جبهة ريف حماة.. تكسر القوانين العسكرية وتحيّر كبار الخبراء
أحمد بري
في بداية شهر أيار بدأ النظام مدعومًا من روسيا والميليشيات وبصواريخ تأتي من البحر، بهجوم بري وجوي، على منطقة صغيرة من حيث مساحتها كبيرة بفعلها وصمودها وبجبهة لا تتجاوز 18 كيلومترًا، وعمق لم تحدده القوة المهاجمة مسبقًا وتركته حسب مقدار النجاح، على أن توسع الخرق ما استطاعت، وحسب نجاح العملية.
أما الهدف من هذا الهجوم كما ادعى النظام والروس فهو إبعاد الثوار عن خط الجبهة ودائرة الخطر الخاصة به، وخاصة بعد أن تم وضع قواعد روسية في كرناز والجبين، واحتلال أراضٍ جديدة خارجة عن سيطرة النظام منذ بداية الثورة.
ولكي يتحقق لها نصر سريع، اختارت القوة المهاجمة منطقة هي الأضعف بنظرها من الناحية العسكرية وهي قلعة المضيق، والتي تعتبر ساقطة ناريًا بحكم احتلال النظام لقمتها (التي تسمى الحابوسة)، حيث تشرف على القلعة بشكل كامل وعلى الطريق الصاعد إلى الكركات، إذ لا يبعد مكان وجود عناصر النظام عن الحابوسة بخط نظر 250 مترًا.
وبدأ التمهيد الناري الجوي والأرضي وبكل وسائط التدمير الموجودة لدى الروس والنظام والميليشيات الإيرانية، ما اضطر الأهالي للنزوح هربًا من القتل والتدمير، ولعدم وجود أسلحة لدى الثوار تستطيع الرد وإبعاد الطيران وإسكات المدفعية والصواريخ.
ودخل النظام مدعومًا إلى القلعة والكركات دون مقاومة تذكر، لأن الثوار كانوا يحاولون تجنيب هذه المناطق القتل والتدمير وللأسباب التي ذكرناها سابقًا.
خُدع النظام ومن يواليه ظانين أنهم سيتابعون بنفس الوتيرة باتجاه باقي المناطق، ولكنهم اصطدموا بصمود وقتال لم يألفه أي جيش في العالم وكان مقتلهم في الجنابرة وكفرنبودة.
من الناحية التكتيكية، وكما هو معلوم لإخوتنا العسكريين، فإن الفرقة، سواء كانت مشاة، أو دبابات تهاجم لواء معاديًا بجبهة عرضها 8-12 كيلومترًا وعمق يصل حتى 30 كيلومترًا، حيث يحدد لها مهمة مباشرة وهي احتلال كتائب النسق الأول بعمق حتى ثمانية كيلومترات، ومتابعة الهجوم لاحتلال كتائب النسق الثاني (أي اللواء بالكامل) كمهمة يومية للفرقة.
وهذا كله يجب أن ينفذ في يوم واحد، أي في اليوم الأول للقتال، وكما هو معلوم أيضًا أنه يجب أن تكون قوة المهاجم ثلاثة أضعاف المدافع.
أما الذي حدث ويحدث في جبهة حماة فقد خالف كل الأنظمة والمعادلات التكتيكية والقوانين العسكرية المعروفة.
فمن ناحية العدة والعتاد لا يستطيع أحد أن يقارن بين الطيران والمدفعية وراجمات الصواريخ والحوامات التي يمتلكها النظام مع البندقية والرشاش والقاذف الذي يمتلكه الثوار، أي أن قوة المهاجم النارية هنا تعادل مئات أضعاف المدافع، بالإضافة إلى وسائط السطع التي تعمل وبأريحية كاملة لصالح النظام.
ولكن ما الذي حدث:
كان النظام وداعموه يظنون كما وعدهم “نمرهم الموهوم” أنه خلال أيام سيسلمهم ريف حماة من دون ثوار ويتجه إلى إدلب، أما ما حصل على الأرض فلم يكن بحسبانهم ولم يتوقعوه.
فقد اصطدموا بسد منيع وحائط لا يخترق ورجال ثابتين كالجبال استطاعوا إزلال النظام ومن والاه ويدعمه، فكانوا رجالًا لم تذكرهم الروايات وصنعوا بطولات تعجز عنها الأساطير.
فشل النظام مرة ومرة وأخرج من كفرنبودة عدة مرات، ولم يثبت في المناطق التي احتلها رغم استخدامه لسياسة الأرض المحروقة، حيث دمر الحجر والشجر، إلا أن الذي بقي ثابتًا هم البشر.
فخلال شهرين تقريبًا لم يستطع أن يسجل إلا الهزائم المتكررة، بل خسر مناطق كانت بيده (كتل ملح والجبين)، وبذلك تم قطع طريق السقيلبية- حماة.
ودرءًا للفضيحة وبسبب الخسائر الكثيرة التي بلغت حوالي 500 قتيل وأكثر من 1500 جريح وحوالي 20 دبابة وعدد ليس بقليل من العربات متعددة المهام، اضطر لتبديل عناصر “المخابرات الجوية” التي يقودها سهيل الحسن وتم إحضار عناصر “الحرس الجمهوري” بقيادة اللواء طلال مخلوف والتي لم تستطع الصمود يومًا واحدًا، حيث منيت بخسائر لا تستطيع تحملها ثم قام بتبديلها أيضًا بـ “الفرفة الرابعة” وبقيادة ماهر الأسد شخصيًا، إلا أنهم ذاقوا الويل وهربوا رغم كثافة التغطية الجوية لهم.
استطاع “الجيش الحر” بضباطه ومقاتليه أن ينتزع زمام المبادرة من النظام، وينتقل من الدفاع إلى الهجوم، وبأساليب قتال غير معروفة سابقًا وهذا ما ظهر جليًا في كبانة بريف اللاذقية أيضًا، وسنعرض التفاصيل في مقال لاحق.
لقد اختلطت في هذه المعارك دماء الشهداء من المحافظات السورية كافة، من الرجال الذين قالوا لا لهذا النظام الاستبدادي الطائفي، وكل من رفض المهادنة والمصالحة، ليتجمعوا في الشمال بالمناطق المحررة.
إن ما حدث ويحدث أعاد لثورتنا سيرتها الأولى، وما دماء شهدائنا إلا مشعل يضيء لإخوتهم من بعدهم الطريق، ويضخ في عروقهم الشهامة والعزة والكرامة التي افتقدها النظام وأعوانه.
وقد رأينا كيف أن استشهاد الساروت كان عبارة عن ملحمة أعادت للثورة رونقها وسيرتها الأولى.
فتحية لكم أيها الأبطال أين ما كنتم ومن أين ما كنتم ضباطًا وصف ضباط وثوارًا مجاهدين في سبيل الله والحق.
وتحية لكل صديق وشريف يقف ويدعم الثورة السورية من داخل سوريا أو خارجها من عرب أو غيرهم.
ولا نستطيع أن ننسى الجنود المجهولين أصحاب القبعات البيضاء الموجودين في كل مكان يوجد به قصف وتدمير.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :