شهادة فاليري آموس: من يكترث لسوريا؟
منصور العمري
بينما أستعد لمغادرة الأمم المتحدة في نهاية شهر أيار، تسكنني الأزمة التي شهدتها أثناء منصبي الحالي: الحرب الوحشية المروعة في سوريا، وهي الآن في عامها الخامس.
في مؤتمر لإعلان التبرعات الشهر الماضي في الكويت، وعدَت عديد من الدول بتقديم ملايين الدولارات من المساعدات إلى السوريين المحتاجين، ونحن ممتنون لهذا الدعم الذي يعني أن الوكالات الإنسانية تستطيع الاستمرار في تقديم ما ينقذ الحياة من الغذاء والماء والمأوى والرعاية الصحية. ولكن ما زلت لا أستطيع تصديق أنّ العالم ينظر إلى عواقب هذه الأزمة الإنسانية المدمرة على أنها قد اتضحت بشكل كامل. أكثر من 220 ألف شخص قتلوا وهناك حوالي ثمانية ملايين نازح.
في الأسابيع الأخيرة بدأ أكثر من 100 ألف شخص بالنزوح من إدلب والأجزاء المحيطة بها في شمال غرب سوريا، في محاولة للهروب من العنف في حين أن المدارس والمستشفيات والمحلات التجارية حولهم قد أغلقت، وفي مخيم اليرموك للاجئين في دمشق هناك 18 ألف محاصر من اللاجئين الفلسطينيين بسبب القتال.
من يعاني هم السوريون المدنيون والذين يتعرضون للقصف لإخراجهم من منازلهم وللتعذيب ولسوء المعاملة والحرمان من الغذاء والمياه والرعاية الصحية، حُطمت الأُسر ودُمرت المجتمعات. زرت سوريا سبع مرات وتحدثت إلى اللاجئين السوريين في رحلات عديدة إلى لبنان والأردن والعراق وتركيا، وخلال كل زيارة كنت أتلقّى السؤال نفسه: لماذا تخلى العالم عنا؟ لماذا لا يكترث أحد؟
هذه الأسئلة لم تكن موجهة إلى المجتمع الإنساني، ولكن إلى قادتنا ولا سيما الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. كما تحدث اللاجئون عن تجاوز المصالح الضيقة للدول للمسؤوليات العالمية الأوسع نطاقًا، رغم الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة من خلال ثلاثة مبعوثين خاصين للأمين العام لرسم طريق للخروج من الأزمة. وفشلت دعواتنا الحكومة السورية لوقف استهداف المدنيين ووقف استخدام ما يسمى بـ “قنابل البرميل” ولقيت آذانًا صماء لدى الحكومة التي تدّعي أن أولوياتها هي حماية الناس.
أين تكمن المشكلة وما الذي يمكن فعله؟
ما يدهشني كل يوم هو عدم قدرتنا على حماية الناس؛ ليس فقط في سوريا بل في جميع المناطق. وقع 193 من الحكومات في الأمم المتحدة على الاتفاقيات والقوانين الدولية التي تهدف إلى حماية حقوق الإنسان الأساسية، وحتى الحرب لها قوانين ولكن القوانين والمعايير التي لدينا لحماية الناس في الصراع لا يتم احترامها.
لا تنشأ الحروب الحديثة بين القوات المسلحة للدول كما في الماضي، وغالبًا ما تحدث بين قوات الدولة وجماعات مسلحة بولاءات معقّدة ومتغيرة. وهذا يطرح تحديات القوانين الدولية الإنسانية وحقوق الإنسان، فالجهات الفاعلة غير الحكومية والجماعات المسلحة والجماعات الإرهابية والحكومات في بعض الأحيان، وتحت ستار محاربة الإرهاب، غالبًا ما تظهر عدم احترام حقوق الإنسان الدولية والقانون الإنساني وتحتقر الحياة البشرية، ويرتكبون الانتهاكات معتمدين على الإفلات من العقاب.
رفضت الحكومة في سوريا والجماعات الإرهابية المسلحة دخول المواد الغذائية والإمدادات الطبية إلى الناس ممن هم بحاجة ماسة إليها. وهاجمت المناطق السكنية والمدارس والمستشفيات، ومنعت المياه والكهرباء عن الناس في المناطق التي لا تخضع لسيطرتها، في مخالفات واضحة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.
وقد كان لذلك أثر مدمّر على المدنيين كما قوض مصداقية الأمم المتحدة، رغم جهود العاملين في المجال الإنساني البطولية والذين يخاطرون بحياتهم لمساعدة الفئات الأكثر ضعفًا. يعمل مجلس الأمن بشكل أفضل عندما يكون هناك اتفاق على الخطوات اللازمة للتعامل مع قضية محددة، ورأينا ذلك النهج الناجح والموحد لمعالجة وإزالة الأسلحة الكيميائية من سوريا، وهو الهدف الذي اعتبره كثيرون مستحيلًا.
صدرت ثلاثة قرارات عن مجلس الأمن بشأن وصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين في سوريا، ولكن هنا لا يمكننا الادعاء بحصول تقدم في هذا الشأن، ولمَ لا؟ لأنه في منطقة الحرب سوف يستمر استهداف المدنيين، ما لم يكن هناك حوافز لنزع فتيل العنف واتفاق على الآليات اللازمة لحماية المدنيين كإقامة مناطق حظر جوي ومناطق آمنة على سبيل المثال. إنها مشكلة صعبة للغاية، لكن لا يمكن أن نسمح لأنفسنا أن نراها مستحيلة الحل لأنها ليست كذلك. ومن أجل إحراز تقدم، يجب أن نركز انتباه الدول الأعضاء وأن نستفيد من خبرات الأمم المتحدة الواسعة، بما في ذلك الدبلوماسية العامة والخاصة، من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن انتقال سياسي في سوريا وعلى آليات نزع فتيل العنف. يتعين مساءلة البلدان التي تموّل المنظمات الإرهابية، ويجب على البلدان ذات النفوذ أن تستخدمه بطريقة منسقة ومنظمة.
قبل كل شيء يجب أن تكون حماية حقوق الإنسان الأساسية في صلب جدول الأعمال، فنحن بحاجة إلى تحليل العناصر والمسؤوليات بموجب القوانين الدولية الإنسانية وحقوق الإنسان والسعي لتوافق في الآراء بشأن الإجراءات ذات الأولوية، كحماية سلامة وأمن المنشآت الصحية والعاملين فيها وإنهاء تجنيد الأطفال وحماية النساء والفتيات، ويجب علينا وضع آليات عملية لإنفاذ هذه القوانين.
يتطلب كسر الجمود السياسي تحولًا في الحسابات لوضع احتياجات الناس العاديين في قلب عملية صنع القرار، وتتطلع الدول إلى الأمم المتحدة من أجل ممارستها سلطتها المعنوية، ولكن مرة بعد مرة يخيب أملها، فهي تريد نظام دولي عادل، يعزز المساواة ويناصر الضعفاء والمظلومين ويحمي حقوق الإنسان، وأن تقوم الأمم المتحدة بمساءلة أعضائها، وهو ما يزداد صعوبة في العالم الحديث، بما فيه من تعقيدات التحديات التي تواجهنا، والتي تتزايد صعوبتها، أجل إنه تحدٍ، ولكن بمزيد من العزم والالتزام يمكننا التغلب عليها.
نشرت بتاريخ 10 نيسان 2015
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :