تعا تفرج
الأسد وبوتين وضَرَّاب المَنْدَل
خطيب بدلة
البارحة تذكرت ابن بلدنا العزيز الشيخ “حميدان البخاري” الذي كان يقرأ الفأل، ويضرب بالمندل.. ويأتي إليه البسطاء الذين تعرضوا لسرقة، أو فقدان أشياء ثمينة، ويسألونه عن مفقوداتهم ومسروقاتهم، أين هي؟ ومَن هو الكلب النذل الـ (alçak) الذي سرقها؟ فيرتجف رأسه وجسمه من خشية الله، ويرفع سبابته مشيرًا بها إلى الأعلى ويقول: حَيّْ. يكررها عددًا من المرات يتناسب مع ارتجافات رأسه وجسمه، ثم يفتح عينيه ببطء، كَمَنْ يستفيق من البنج بعد عملية جراحية، ويقول: الله سبحانه وتعالى وحده يعلم بالغيب.. ولكنني سأوصلك يا أخي (أو يا أختي) إلى مبتغاك بإذن الله تعالى وعونه.. ثم يفتح يده مثل جرن “حمام المحمودية” ويقول للزبون: بَيِّضْ الفَالْ. وبعد أن يأخذ “المبلغ” الذي يطلع من خاطر الزبون، يتراجع عن ادعائه السابق، ويصبح عالِمًا بالغيب! يشرح للزبون كيف دخل السارق، وأنتم نيام، وكيف فتح الكتبية وأخرج منها الفلوس أو المصوغات الذهبية، وكيف خرج متسللًا.. ويضيف إن اسم السارق فلان ابن فلانة، وهو الآن يخبئ القطعة المسروقة في المكان الفلاني!!
الحقيقة أنني تذكرتُ هذا الشيخ الظريف وأنا أطالع تصريحًا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين نشرته “عنب بلدي” أدلى به في قمّة “التعاون وبناء تدابير الثقة في آسيا” بالعاصمة الطاجيكية “دوشنبه”، قال فيه إن تحسين الوضع في سوريا يتطلب إصلاحات سياسية!
نحن السوريين منقسمون، في الحقيقة، إلى قسمين رئيسيين، قسم يؤيد نظام ابن حافظ الأسد، وقسم يعارض نظام ابن حافظ الأسد ويثور عليه، ولكن الغريب في الأمر أن القسمين المتناقضين كلاهما يحبان فلاديمير بوتين!
قسم شبيحة النظام يحبونه لأنه رجل حقير، لا تأخذه في قَتل معارضي النظام وآبائهم وأمهاتهم وأطفالهم شفقة، أو رحمة، وإذا رأى طائرات النظام تُلقي على المدنيين الآمنين صواريخَ أو براميلَ أو كيماويًا، يتظاهر بأنه لم يرَ شيئًا، مثل الرجل الذي يسمع قرقعة الرجل الغريب الذي يزور زوجته في البيت، ونحنحاته وسعاله، فيتظاهر بأنه يغط في سابع نومة، وربما يطلق شخرتين من باب الاحتياط، بل إن بوتين الحبيب يقوم بهذا الدور على أكمل وجه، فبين الحين والآخر يُبلغ المجتمع الدولي (الذي يحلل قتلَ السوريين بكل أنواع الأسلحة عدا الكيماوي) بأن الإرهابيين في محافظة إدلب وريف حماه يُحَضّرون لاستخدام الكيماوي بقصد اتهام النظام بهذا العمل الجبان، فما إن يضرب ابن حافظ الأسد شعب مدينة ما، أو بلدة ما، بالكيماوي؛ حتى يدخل مندوبُ بوتين في مجلس الأمن على المجتمعين مثل القضاء المستعجل، ويقول لهم: مو قالْ لكمْ معلمْنا بوتين إن الإرهابيين ودهم يضربون كيماوي؟ إنتوا عَلِيْشْ ما تفتهمون؟ آ؟
ونحن المعارضين نحب فلاديمير بوتين، بقدر ما يحبه شبيحة النظام، وطَجّة، لسببين، أولهما أنه كلما التقى بابن حافظ الأسد يوقفه مع الأذَنَة والفراشين والمرافقين، والسبب الثاني أنه يشبه مزعبر بلدنا “حميدان البخاري”، من حيث مقدرته على الإيحاء للناس الغلبانين بأن النظام السوري الذي حَوَّلَ سوريا إلى “خَرَابة” يمكن أن يقوم بإصلاحات سياسية، وأن هذه الإصلاحات تحل المشكلة!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :