عنب بلدي – حباء شحادة
أثار اتحاد المصدرين السوري جدلًا في الأوساط الاقتصادية بعد انتشار الأنباء المفاجئة عن إلغائه من قبل مجلس الشعب دون مبرر واضح، في الوقت الذي تشهد فيه الليرة السورية انخفاضًا حادًا أمام الدولار، ما سبب ظهور نظريات متعددة عن أهميته وحقيقة إسهامه في الاقتصاد السوري.
يعمل الاتحاد على تمثيل المصدرين السوريين وتبني قضاياهم محليًا وعالميًا والدفاع عن مصالحهم، وتنظيم العمل التصديري وتنمية وترويج الصادرات، حسبما ذكر عبر موقعه الإلكتروني.
أنشئ عام 2009 وتولى رئاسته بداية رجل الأعمال هاني عزوز، ثم خلفه رجل الأعمال محمد السواح عام 2014، الذي قدم استقالته أواخر شهر أيار الماضي، قبل شهر من موعد الانتخابات الجديدة في الاتحاد.
ونقلت صحيفة “الوطن” المحلية، عن مصدر في مجلس الشعب أن مشروع قانون إلغاء اتحاد المصدرين أجيز دستوريًا في اللجنة الدستورية، وأحيل في 12 من حزيران إلى اللجنة المختصة، وهي لجنة الاقتصاد والطاقة في مجلس الشعب لدراسته موضوعيًا.
واعتبر رئيس لجنة الزراعة، ونائب رئيس الاتحاد، إياد محمد، في حديثه للصحيفة، أن قرار إلغائه سيؤدي لخسارة دوره المهم في الاقتصاد السوري.
كما أكد حاكم مصرف سوريا المركزي، حازم قرفول، يوم الأربعاء 19 من حزيران، دور الاتحاد في دعم الصادرات، مستشهدًا بتقاريره التي ذكرت أن قيمة الصادرات تصل إلى أكثر من أربعة إلى خمسة مليارات دولار، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية (سانا) في أثناء حديث قرفول عما وصفه بـ”الارتفاع الوهمي” في قيمة الدولار مقابل العملة المحلية، والذي تخطى 600 ليرة سورية.
في حين اعتبر آخرون أن دور الاتحاد مبالغ به ولم يحقق الهدف من إحداثه، مثلما كتب الخبير المصرفي، عامر إلياس شهدا في صحيفة “الوطن” في 16 من حزيران.
واعتبر شهدا أن الأرقام التي يطلقها الاتحاد، مثل التصدير لـ 114 دولة وتصدير 750 مادة وتحقيق موارد قطع بـ 700 مليون دولار خلال تسعة أشهر، “تطلق جزافًا، دون أن يلحظ مطلقوها أن أرقامًا كهذه يجب أن تنعكس على نسبة إسهام التصدير في نسبة الناتج المحلي، وتأثيرها في الكتلة النقدية المتداولة وسعر صرف الدولار ومعدل البطالة ودوران العجلة الإنتاجية في الاقتصاد”.
تضارب في الأرقام والوقائع
قدر رئيس اتحاد المصدرين السوري السابق، محمد السواح، حسبما نقل عنه موقع “الاقتصادي“، في 4 من تموز 2018، أن قيمة الصادرات السورية عبر الاتحاد تتجاوز سبعة مليارات دولار، وليست 700 مليون دولار حسبما تقدر الجهات الحكومية.
وأشار إلى أن الأرقام الحكومية تستند على الأسعار التأشيرية للصادرات والتي تم اعتمادها بناء على طلب المصدرين، في حين أن أغلب الصادرات لا تسجل بشكل نظامي عبر المعابر الحدودية لذلك لا تحتسب.
واعتبر المستشار الاقتصادي، محمد هزاع الحراكي، في حديث إلى عنب بلدي، أن ذلك التضارب طبيعي “في بلد أغلب أعماله الرسمية لا تقيّد في الدفاتر إما لتهرب ضريبي أو لتهرب من قضية تحويل الدولار”، مضيفًا أن الصادرات الحقيقية كانت ولا تزال اليوم تخرج بشكل غير رسمي عن طريق تركيا ولبنان والأردن.
وقال إن كتاب الاستعطاف الذي قدمه الاتحاد لمجلس الشعب لتمني عدم إغلاقه، قدر إسهامات أعضائه بـ 400 مليون دولار في الصادرات، وأعاد الحراكي السبب في ذلك التضارب إلى أهمية الاتحاد لأصحابه وليس سعيًا لتزييف الأرقام.
ورأى رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا، الدكتور أسامة القاضي، أن تقديرات الاتحاد التي تبلغ مليارات الدولارات مبالغ جدًا بها، وتهدف لتضخيم دوره كي لا يتم إغلاقه.
واستشهد القاضي، في حديثه لعنب بلدي، بالأرقام الرسمية للصادرات السورية والتي تبين انخفاضها بشكل حاد ما بين عامي 2011 و2016، مما يعادل عشرة مليارات إلى 700 مليون دولار، وانخفاض حجم الصادرات من 13.5 مليون طن عام 2011 إلى 1.1 مليون طن عام 2016، مع خسارة الميزان التجاري السوري بمبلغ تريليوني ليرة سورية لزيادة حجم الاستيراد عن الصادرات بسبعة أضعاف.
وأضاف أن وضع الاقتصاد عام 2018 كان أسوأ، مع تصريح وزير الاقتصاد السوري، سامر خليل، بأن قيمة المستوردات الفعلية قد ارتفعت بنحو 7.3 مليار دولار، لذلك فإن الأرقام التي يروج لها اتحاد المصدرين “يصعب تصديقها”.
قيمة فعلية أم اتحاد زائد؟
تكمن قيمة الاتحاد بمساعدة المصدرين ما أمكن على تجاوز البيروقراطية وتسويق المنتج السوري، حسب رأي القاضي، فبالنسبة لحجم الصادرات السورية الضئيل ليست ذات أثر كبير، خاصة بوجود مؤسسات أخرى تقوم بدور مشابه مثل غرف التجارة والصناعة ومكاتب التسويق الخاصة بالشركات، وحتى شركات المعارض الخاصة التي تسعى إلى إقامة المعارض في الداخل السوري وخارجه.
واعتبر القاضي أن منجزات الاتحاد التي تمثلت بمشاركته في 46 معرضًا خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، جلها كان في دول لبنان والعراق وإيران، والتي تعاني من وضع اقتصادي متردٍّ أصلًا، لم تقدم فائدة كبيرة للمصدرين خاصة أنها ليست أسواقًا جديدة أصلًا.
في حين قال الحراكي إن دور الاتحاد كان مهمًا بالنسبة للمصدرين، في القطاع الذي يسوده الفساد خاصة حول معاملات تحويل الليرة السورية والدولار، وأدى دورًا تكافليًا بين أعضائه، ومثل فريقًا قويًا من الصناعيين الحقيقيين الممثلين لأغلب الصناعات النشطة في سوريا، والذين هم خارج دائرة الفساد العائلي الحاكمة في سوريا.
سبب الإلغاء المفاجئ
تذرع وزير الاقتصاد السوري، سامر الخليل، في حديث إلى صحيفة “الوطن“، أن هذا الاتحاد غير موجود في دول العالم الأخرى، ونشاطاته تدار من جمعيات ونقابات ترعى مصالح المنتسبين.
وهو ما ينفيه واقع وجود هيئات غير ربحية مشابهة في دول عدة، اختار القاضي منها منظمة المصدرين والمستوردين الكندية كمثال يعتبر منبرًا للمجتمع التجاري الكندي على الصعيدين المحلي والعالمي.
وأضاف الحراكي أن هذه الهيئات موجودة في كل الدول النامية تقريبًا مثل الهند وتركيا، ورد قرار الإغلاق إلى الفوضى التي تعاني منها سوريا والقرارات التي تعنى بخدمة الفاسدين فقط، دون خدمة الدولة والشعب.
ووضع الحراكي احتمالين للسبب الحقيقي وراء القرار بإلغاء الاتحاد، إما لسعي الأسرة الحاكمة للاستحواذ على كل قنوات الربح الممكنة في سوريا، أو للصراع الروسي الإيراني والسباق على السيطرة على مفاصل الدولة كلها.
وقال القاضي إن السبب هو الخلافات الشخصية على التصدر الإعلامي والمالي ضمن مراكز القوى في سوريا، وتابع أنه وفقًا لمعلومات تسربت من اجتماع دار بين رئيس الاتحاد، محمد السواح، وأمين سر غرفة تجارة دمشق واتحاد غرف التجارة السورية، محمد حمشو، فإن خلافًا قد دار حول إعادة “قطع التصدير” (القطع الأجنبي) والذي يلزم المصدرين بإعادة المبالغ بالقطع الأجنبي للمصرف المركزي بسعر 434 ليرة للدور، في حين تجاوز في السوق حاجز 600 ليرة.
هدد السواح بالاستقالة نتيجة لما سيترتب على ذلك من خسارة كبيرة للمصدرين وقضم لأرباحهم، في حين أصر حمشو على موقفه وقام بتأليب الجهات القيادية، مثل ماهر الأسد، الذي أبلغ وزير الاقتصاد بإغلاق الاتحاد من أصله انتصارًا لمكانة حمشو ومن يمثله، على طريقة علاج المرض بقتل المريض.