محمد رشدي شربجي
ككثيرين ممن كانت أحلامهم عظيمة كخيباتهم، أميل دائمًا في رؤيتي للعالم إلى التشاؤم، وفي كثير من الأحيان أراه مكانًا مستحيل الإصلاح، والجهد المبذول لتحسينه جهد مهدور، وقد انعكس ذلك على ما أحب أن أشاهده من أفلام أو مسلسلات على ندرتها، فتراني أفضل منها ما يظهر بشاعة النفس البشرية وما ينتهي بموت الشخصية الرئيسية أو انتصار الشر في النهاية.
وقد نالت زوجتي المسكينة نصيبًا من مزاجي هذا، فكثيرًا ما أهديتها في مناسبات عدة (عيد زواجنا مثلًا) روايات عن ناجين من الحرب العالمية الثانية، وعليه قس، ولأن زوجتي دائمة التفاؤل ولا يرضيها هذا الوضع أهدتني كتابًا للكاتب السويدي هانز روزلنيغ بعنوان ” Factfulness” وهو كتاب عن “عشرة أسباب تبين لنا أن العالم أفضل مما نعتقد”، الكتاب نال شهرة عالمية وأثنت عليه شخصيات عالمية عديدة مثل باراك أوباما وبيل غيتس وتيم هارفورد وغيرهم.
فكرة الكتاب باختصار أنه برغم التشاؤم السائد حاليًا بشأن مصير العالم فإن البشرية خلال قرنين من الزمن خطت خطوات جبارة نحو الأمام، فعلى سبيل المثال لا يتعدى من يعيش اليوم في فقر مدقع (أقل من دولارين في اليوم) المليار إنسان وهذا الرقم بالرغم من عظمه فهو لا يتعدى 15% من البشرية في حين كانت النسبة قبل مئتي عام عند 85%.
وهكذا يمضي الكاتب بعرض الحقائق المدعمة بالأدلة والبراهين، فيشير مثلًا إلى انخفاض نسبة الوفيات الناتجة عن الكوارث البيئية بشكل كبير نتيجة تطور البنية التحتية وتطور الرعاية الصحية، ولذات السبب زاد المعدل العالمي للأعمار إلى 70 سنة بعد أن كان لا يتعدى الأربعين، وقد استطاعت البشرية القضاء على كثير من الأمراض المستعصية، ويتلقى اليوم أكثر من 80% من أطفال العالم لقاحات بشكل منتظم، كما تذهب الإناث (باستثناء أفغانستان وجنوب السودان) إلى المدارس بنفس نسبة الذكور، وهو ما يعني أن المرأة ستأخذ دورها في المجتمع أكثر، وستفضل الذهاب للعمل على إنجاب مزيد من الأطفال وهو ما من شأنه أن يُبطئ من التضخم السكاني العالمي ويحسن مستوى حياة الغالبية العظمى من الناس.
حتى التغير المناخي الذي لا يختلف اثنان في تأثيره الكارثي يراه الكاتب بشكل مختلف، ويؤكد على ضرورة عدم إثارة الذعر بين الناس، فالوعي لخطورة القضية يزداد، وهو شيء إيجابي بحسب الكاتب، كما تسعى الدول باستمرار للحد من التلوث البيئي، وهو ما يجعله متفائلًا بأن البشرية ستجد حلًا للقضية في النهاية.
ولكن لماذا لا يرى معظم الناس هذه التغيرات؟ يشير الكاتب إلى عشر “غرائز” مسؤولة عن ذلك، كغريزة السلبية والرغبة بملامة الآخرين والخوف والتعميم وغيرها، كما يؤكد في أكثر من موضع أن بطء التغيرات الإيجابية تجعلها صعبة على الملاحظة المباشرة، ويضيف أن الإعلام من خلال تركيزه على الأحداث السلبية يسهم بنشر ما يسميه الكاتب “سوء فهم” العالم.
ما لم يذكره الكاتب أن تقدم البشرية لم يرافقه نظام أكثر عدلًا، فالمآسي المستمرة في بلادنا -كإسرائيل والنظام السوري وقبلها حرب البلقان- ما كان من الممكن تخيل وجودها لولا النظام الدولي المسلط كالسيف على رقابنا. إن العدالة المفقودة في النظام الدولي تجعل الانقلاب على مكاسب البشرية في مجال الإمكان، إذا صح القول فإن سوريا هي مجرد “بروفا” صغيرة لمصير العالم.
وبكل الأحوال فقد أصابني الكتاب في مقتل، فليس من شيء يدعو للتفاؤل في أن يدرك المرء أن العالم يتقدم بخطى ثابتة نحو الأمام، في حين تتراجع دولنا بخطى ثابتة نحو العصور الحجرية، وماذا يفيدنا أن نعلم أن العالم يبني القصور فوق القصور وبلادنا استحالت خرابًا؟
لم تكن هدية موفقة بطبيعة الحال، يا حبذا لو بقيت الهدايا في إطار العطور والورود وابتعدوا عن الكتب يرحمكم الله.