الثورة… هذا الفعل العظيم
طريف العتيق
بعد أشهرٍ طويلة من الثورة وتراكم للأخطاء والأغلاط دون تنقيح ومراجعة، أوتفكير بما كان صائبًا وما كان خاطئًا، نشطت حركة النقد الذاتي لمسار الثورة، عن طريق وسائل عدّة، منها هذه الجريدة المباركة.
لكن نشاط هذه الحركة وامتدادها التدريجي لتشمل شرائح ثوريّة متزايدة دومًا، تتبنى فكرة إعادة النظر والتفكير في صواب كل ما كان وما يكون، وتقرير خطوات جديدة أكثر ملائمة، يُشعِر البعض بشعور «الورطة التاريخيّة» وإن كان المصطلح مبالغًا به، ولكن لإيصال الحالة الشعوريّة.
هناك شعور ينمو اليوم مع نمو حركة النقد والمراجعة، يوحي بخطأ الثورة من أساسها، وبأنها عبارة عن سلسلة من الأخطاء المتراكمة، أو هي اندفاعة أزلقنا إليها أردوغان وغيره! أو أنها سلسلة أفعال يوحي بها إلينا النظام والمجتمع الغربي ليأخذنا إليها دون حولٍ منّا ولا قوّة.
وأن الثورة أودت بأفضل نخب الشباب، تارةً إلى الموت، وتارة إلى الإصابة الدائمة، وتارة خارج البلاد، ثم إنها أنهكت البلاد اقتصاديًا وأفرغت خزينة الدولة من كل احتياطها النقدي بل وربما الذهبي، وخلّفت خرابًا واسعًا في العمران والبنى التحتيّة، وتركت جروحًا عميقة تنزف في البنى الاجتماعيّة. الى آخر هذا الكلام الذي بتنا نسمعه .. والذي يشكّل جزءًا حقيقيًا من الواقع الذي لا يمكن لأحد أن ينكره.
وأودّ أن أسجّل هنا عدّة نقاط:
– الاستفاقة من الغفلة عن المتابعة، المراجعة، والتنقيح كانت مبكّرة نوعًا ما. أي ثورةٍ هذه التي تبدأ بنقد ذاتها بعد عامٍ فقط من انطلاقتها؟ انظروا لحركات الربيع العربي التي سرعان ما اطمأنّت إلى صواب مسارها وتحقيق أهدافها، فتراخت في نقدها لنفسها (هل نظن بأن حراكنا هو الوحيد البشري الملوث بأخطاء البشر؟!)
– الثورة ليست خطأ، بل هي أكبر صواب نقوم به كسوريين منذ مئات السنين ربما! لكنها ككل فعل بشري تحتمل الأخطاء، وتمتلك القدرة على المراجعة والتصحيح أيضًا.
– عدم مركزيّة الثورة، و»فوضى» العمل الثوري، إضافة إلى غياب قيادة سياسيّة محترمة، تشعر البعض بعدم قدرتنا على تصحيح ما كان، لأنه ما من جهة واحدة مسؤولة عن ما يحدث، وتصويبه.
لكن كيف انتقلت حركة التظاهر من مدينة إلى أخرى؟ وكيف انتقلت فكرة الدفاع عن الثورة بالبارود والحديد؟ وهكذا كل شيء في هذه الثورة. صحيح أنه لا يوجد قيادة واحدة تقرر خيارًا على الجميع، لكن عدوى الانتقال والانتشار كفيلة بإحداث ذلك، نحتاج إلى وقت لتطبيق أي فكرة على كامل التراب السوري .. لا شيء آخر.
– إلى الذين يتحدّثون بشكل جديّ عن فقدان زينة شباب سوريا، وعن الخسارة الكبرى في ذلك، أقول: ماذا كنّا كشباب نفعل في ظل نظامٍ قمعي أمني مثل نظام الأسد… مسبقًا نعرف النتيجة: لا شيء تقريبًا… لقد شهدت سوريا على مر العصور الكثير والكثير من الشباب المتميز جدًا… ما الذي يمكن أن يفعله هؤلاء طالما أن مؤسسات النظام الأمنيّة تقف بالمرصاد أمام أيّ تحرّك كان؟ كم وكم من المشاريع التي أجهضت سابقًا..
وبالتالي فإسقاط النظام بتضحيات الشباب المتميز هو (كما يقولون هم) أفضل من بقائهم أحياء عبيد لهذا النظام: الموت ولا المذلة…
أجواء الحريّة والانفتاح القادمة كفيلة بإخراج جيل أكثر تميزًا وخلال عقد واحدٍ من الزمن ..
– أما الاحتياطي الذي فقدناه، فمتى كان ملكنا حتى نفقده؟! وذات الجواب لمن يتحدث عن التدخل الأجنبي في بلادنا اليوم : متى كان قرارنا بيدنا كشعب؟ الجيد أننا اليوم تحركنا لبدء استرداد سيادة وطنية مفقودة منذ نصف قرن!
لقد راكمنا في عام ونصف من الوعي والثقافة وممارسة الحريّة ما لم نفعله طيلة خمسين عامًا ماضيًا… فكيف لا نرى عظمة هذه الثورةّ!
نعم لا يزال ينقصنا الكثير، لكننا نسير بتوفيق الله إلى ذلك.
ليس القصد من هذا الوقوف أمام حركة النقد والمراجعة والقول بأن ثورتنا بخير، لكن هذه نقاط لمن ذهب أبعد من ذلك بكثير.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :