محمد رشدي شربجي
قبل الانقلاب العسكري بأشهر، قال محمد يسري سلامة رحمه الله ما معناه بأن السجون المصرية ستضم قريبًا الإسلاميين والليبراليين، وحينها سيتاح لهم مناقشة خلافاتهم جيدًا.
مما لا شك فيه أن أداء النخب السياسية المصرية (ومنهم الإخوان) بعد الثورة وتفرقها على شعارات ظهر سخفها مسؤول عما وصل إليه الحال، ولا شك أيضًا أن ما ارتكبه الإخوان من أخطاء لا يبرر ولا يفسر على الإطلاق هذا الإجرام.
اليوم نستطيع القول إن قرار الانقلاب اتخذه الجيش منذ لحظة تنحي مبارك، الجيش دولة داخل الدولة عندنا، أو بشكل أدق الدولة هي كيان هامشي صغير داخل الجيش المهيمن. من المحيط إلى الخليج تشكل الجيوش الاستثمار الدولي الأبرز في بلادنا، هي عصابات مسلحة تحكم الشعوب وتقتات على شرعية دولية. هي “البنية التحتية” التي تخاف هيلاري كلنتون إسقاطها في سوريا حين شرحت موقفها من الأسد في مذكراتها.
وبسبب هذه التجربة المريرة المغمسة بالدم، رفض متظاهرو السودان والجزائر أفعال الجيوش هناك مع أنها لم تفعل غير ما فعل الجيش المصري إبان الثورة المصرية.
مشكلة الجيوش تطرح تحديًا حقيقيًا على المطالبين بالديمقراطية وسيادة القانون. فالانقلاب العسكري كالقدر قادم في بلادنا لا محالة، وكل ما على السياسي فعله هو الاستعداد لتلك اللحظة. ولكن كيف يكون ذلك؟
قد يقال الكثير عن التوافق السياسي بين النخب أو الموقف الشعبي ضد الانقلاب العسكري، هذه جميعًا عوامل مؤثرة وحاسمة خاصة إذا حظي الانتقال الديمقراطي بدعم دولي، من ناحية أخرى تخبرنا تجارب الناجين من الانقلابات بأن النجاة غير ممكنة دون إنشاء كيانات عسكرية أو شبه عسكرية تتبع بالولاء للرئيس مباشرة. في فنزويلا أنقذت وحدة من الجيش هوغو تشافيز، وفي إيران أنقذ الحرس الثوري الخميني من مصير محمد مصدق، أما في تركيا فكان موقف جهاز الاستخبارات حاسمًا في إنقاذ أردوغان من مصير عدنان مندريس.
يضاف إلى ذلك أن فضاء الحرية توسع بعد الثورات حتى الانفلات، وأن الثوار يستقبلون العهد الجديد بتوقعات هائلة غير قابلة للتحقق عن النمو والتطور بعد الثورة. من سخريات القدر أن الحرية كانت طريق الثورة المضادة للقضاء على الحرية ذاتها، وأن من وقفوا ضد مبارك تعاونوا مع السيسي ليسقطوا مرسي قبل أن يرميهم السيسي في السجون والمنافي، وهكذا كان مرسي عالقًا بين فكي كماشة، بين جماهير تطالبه بالمستحيل، وهنا أخطأ الشهيد حين وعدهم بذلك، وبين دولة عميقة استحال على الشهيد مرسي اختراقها.
هل التغيير في بلادنا مستحيل، لا طبعًا ولكنه صعب جدًا ويحتاج بجانب الاستعداد للحظة الانقلاب العسكري إلى أقصى درجات التوافق السياسي والتركيز الدائم على هدف واحد فقط، وهو تنحي الجيش وإنجاز التحول الديمقراطي، وأي نقاش آخر تخوض فيه قوى الثورة لن يكون إلا بوابة لدخول الجيش مرة أخرى للحياة السياسية. وهذا يحتاج إلى مراجعات حادة تجريها القوى السياسية، ولكن أنّى لهذه المراجعات أن تجد طريقها وسيوف العسكر مسلطة دائمًا على رقابنا!
لولا الشهيد محمد مرسي لما استطعت أنا وعشرات الآلاف من الطلاب السوريين استكمال تعليمنا بعد أن تقطعت بنا السبل، رحمه الله، آنسه الله، وأكرمنا بما أكرمه ولعن قاتله.