ما يجمع الثائرين على الاستبداد أكثر مما يفرقهم، مهما كانت عوامل التفرقة كثيرة ومهما اختلفت أنواعها، سواء طريقة المقاومة أو العقيدة التي يتبعها الفرد.
كثيرون قاوموا الاستبداد ودفعوا أعمارهم نتيجة لمقاومتهم، بعضهم سطر التاريخ اسمه بأحرف من ذهب، والبعض الآخر لم يذكره أحد، إلا أن النتيجة واحدة في النهاية وهي المقاومة.
ما بين غيفارا والكواكبي.. تشابه المقاومة والنهاية المؤلمة
ويذكر التاريخ شخصين كانا من أهم نقاط المقاومة رغم ما يفرقهما جغرافيًا وزمانيًا، جمعتهما المقاومة من جهة، وتاريخ الوفاة والولادة من جهة أخرى.
ويصادف اليوم 14 حزيران، ذكرى وفاة المفكر السوري عبد الرحمن الكواكبي في القاهرة، وهو ذات التاريخ الذي ولد فيه إرنستو تشي غيفارا في مدينة “روساريو” في الأرجنتين بعد وفاة الأول بـ 26 عامًا.
كلاهما، له بالغ التأثير في مئات الأشخاص والشباب حول العالم، وأسهما في تغيير طريقة تفكير الكثيرين ودفع الإنسان لمقاومة كل أنواع الاستبداد، وظهر هذا جليًا في مظاهرات الربيع العربي، والتي رددت شعارات ورفعت صورًا لكل من الكواكبي وغيفارا.
وكلاهما حارب الاستبداد خارج وطنه الأصلي، وإن انقسمت رحلة الكواكبي في المقاومة إلى قسمين، واحدة في حلب والثانية في القاهرة حيث دفن.
وقام كل من غيفارا والكواكبي في رحلات طويلة للتزود بالمعرفة ومعرفة أحوال البلاد، فقام الأول بجولة مطولة على دراجته النارية في أمريكا اللاتينية، والثاني في رحلة طويلة في قارتي إفريقيا وآسيا.
كما قضى كلاهما مقتولًا، فقتلت غيفارا المخابرات الأمريكية “CIA”، واتهمت السلطات العثمانية باغتيال الكواكبي بدس السم في قهوته، بحسب حفيدته ضحى.
الكواكبي.. رحلة من المقاومة الفكرية
سخر الكواكبي قلمه لمقاومة ما رآه استبدادًا عثمانيًا، فانتقل من عمله كمحرر في صحيفة “الفرات” التي كانت تصدر في حلب، ليؤسس صحيفة “الشهباء”، وهي أول صحيفة عربية تصدر في حلب، ويبدأ بنقد السلطات العثمانية بطريقة لاذعة، بحسب حفيدته “ضحى” في حديث مع صحيفة الأهرام المصرية.
تم إغلاق الصحيفة من قبل السلطات العثمانية، فقام بإنشاء جريدة أخرى حملت اسم “الاعتدال”، وأغلقتها السلطات العثمانية أيضًا، وتم اتهامه بمحاولة اغتيال الوالي العثماني، وحصل على براءته بعد نقل المحاكمة إلى بيروت، حاول بعدها الوالي اغتياله وفشل.
ومع استمرار التضييق على الكواكبي، غادر البلاد باتجاه مصر، بعد نصيحة الشيخ الأفغاني، نظرًا لامتلاك مصر في تلك الفترة هامشًا من الحرية نتيجة دعم الاحتلال الإنجليزي لمعارضي الوجود العثماني.
تتلمذ العشرات على يدي عبد الرحمن الكواكبي في مصر ودعا من هناك إلى مقاومة الوجود العثماني، ويعتبر أحد مؤسسي الفكر القومي العربي.
قام الكواكبي برحلات مختلفة في إفريقيا، وصولًا إلى أندونيسيا، وألف كتابين هما “طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد” وكتاب “أم القرى”.
قضى الكواكبي اغتيالًا في عام 1902، بعدما دس له السم في قهوته، بحسب حفيدته “ضحى”، ودفن في العاصمة المصرية القاهرة.
كتب على شاهدة قبره أبيات شعرية ألفها الشاعر حافظ إبراهيم قال فيها:
هنا رجل الدنيا هنا مهبِط التـقى هنا خير مظلوم هنا خير كاتب
قفوا واقرؤوا أم الكتاب وسلموا عليه فهذا القـبر قــــبر الكواكبي
غيفارا.. الثورة على الجميع
درس أرنستو غيفارا الطب في الأرجنتين، وقرر القيام برحلة طويلة على دراجته النارية مع صديق له، يجوب من خلالها أمريكا اللاتينية.
وكان لهذه الرحلة بالغ الأثر في تعزيز أفكاره اليسارية.
التقى غيفارا بفيديل كاسترو وأخيه راؤول في المكسيك، وسرعان ما انضم غيفارا إلى قوات كاسترو المصممة على إسقاط حكم الرئيس الكوبي، باتيستا.
نجح كاسترو بالسيطرة على كوبا، وكان غيفارا مستشارًا له، ثم عينه وزيرًا للصناعة.
سرعان ما أعلن كاسترو العداء مع الولايات المتحدة الأمريكية، ودخل الاتحاد السوفييتي على خط الصراع، وبدأ بدعم كوبا، إلا أن تشي غيفارا كان له رأي آخر، بعد أزمة خليج الخنازير، والتي اعتبر غيفارا خلالها أن الاتحاد السوفييتي يتلاعب بكوبا.
هاجم غيفارا نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وزار العشرات من دول العالم كسفير لكوبا.
لم يستمر غيفارا طويلًا في منصبه، فرحل إلى الكونغو ليدعم الثوار هناك، ويعود بعدها إلى بوليفيا ليبدأ ثورة أخرى.
سقط غيفارا في الأسر في عام 1967، وأعدمته السلطات البوليفية.