تشهد منطقة الشرق الأوسط صراعات وأزمات متتالية منذ الحرب العالمية الأولى والثورة العربية الكبرى، وتطبيق اتفاقية التقسيم والتي عرفت باسم “سايكس- بيكو”، وحتى قيام الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، وصولًا إلى الدمار الذي حل في العراق نتيجة الغزو الأمريكي، وما حل لاحقًا في سوريا وليبيا.
ولا تنفصل منطقة الخليج العربي عن أزمات هذه المنطقة، رغم ما تشهده من استقرار، على صعيد الحكم على الأقل، إذ تحكمها عائلات ملكية أو أميرية، سيؤدي أي خلل في استقرارها على الاقتصاد العالمي وأسعار النفط.
وعاد الحديث عن الحياة السياسية شبه الغائبة في منطقة الخليج العربي (ماعدا دولة الكويت)، منذ ثورة البحرين.
وانطلقت ثورة البحرين مع ثورات الربيع العربي، لتعيد إلى الأذهان عدة ثورات شعبية قامت في دول الخليج، ومنها ثورة ظفار في سلطنة عمان، والتي انطلقت في 9 من حزيران عام 1965، ضد حكم السلطان سعيد بن تيمور، واستمرت حتى عام 1975، دون أن يكتب لها النجاح.
لماذا قامت الثورة؟
لم يكن هدف ثورة ظفار محاربة نظام السلطان سعيد فقط، بل استهدفت أيضًا الاحتلال البريطاني لسلطنة عمان، وقام الثوار ببناء نظام مجتمعي وتعليمي واقتصادي وفكري كامل، وأرسوا المساواة بين المرأة والرجل، وهذا ما يظهر جليًا في مشاهد الفيلم الوثائقي “ساعة التحرير دقت”، للمخرجة اللبنانية هيني سرور، والتي صورته عام 1971 وعرضته للمرة الأولى عام 1974.
لا يمكن فصل ثورة ظفار عن الأوضاع الإقليمية، فالمنطقة العربية كانت تخلصت من الاستعمار الفرنسي في سوريا منتصف الأربعينيات، ولحقها الاستقلال المصري الكامل بعد ما يعرف بـ “ثورة يونيو” عام 1952، بعدما انقلبت حركة الضباط الأحرار على الملكية، وأفضت إلى جلاء الاستعمار البريطاني، وانتشار أفكار القومية العربية واليسار والاشتراكية.
وهذا ما أدى بالتالي لمقاومة السعودية لاحقًا وقطع دعمها للثورة في محاولة منها لقتل مد القومية العربية الذي يحاصرها في اليمن ومصر.
عانت منطقة ظفار الواقعة في جنوب عمان من التهميش، وانتشار القمع وارتفاع الضرائب والجهل، ما حدا بمسلم بن نفل لإطلاق الثورة بعدما هاجم عربات أمريكية في طريقها للتنقيب عن النفط في عام 1963.
وخرج ابن نفل من عمان باتجاه السعودية ولاحقًا باتجاه العراق، قبل أن يعود ويُشكل “جبهة تحرير ظفار”، والمكونة من ثلاثة تشكيلات، حركة القوميين العرب، والهيئة الظفارية الخيرية، ومنظمة الجنود الظفاريين، وحاولوا اغتيال السلطان في عام 1966.
دول داعمة وحرب بالوكالة
تلقى السلطان سعيد دعمًا كبيرًا من إيران على الصعيد المادي واللوجستي، وكذلك من بريطانيا، واستمر الدعم حتى بعد انقلاب ابنه قابوس عليه في عام 1970.
وكذلك تلقى الثوار دعمًا من مصر واليمن الجنوبي، وبقي الأخير يدعم الثوار بكل الإمكانيات حتى اللحظة الأخيرة، ماديًا وإعلاميًا، خاصةً مع تبني الثوار للفكر الماركسي، وبعد تبني الحركة لهذا الفكر توقف مسلم بن نفل للانفصال عنهم بشكل كامل، دون أن يكمل ثورته ودون أن يتحالف مع الحكومة أيضًا.
نهاية سياسية
مع تولي السلطان قابوس لمقاليد الحكم، بدأ عملية سياسية، شملت إطلاق عفو عن الثوار، وضمهم إلى القوات النظامية، مع الاستمرار في العمليات القتالية، وتطوير القوات الجوية العمانية، واستقدام ضباط إنجليز وباكستانيين، ومع ذلك كان تقدم قوات الثوار ملحوظًا، وحاولوا اغتيال السلطان قابوس عام 1972، إلا أن المحاولة فشلت مرة أخرى.
مع تضاؤل الدعم الموجه للثوار، وزيادة الدعم العسكري للسلطان من قبل حلفائه، بدأت خسائر الثوار بالتزايد، وسيطرت القوات الحكومية على مناطق جديدة وهذا ما حدا ببعضهم إلى الانضمام إلى القوات الحكومية، وحصل البعض من قادتهم على مناصب حكومية ووزارية، واستطاع السلطان قابوس لأول مرة السيطرة على كامل ظفار في عام 1975.
رفض مسلم بن نوفل أي مناصب وزارية، ولم يقبل بالعمل في السياسة، وتوفي في عام 2013 ودفن في ظفار.
–