عنب بلدي – خاص
يلوح مواطنون وناشطون في محافظة درعا بحالة من التململ والتمرد والتهديد بالعصيان ورفض القبضة الأمنية للنظام، مطالبين بإخراج المعتقلين وتنفيذ بنود اتفاق التسوية، المبرم مع روسيا والنظام السوري في تموز 2018.
وفي ظل هذا المشهد يحاول النظام امتصاص غضب الأهالي، واسترضاءهم والاستجابة لبعض مطالبهم من خلال فتح الباب أمام انفراجة في ملف المعتقلين، إلى جانب الترويج لخدمات بدأ بالعمل عليها بعد عودة المحافظة لسيطرته.
أفرج النظام السوري مؤخرًا عن 66 معتقلًا وموقوفًا من محافظة درعا على أربع دفعات، في الفترة الممتدة من 23 من أيار الماضي حتى اليوم، بينما بلغ عدد المعتقلين في سجونه من أبناء محافظة درعا نحو 380 شخصًا بين تموز وآذار الماضيين، وفق إحصائيات الأمم المتحدة، فما الظروف التي رافقت الإفراج عن هؤلاء المعتقلين، وهل من انفراجة حقيقية في هذا الملف؟
“مكتب توثيق الشهداء في درعا” نشر تقريرًا، الجمعة 14 من حزيران، قال فيه إن الإفراج عن المعتقلين والموقوفين جاء ضمن عمليات إفراج جماعية، ضمن ما قال النظام السوري إنه “عفو رئاسي خاص”، يشمل الإفراج عن أكثر من ألف معتقل، وهو رقم لم يتم التأكد منه.
وأضاف المكتب الحقوقي أن عمليات الإفراج يجب أن تتزامن مع إيقاف كامل عمليات الاعتقال والإخفاء القسري في درعا، وهو ما لم يحدث أبدًا، إذ تستمر قوات الأسد بتنفيذ حملات الاعتقال بشكل يومي.
ملابسات الإفراج عن المعتقلين
عمر الحريري، عضو “مكتب توثيق الشهداء بدرعا”، قال لعنب بلدي إن أقاويل عدة تتردد حول دوافع النظام للإفراج عن المعتقلين في هذا التوقيت، فالبعض يقول إنه جاء لتهدئة الأوضاع والاحتقان الشعبي لدى الأهالي، بينما يعتبر آخرون أنه يأتي بمثابة مكافأة لمحافظة درعا على التسوية التي أبرمتها مع النظام، في حين يُعتقد أن الإفراجات ما كانت لتحدث لولا الضغط من الجانب الروسي.
ويرى الحريري أن الأهم من كل هذه التوقعات والأقاويل، هو النتيجة التي تمخضت عن الإفراج عن بعض المعتقلين وإنهاء مأساتهم والتخفيف من صعوبة واستعصاء هذا الملف.
وبيّن الحريري أن من بين المفرج عنهم معتقلين منذ خمس سنوات وآخرين موقوفين منذ شهر فقط، كما أُفرج عن خمس نساء وعدد من اليافعين.
عضو “مكتب توثيق الشهداء في درعا”، محمد الشرع، أكد من جانبه أن عددًا من شباب درعا وصلوا إلى منازلهم بعد الإفراج عنهم، مع مواصلة المكتب توثيق عدد من أسماء المفرج عنهم.
وأضاف أن من بين المفرج عنهم، الشاب سامر الصياصنة، “أحد أطفال درعا الذين شاركوا في الكتابة على الجدران قبل بدء الثورة، وذلك بعد اعتقاله قبل أربعة أشهر في طريق عودته من إدلب إلى درعا”.
مسؤولة قسم المعتقلين في “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، نور الخطيب، أوضحت لعنب بلدي أن كلًا من “اللجنة الأمنية في محافظة درعا” و”لجنة المصالحات” قامتا برفع طلب للإفراج عن عدد من المعتقلين، وقد وثقت الشبكة خروج 65 معتقلًا منهم حتى الآن ضمن أربع دفعات من سجون وأفرع أمنية مختلفة.
وأشارت الخطيب إلى أن الإفراج عن المعتقلين في درعا جاء ضمن “عفو رئاسي خاص” وذلك على غرار ما حصل في سجن حماة المركزي عندما طلبت اللجان المختصة في السجن بتسوية أوضاع المعتقلين فيه والإفراج عنهم وتخفيض أحكام الإعدام والمؤبد فصدر حينها “عفو رئاسي خاص”.
ولفتت الخطيب إلى أن النظام لا يعلن عادة عن العفو الخاص وإنما يتم التبليغ فيه فقط للسجون التي يُحتحز فيها من شملهم العفو.
معظم المفرج عنهم اعتُقلوا بعد التسوية
الناشط الحقوقي، عاصم الزعبي، أوضح لعنب بلدي أن عمليات الإفراج حتى الآن حصلت على ثلاث دفعات تم خلالها خروج 61 معتقلًا، تضمنت الدفعة الأولى 15 معتقلًا، والثانية 21 معتقلًا، وكان ذلك في شهر رمضان الماضي، بينما كانت الدفعة الثالثة قبل عدة أيام وشملت 25 معتقلًا.
وأشار الزعبي إلى أن معظم المُفرج عنهم اعتقلوا عقب اتفاق التسوية في الصيف الماضي، ومنهم ممّن انتهت مدة محكوميته مثل أحمد محمد العايد العمور من بلدة خربة غزالة.
ورأى الزعبي أن عمليات الإفراج عن المعتقلين جاءت بهدف استرضاء أهالي المنطقة، في ظل الاحتقان المتصاعد بين الناس منذ محاولات النظام إعادة سطوته الأمنية على المحافظة المتوترة أصلًا، كما أنها تأتي تنفيذًا لوعود سابقة من قبل مسؤولين تابعين للنظام زاروا المحافظة كان أبرزهم رئيس شعبة المخابرات العسكرية سابقًا، محمد محلا.
ولفت الزعبي إلى أن عمليات الاعتقال لم تتوقف حتى الآن، رغم التوجيهات من قبل الروس للنظام بعدم الضغط على أهالي المحافظة.
الإفراج عن المعتقلين أبرز مطالب الأهالي
وفي شهر شباط الماضي عقد رئيس شعبة المخابرات العامة التابعة للنظام السوري، محمد محلا، اجتماعًا مع أهالي ووجهاء بلدة طفس في محافظة درعا حضره عدد من الضباط من ضمنهم رئيس فرع الأمن العسكري في درعا، لؤي العلي، ووجهاء وأهالي البلدة، وفق ما أفاد مراسل عنب بلدي.
وتمحورت معظم مطالب الأهالي حول الإفراج عن المعتقلين، وإيقاف الاعتقال التعسفي بحق الشباب والسيدات في المحافظة، بالإضافة إلى إعادة رواتب المتقاعدين والموظفين المفصولين من أبناء المحافظة.
وقال محلا آنذاك إنه جاء “بهدية” 28 معتقلًا من شعبة المخابرات موجودين في مقر الأمن العسكري بدرعا، وإنه “سيطلق سراحهم مباشرة”، واعدًا الأهالي بتنفيذ جميع المطالب ما استطاع منها شخصيًا، وما لم يستطع عليه سوف يرفعه لرئيس النظام السوري بشار الأسد.
وضع أشبه بالبركان
نقيب المحامين في محافظة درعا سابقًا، سليمان القرفان، أكد من جهته أن خطوة الإفراج عن المعتقلين في درعا هي محاولة من النظام السوري وحليفه الروسي لتجنيب انفجار الجنوب السوري.
وفي حديث سابق لعنب بلدي، قال القرفان إن “الروس والنظام باتوا يدركون أن الوضع في الجنوب أشبه بالبركان، وهم يدركون تمامًا أن رفع روسيا يدها عن درعا لمدة يوم واحد فقط سيعيد الوضع إلى ما قبل سقوط الجنوب بأيدي العصابة”، بحسب تعبيره.
ولجأ أهالي محافظة درعا أكثر من مرة إلى القوات الروسية التي تستمر بوعودها للأهالي دون تنفيذ لمطالبهم.
وقال المتحدث باسم مركز المصالحة الروسي، العقيد إيغور فيدوروف، في 19 من شباط الماضي بحسب وكالة “تاس” الروسية، إن “الأهالي في درعا يلجؤون (للروس) لحل العديد من قضاياهم التي لا يمكنهم حلها بأنفسهم، منها معرفة مصير أقاربهم، وحل مشاكل الإقامة والسكن والعقارات”.
وتمكنت قوات الأسد، بغطاء روسي، من السيطرة على محافظتي درعا والقنيطرة، في تموز العام الماضي، بموجب اتفاقيات تسوية، بعد أيام من قصف وتعزيزات عسكرية، وسط تقديم ضمانات روسية للأهالي وفصائل المعارضة.
وعقب ذلك شهدت المنطقة حالات اعتقال من قبل النظام لمجموعة من القياديين في “الجيش الحر”، في حين تعرض عدد من القياديين الذين انضموا إلى صفوف النظام للاغتيال.
وكانت نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في “هيومن راتيس ووتش”، لما فقيه، قالت في بيان إن “العمليات القتالية الفعلية انتهت في معظم أنحاء سوريا لكن لم يتغير شيء في الطريقة التي تنتهك بها أفرع المخابرات حقوق من يتم اعتبارهم معارضين لحكم الأسد”.
وأضافت أن “غياب الإجراءات القانونية السليمة، والاعتقالات التعسفية والمضايقات حتى في المناطق التي يطلق عليها مناطق المصالحة، تبدو أبلغ من الوعود الحكومية الجوفاء بالعودة والإصلاح والمصالحة”.