رموزنا ورموزهم.. الساروت مثالًا
إبراهيم العلوش
استشهد عبد الباسط الساروت ولكنه كبر وتمدد كرمز للحرية بعد موته، فعامل الباطون الذي أصبح حارسًا لنادي الكرامة، كان يقف بكل خوالجه حارسًا لثورة الحرية، وكان يغني بحب وبفرح مثل جمهوره الواثق من الفوز مهما كانت الصعاب.
ينحدر الساروت (1992- 2019) من عائلة كانت تعيش في الجولان، وانتقلت إلى حمص وعاشت في حي البياضة، ولم تعلم هذه العائلة الفقيرة بأنها ستخسر معظم أفرادها في حمص، فقبل أيام جاءت أم وليد تودع ابنها عبد الباسط وهو يذهب إلى مقامه الأخير مع الشهداء، ورغم أنها خسرت وليد قبله وخسرت أبناءها وإخوتها فقد كانت رابطة الجأش، وواثقة من كوكب النور الذي كان يشعه ابنها على جمهور الثورة الفقير، والمحاصر بالأكاذيب، وبالإشاعات، والمستهدف من قبل مختلف أنواع المحتلين، كانت أمه خنساء جديدة تمحو ما تراكم من الصدأ على جبين ثورة الحرية.
الساروت صاحب اللكنة البدوية المحببة، والصوت القوي والحنون، أعاد توحيد الثورة شهيدًا يوم السبت 8 من حزيران، تمامًا مثلما كان يمثل توحيد سوريا عندما غنى في حمص للحرية مع فدوى سليمان، قافزًا فوق فخ الطائفية الذي كان يبنيه حافظ الأسد منذ اليوم الاول لاستيلائه على الحكم، وقد نضج على شكل شبيحة ومناصرين للاحتلال في سبيل بقاء نسل الاستبداد.
هبت مواقع التشبيح تندد بتضامن الناس مع الشهيد الساروت، مثلما هبت سابقًا وهي تندد بتضامن جمهور الثورة مع مي سكاف، ومع “أبو فرات”، يوسف الجادر، ومع فدوى سليمان، ومع مشعل التمو، فضياء الحرية التي ينفثها هؤلاء تغيظهم، وتبدد مشروعية مؤسسات القمع التي يتواصل بناؤها في السجون وعلى الحواجز وفي مقرات البعث والجبهة الوطنية التقدمية.
رموز ثورة الحرية ينادون بأن يعيش السوريون جميعًا بكرامة وبعدل، بينما رموز نظام الاستبداد يطالبون السوريين بالعودة إلى كف دولة المخابرات والبعث وعبادة نسل الأسد، ويدعون للخضوع لابتزاز آل مخلوف وآل شاليش والنظر بإعجاب لشيخ الجبل، واعتبار علي دوبا، ومحمد الخولي، وجميل حسن، وعلي مملوك، ومحمد ناصيف، ورستم غزالي، علامات ورموزًا وطنية سورية، بالإضافة إلى رزمة هائلة من المخبرين، ومن قادة فروع المخابرات والمافيات، ومن عملاء الاحتلال الإيراني والروسي.
لم يكن لدى الساروت مال ولا سيارات دفع رباعي، وليست لديه جوازات سفر متعددة ومتنوعة، وليس برقبته جرائم تعذيب، فالساروت أكل العشب في أثناء حصار حمص، وكان يعمل في قطاف الزيتون من أجل أن يعيش، ولم يتراجع عن الفرح الذي يغمر وجهه عندما يهتف للحرية، فكيف هي وجوه رموز الاستبداد وهي تأمر بالقتل وبالتعذيب وبالتهجير، وهي توافق على بيع البلد للاحتلال الأجنبي؟
رموزنا رموز للحرية، وليست لخنق سوريا وسجنها واحتلالها لمئة عام مقبلة، فالساروت جاع ويئس وأخطأ وهادن بعض القوى السوداء خوفًا من تصفيته، ولكنه عاد يعترف بأخطائه، وعاد يبتسم للحرية وهو يرفع الصوت عاليًا، كما كان يرفعه في ساحة الساعة بحمص قبل أن تنهال عليها البراميل والمذابح والاحتلالات الأجنبية.
ما الذي صنعه نظام الأسد من رموز خلال نصف قرن من اغتصابه للسلطة غير قافلة من القادة الذين ارتكبوا المجازر أمثال رفعت الأسد، ومصطفى طلاس، وعلي حيدر، وهاشم معلا، وزهير مشارقة، وبثينة شعبان، وسهيل الحسن، وعصام زهر الدين… وقافلة أخرى من مدراء المعتقلات وقادة المحاكم العسكرية القرقوشية أمثال فيصل غانم، وفايز النوري، وسليمان الخطيب، وحسن قعقاع… وأكوام أخرى من هذه النفايات التي جرّت سوريا إلى هذا الدمار.
ثم ما الذي صنعه نظام الأسد من رموز اقتصادية غير آل مخلوف وأعوانهم الذين يجسدون العبودية بكل تجلياتها الذليلة لآل الأسد ولدول الاحتلال؟
رزان زيتونة وسميرة الخليل وفراس الحاج صالح والدكتور إسماعيل الحامض وغيرهم من رموز أخرى لا تزال مجهولة المصير بين يدي الاستبداد الديني المتطرف، ولا يزال جمهور الثورة بانتظار عودتهم مع عشرات الألوف من المعتقلين والمخطوفين لدى نظام الأسد، ولدى التنظيمات الجهادية المتطرفة، ولا يزالون جميعًا يطلبون الحرية والكرامة لهم ولنا، بينما رموز نظام الأسد لا يزالون يطلبون السجن والقتل والاحتلال لكل السوريين.
هل تستوي رموزنا التي تطالب بالحياة وبالكرامة مع رموز نظام الأسد التي تطالب بالمزيد من الأرامل، وبالمزيد من الأيتام، وبالمزيد من المعتقلات، وتستنجد بالمزيد من الدول المحتلة لسوريا.. بلدنا نحن أهل الحرية!
في مدينة الدانا السورية التي كانت أول مدينة تقوم بطرد داعش منها، دُفن الشهيد في يوم الأحد 9 من حزيران 2019.
رحم الله عبد الباسط الساروت شهيدًا جميلًا يزيّن سماء سوريا المختنقة بالظلام.. والمبتسمة معه للأمل!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :