نبيل محمد
يلاحق الرسام السوري عماد حباب، خطى كاتب يحاول ترتيب غربته تارة وبعثرتها تارة أخرى، لتخرج بنصوص توحي بفوضى نفسية، وبحث مستمر عن معانٍ جديدة لمفاهيم كبرى في الحياة.
يتتبع الرسام في مشروع “غيوم صلبة” تلك النصوص، ليخرج منها بمجموعة من اللوحات، فيما يشبه رواية مصورة، تتكئ على نص سردي، فيعرضها مترافقة مع نصوص الكاتب السوري طلال بوخضر، خلال عرض منتجات الإقامة الفنية التي قدمها برنامج “مَر”، بدروته الثانية في اسطنبول.
وبرنامج “مَر” دأب خلال عامي 2018 و2019 على تقديم منح فنية، لفنانين لاجئين، بدعم وتنسيق من عدة شركاء فرنسيين وأتراك وعرب، تقدّم فعالياته في اسطنبول ضمن مهرجان “كورنر إن ذا وورد”، الذي عادة ما يقدم تجارب فنية جديدة نسبيًا، ويحاول البحث عن تلك المشاريع التي تحمل في طياتها حالة تشاركية فنية بين فنانين من جنسيات مختلفة، إضافة إلى تركيزه على قضية إفساح الفرص لمن لا يجدونها.
خلال إقامته الفنية التي امتدت على مدار أسبوعين، أنجز عماد حباب 22 لوحة، كل واحدة منها مستمدة من مقال أو نص سردي لبوخضر، ترتبط اللوحات فيما بينها بثيم واضحة نسبيًا، ثيم بعضها يظهر في النصوص السردية التي استمدت منها، فالشعرية لغة والسوداوية رمزًا هي ما ظهر في النصوص، مقابل شحوب ورمزية تصل حد السريالية فيما يظهر في اللوحات.
من عود ثقاب محترق، إلى سلة فارغة معلقة في الهواء، إلى رجل يهاجر من الكوكب، ففوضى مدن مبعثرة يمكن أن تجد في تفاصيلها كل شيء إنساني يفقد قيمته، الأدمغة خارج الرؤوس، الازدحام، السفن، الجياد، والموت أيضًا المتمثل بمقبرة تسكن وسط هذه الفوضى كلها.
أبيض وأسود، رمادي قاتم، ظلال معتمة، لا تخرج مكونات اللوحة عن هذه الأبعاد اللونية، حتى البالونات التي من المفترض أنها توحي بحرية ما، وبألوان مختلفة، وباللعب في الهواء الطلق، تظهر سوداء ورمادية شاحبة تنعكس ألوانها فوق بعضها، فتبدو أنها لا تقوى على الطيران، على الرغم أن لا شيء يربطها من الأسفل، وفق ما يبدو من اللوحة هو تعب دفين في كل الشخصيات والمكونات، سواء كانت بشرية أم لا، ملل وشيخوخة مبكرة، أمراض كثيرة يمكن أن تصيب الإنسان بسبب كآبته تلك التي تخلقها فوضى المدن الكبرى التي يسكنها مرغمًا، لاجئًا، منفيًا، أو تحت أي ظرف. هذا ما توحي به شخوص حباب.
يقول حباب إن لوحاته “حاولت تتبع الأبعاد الفلسفية في نصوص الكاتب، والخروج منها بصور تعبر عن تفاصيل معينة داخل هذه النصوص”. وهو ما يظهر ممسكًا اللوحات بسياق ومساحات معينة، مساحات تتسع مع اتساع المعاني في النصوص، فنجد لوحة أخذت من بياض الورق جلّه ولم تترك مكانًا لم تملأه بمكوناتها، مقابل لوحة أخرى طغى بياض الورق فيها، ولم يشكل اللون الدخيل على هذا الورق إلا نسبة بسيطة جدًا، لكن هذه النسبة البسيطة بارزة وواضحة وممتلئة، سواء ترافقت مع النص الذي بنيت منه، أم لم تترافق.
في مسرح بيريزيه (bereze) بمنطقة توبهاني في اسطنبول، قدم عماد لوحاته مترافقة بصوت طلال بوخضر، أمام جمهور متنوع اعتاد أن يتابع ما يقدمه برنامج “مَر”، ومهرجان “كورنر إن ذا وورد”، خاصة أن البرنامج كان قد رعى خلال العام الماضي ثلاثة عروض سورية، منها عرضان مسرحيان، وآخر راقص، كان جلها مستمدًا من تجربة اللجوء، والذاكرة، وكذلك قدم في هذا العام إضافة إلى “غيوم صلبة”، مشروع “على الوتر”، لعازف العود السوري علاء الخطيب، بالشراكة مع عازف الغيتار الفرنسي كوينتين بوفير، وهو مجموعة من الأغاني والمقطوعات الموسيقية التي تمزج بين موسيقى الشرق، والفلامنغو.