إلى أخي المهاجر، مع التحية
حنين النقري – دوما
السعودية، الأردن، لبنان، مصر، قطر، العراق، السودان، ليبيا، تركيا…لم تعد مجرّد أسماء دول على الخارطة، صار ذكرها أمامنا في حديث لا ندريه يعني أمرًا واحدًا، ثمّة من سيتركنا ويمضي إلى هناك!
لست أتحدّث عن النزوح الإجباري، ذاك الذي يكون تحت وابل من رصاص أو قصف، ولا عن هروب بالروح تحت ستار الليل وستر الله، وحدود شهدت عبور مئات آلاف الأقدام، كل قدمين ترويان قصة مأساة وفقد..
حديثي ليس عن ذلك كلّه، بل عن «الهجرة»، تلك التي تتم عن سابق إصرار وتخطيط، يروي حديثها وقوفٌ أمام «الهجرة والجوازات» بطابور طويل، جواز سفر، تأشيرة خروج، انتظار لساعات في المطار، طائرة تقلع، «وأخيرًا»!! مطار جديد على أرض جديدة، وحياة – يخال البعض أنها جديدة، بعيدة عن «متاعب» سوريا، عن «أحداث»ملّوا منها!!
إرهاق الأعصاب، الخوف على الأهل، البحث عن الرزق، القلق على المستقبل، البحث عن «راحة البال»، التعب من أصوات قصف لا تفارقنا ليلًا ولا نهارًا، أليس هذا ما تهرب منه أخي؟
من هنا تبدأ المشكلة، عندما تنظر – أخي المهاجر- لأوجاع البلد على أنها من نصيبك أنت فقط، عندما تسعى لإيجاد حلول فردية – فردية للغاية- لمتاعبنا وأوجاعنا، – تلك التي نسينا أن الجميع يعانون مها بذات القدر (وربما أكثر)- جميعنا نعاني الداء ذاته، ولن يكون الدواء فرديا! ”أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ»
نعم، سفرك لبلد آخر لن يمنع الموت عنك أو عن أبنائك، وتواجدك في ساحة الوغى لن ينقص من عمرك لحظة!
وكم من القصص رويت لنا عمّن سبقك للهجرة – أخي المهاجر- فلقي حتفه هناك.. هناك حيث تمنّى الأمان والابتعاد عن رائحة الموت!
«وفي السماء رزقكم وما توعدون»*
في السماء…لا في الأرض!
بسعي وتخطيط وتفكير ودراسة لما يحتاجه البلد وأبناؤه اليوم، يمكنك التوجّه لعمل بسيط يعطيك ما يسدّ الرمق!
لا أتكلّم عن عشرات الآلاف تتدفق بين يديك، عن مستوى معيشي فاره اعتدته قبل الثورة وسافرت بحثًا عنه مجددًا (نحن في حرب، لا تنسى!)
لكن عن مبلغ تستطيع الاستمرار بالحياة معه! عن نزر بسيط (كوجبتي الإفطار والسحور في رمضان تمامًا!») قادر على منحك الحياة!
الدراسة، وتوضع أمامها إشارات استفهام كثيرة
أدري أن الكثيرين حال بينهم وبين جامعاتهم ومدارسهم ألف حاجز وقنّاص ودبّابة – كحالي اليوم- لكنّ هذا الحال مشترك!
وليس مصابك – أخي المهاجر- وحدك!
ليست مدارس أبنائك هي الوحيدة التي توقفت فيها الحياة، هناك عشرات الآلاف بحال مشابه! لكنّ توقّف الدراسة لا يعني أن نتوقف عن «بناء العقول» لنتابع تعليمنا ذاتيّا اليوم، وبشكل أكاديمي غدًا، عندما يتاح لنا -جميعًا- ذلك..
أتدري؟
المشكلة – أخي المهاجر- ليست في هجرتك أنت! المشكلة أن ما هو فردي اليوم، يصبح شيئًا فشيئًا ظاهرة جماعية كبيرة، المشكلة أن التهويل والتضخيم والمبالغة وكلمات مثل «ما عاد ينعاش بهالبلد!» تمارس سلطة ما بعدها سلطة، بين صفوف مجتمع يحتاج التثبيت لا بثّ الرعب!
«فلان» سافر إلى مصر…»عائلة فلان» سافروا جميعًا إلى السعودية، «بيت الجيران» سافروا إلى ليبيا، كلمات يحسبها الراحلون بسيطة، لكنّها بالغة التأثير على من بقي، يكفي أنها تشعرهم أنه «ما بقي غيرنا!»
أخي المهاجر…
لا زال فينا وفي بلادنا الخير، ولا زال بإمكاننا البقاء، ولا زال في بقائنا أجر الرباط في سبيل الله بإذن الله
هل سيطول انتظارنا للنصر؟ قد يكون ذلك طبعًا، لكننا وُجدنا لنُعين بعضنا بعضًا على تحمّل كل صعب، لنواسي المكلوم، ونصبّر أهل الفقيد، نساعد الجريح، وندعو للأسير..
وُجدنا لنشد من أزر بعضنا البعض، ونعلنها بصوت عالٍ، أننا باقون!
ولنذكر، أن صحابيَّا واحدًا لم يخرج من شعب بني هاشم أثناء حصار قريش والذي دام قرابة الثلاث سنوات، وكان من بين من شارك معهم «أبو طالب» عمّ النبي، دفعته أخلاقه وحميّته لمشاركتهم جوع وآلام الحصار -وما كان مسلمًا»
فهل لنا في صمودهم وتآزرهم من عبرة؟
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :