتهدمت أجزاء منها وتضررت أخرى. وقد سقطت عدة قذائف على مبنى ثانوية البنات العامة ما أدى إلى تحطيم معظم الأبواب الداخلية للمدرسة وفتح فجوة كبيرة في إحدى الغرف الإدارية المطلة على الشارع وتخريب ما بداخلها من أدوات وتجهيزات مكتبية. وكانت المدرسة نفسها قد «اُحتلت» من قِبلِ قوات النظام أثناء اقتحامهم للمدينة مطلع شهر رمضان حيث قام عناصر قوات النظام بالعبث بمحتوياتها وتخريب أثاثها وسرقة تجهيزاتها. ويروي الأهالي القاطنون في محيط المدرسة أن الجنود الذين عسكروا يومها داخل المدرسة قد خرجوا منها محملين بأجهزة الكمبيوتر وأجهزة الإسقاط (بروجكتور) ومعدات أخرى!! وقد شجع هذا الواقع بعضًا من اللصوص اللذين أطلق النظام أيديهم ليعيثوا في البلاد فسادًا ويستكملوا عمليات النهب والسرقة التي يقوم بها عناصر النظام للقيام بالسطو على المدارس في المدينة وسرقة محتوياتها، حيث تعرضت عدة مدارس للسرقة في أعقاب الحملتين الأخيرتين على المدينة (أواخر تموز وأواخر آب). ورغم إبلاغ الجهات المختصة ووزارة التربية ومديرية التربية في المحافظة بما تعرضت له المدارس، إلا أن شيئًا لم يتغير ولم يتم تزويد المدارس بما تحتاجه أوما ينقصها من تجهيزات ووسائل للبدء بالعملية التعليمية والتدريسية كما يتمنى النظام.
المدارس بين ثكنات عسكرية ومشافٍ وملاجئ؟
في الوقت الذي وقعت فيه بعض المدارس تحت الاحتلال الأسدي لتصبح بمثابة ثكنات عسكرية أو مراكز اعتقال، فقد حول الناشطون بعض المدارس إلى مشاف ميدانية لمعالجة الجرحى والمصابين برصاص النظام وقذائفه التي تحولت في الأشهر الأخيرة إلى وِرْدٍ يومي يستهدف المدن بشكل عشوائي. ذلك أن الأهالي يخشون نقل مصابيهم إلى المشافي الحكومية خوفًا من تعريضهم لخطر الاعتقال والتعذيب هناك بسبب الشك الاستباقي في انتمائهم إلى الثورة!
وفي الوقت نفسه تحولت بعض المدارس بحقٍ إلى «البيت الثاني» للطلاب وأهاليهم أيضًا حيث باتت المدارس ملاجئ لمئات النازحين من نساء وأطفال هاربين من وطأة قصف قوات النظام وهم الذين لم يتمكنوا من الهرب إلى خارج مدنهم. وقد تطوع كثير من الشباب لتحضير العديد من المدارس لاستقبال هذه العائلات، وتأمين مستلزماتها من طعام ولباس وغيرهما…
وقد قامت الجهات المختصة قبل يومين بطرد المواطنين الذين لجأوا إلى إحدى المدارس في قدسيا من تلك المدرسة وتركهم في العراء بحجة تهيئة المدرسة لاستقبال العام الدراسي الجديد رغم التأكيدات المتكررة لوزراء حكومة النظام أنه لن يتم إخلاء أي مدرسة قبل تأمين بديل جيد ومناسب للمواطنين الذين يشغلونها!! فما هو المصير الذي يواجه المواطنين الذين التجأوا إلى المدارس؟؟ وهل سيكون بدء الموسم التعليمي الجديد بالنسبة لهم موسم تهجيرهم من جديد وطردهم إلى المجهول؟؟
الطلاب وخطر الخطف أو القنص:
بعد الحملات والاقتحامات المتكررة لقوات النظام للمدارس في المدينة – وفي كل أنحاء الوطن – والتي ازدادت في الفصل الثاني من العام الدراسي الفائت وما رافق تلك الحملات من اعتقالات وإساءات للطلاب والمدرسين، يبدو إرسال الطلاب -لاسيما الأطفال- إلى المدارس في سوريا اليوم بات خطرًا بحد ذاته. ففي المناطق التي لا يستطيع النظام السيطرة عليها بشكل كامل، يشكل القنص الأداة المفضلة للنظام لفرض السيطرة، وقد سقط عدد كبير من التلاميذ العام الفائت برصاص القناصة في معظم مناطق سوريا.
في حين يتجلى خطر آخر يتهدد الطلاب وهو الخطر الذي برز مؤخرًا والمقصود به «عمليات الخطف» التي لجأ إليها النظام في عدة مناطق لاسيما المختلطة طائفيًا لإيقاع الفتنة بين السوريين. وكذلك عمليات الخطف من قبل عصابات النظام بهدف طلب الفدية والابتزاز. ويُخشى مع بداية العام الدراسي الجديد أن يأخذ ذلك شكلًا جديدًا يكون الطلاب وتلامذة المدارس فيه الهدف الأسهل للنظام حيث تسهل عمليات خطف الأطفال ونقلهم إلى أماكن مجهولة.
المدرسة وأعباء لا تحتمل:
يضاف إلى كل ما سبق الأعباء المادية الجديدة الناجمة عن زيادة أسعار الملابس المدرسية والقرطاسية ولوازم المدارس والتي قد تفوق قدرة الكثير من العائلات التي نُكبت أو انقطعت مصادر رزقها ودخلها بسبب العمليات العسكرية العنيفة التي شنها النظام على المدن والبلدات وتدميرها للكثير من المحال التجارية والصناعية وورشات العمل التي كانت تعيلهم. وفي جولة لمراسل «عنب بلدي» على عدد من مكتبات داريا الرئيسية مساء يوم السبت 15 أيلول أي عشية بدء العام الدراسي، لاحظ أن حركة البيع معدومة كليًا وأن المكتبات التي كانت تغص بالزبائن حتى ساعات متأخرة في مثل هذه الأيام من السنوات السابقة تعاني قلة البيع وانعدام الزبائن. ولدى سؤال صاحب إحدى المكتبات عن سبب الركود قال بأن البيع قد انخفض بنسبة تزيد عن الـ 90% مقارنة بالأعوام السابقة وأن أحد أهم أسباب هذا الانخفاض – إضافة إلى المشاكل السالفة الذكر- هو غلاء أسعار القرطاسية عمومًا بنسبة تصل إلى 40%
هذا هو حالُ المدارس في سوريا، تحوَّلت من دُورٍ لتعليم الأولاد الى ملاجئ للهاربين من قصف وبطش النظام ،ومن أماكن للّعب والمرح ورؤية الأصدقاء… إلى ثكنات عسكريّة ومعتقلات وأماكن تعذيب ومجازر بحقِّ أطفال آخرين…
والنظام إذ يستمر بالعيش في برجه العاجي البعيد عن الواقع ويتابع أحلامه بالبقاء والسيطرة وقمع الثورة، فإنه يعلن بِدءَ العام الدراسي الجديد، إلّا أنه لن يستطيع ملء باحات الطفولة وجدران الذكريات ومقاعد الدراسة بأطفال قد أعلنوا غيابهم حتى ينالوا حرّيتهم ،وبآخرين ارتقوا إلى جوار ربِّهم…. فهل هنالك حلٌّ قريبٌ للأزمةِ السوريَّة يكفلُ عودة اللاجئين إلى بيوتهم والأولاد إلى مدارسهم!!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :