عنب بلدي – نور عبد النور
أكلت النيران خيام اللاجئين السوريين قرب قرية الدير الأحمر في محافظة البقاع اللبنانية، وغادر ساكنوها المأوى الذي يحتضنهم ليتوزعوا على مخيمات أخرى، في نزوح جديد سببته أعمال عنفٍ انتقاميّة، وجد بعض اللبنانيين مبررات لها، وأدرجها آخرون ضمن سلسلة الأعمال “العنصرية” التي تمارس ضدّ السوريين في لبنان.
الحادثة التي أثارت جدلًا واسعًا في لبنان، عُدّت تطورًا جديدًا في سلسلة التضييق على السوريين، خاصة في ظل ما ارتبط بها من اتهامات لأهالي المخيم بامتلاك السلاح، كمبرر لارتكاب أعمال عنف والتحريض على اللاجئين من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
وجاءت الحادثة بالتزامن مع تطبيق قرار إزالة الخيام الإسمنتية في تجمعات اللاجئين السوريين في منطقة عرسال على الحدود مع سوريا، إثر مخاوف لدى أهالي البلدة من “نوايا استيطانية” يفرض من خلالها اللاجئون نفسهم كأمر واقع، وسط الدعوات الحكومية والشعبية اللبنانية لإعادة السوريين إلى بلدهم.
لاجئون ينزحون وخيام تحترق
بدأت أحداث مخيم “كاريتاس”، الواقع عند مدخل قرية الدير الأحمر الخميس، في الخامس من حزيران الحالي، بحريق شبّ في مرتفع جانب المخيم وبالقرب من حاجز للجيش اللبناني، بحسب الصحفي السوري، أحمد القصير، المقيم في لبنان.
وأضاف القصير لعنب بلدي، “عقب الحريق تم الاتصال بالدفاع المدني لاحتوائه، ولكن سيارات الإطفاء تأخرت وكاد الحريق أن يصل للخيم، ما دفع اللاجئين والجيش إلى إطفاء الحريق، وبعد أن وصلت سيارة الدفاع المدني حصل تلاسن بين سائقها ولاجئين احتجوا على تأخيره”.
التلاسن تطوّر بعد أن ردّ السائق بكلام غير لائق وحرك سيارته بسرعة، بحسب القصير، والذي أكد أن سيارة الإسعاف دهست خيمتين، ما دفع الناس إلى الاعتراض والصراخ محذرين من وجود أطفال فيهما، كما أقدم صاحبهما وبعض اللاجئين على ضرب السائق.
“المديرية العامة للدفاع المدني اللبناني” استنكرت الاعتداء على سيارة الإطفاء ومن كانوا فيها، بحسب ما نشرت صفحتها الرسمية في موقع “تويتر” عقب الحادثة، بينما نقل موقع “ليبانون ديبايت” اللبناني، عن أحد جرحى الدفاع المدني أنه أصيب مع عامل آخر، كما تحطم زجاج سيارتهما.
محافظ الهرمل، بشير خضر، أعلن عبر صفحته على “فيس بوك” عن منع تجول السوريين في منطقة دير الأحمر حتى صباح يوم السادس من حزيران الحالي، في الوقت الذي كان أهالي المخيم يخلون خيامهم.
ووفق ما قاله الصحفي لعنب بلدي، فإن أهالي المخيم، الذي أُغلق، توزعوا على بعض المخيمات الأخرى، مقدرًا عددهم بنحو 150 عائلة تضم نحو 500 إلى 600 فرد.
وأصدر اتحاد بلديات دير الأحمر قرارًا بإغلاق المخيم بشكل نهائي، ومنع عودة اللاجئين إليه، وفق بيان نشره على صفحته الرسمية في “فيس بوك”، وذلك “حرصًا على السلامة وتفاديًا لأي صدام”.
كما ألقت المخابرات اللبنانية القبض على 33 سوريًا من المعتدين بالضرب على عنصري الدفاع المدني، بحسب صفحة مختار الهرمل على “فيس بوك”.
ووثّقت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي قيام بعض أهالي القرية بحرق قسم من خيام “كاريتاس”، منعًا لعودة السوريين.
ردّ فعل “غير مبرر”
استمرت حرائق الخيام في “كاريتاس” لأكثر من يوم بعد إجلاء السكان، بحسب ما وثّقته صفحات “فيس بوك”، وإلى جانب ذلك أشعل قسم من أهالي القرية صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات “عنصرية” دعت إلى عدم إعادة اللاجئين إلى المنطقة مجددًا.
ويبرر قسم من أهالي دير الأحمر ذلك “بتسلّح السوريين الذين كانوا في المخيم”، إذ نقل موقع “ليبانون ديبايت” عن أحد جرحى الدفاع المدني في الحادثة أنه شاهد شخصين يحملان رشاشين وأسلحة.
وهو الأمر الذي تم استغلاله من قبل جهات أعلى لتبرير إخلاء المخيم، إذ نقل موقع “الجمهورية” اللبناني، عن راعي أبرشية بعلبك للموارنة، المطران حنا رحمة، قوله إن “العناصر الموجودين داخل المخيم ولا سيما الشباب يتقنون جميعًا استخدام السلاح بحكم تجنيدهم سابقًا في الجيش السوري”.
لكن مدير “معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية” التابع للجامعة الأمريكية في بيروت، ناصر ياسين، يفسر الحنق الشعبي تجاه سكان المخيم بوجود “أجواء ضاغطة في لبنان على السوريين نتيجة الحملات الإعلامية وكلام السياسيين والإجراءات القائمة والتشديد”.
ويضيف ياسين في حديث لعنب بلدي، أن “ما حدث في دير الأحمر هو حادثة فردية لكن الواضح أنها أخذت أبعادًا كبيرة، إذ كان من الممكن أن تُحل بشكل فوري. قد تكون سيارة الدفاع المدني قد دخلت بسرعة، وقد يكون هناك رد فعل غاضب كان يجب ألا يصدر عن اللاجئين، لكن رد الفعل من أهالي دير الأحمر على جميع أهالي المخيم كان غير مبرر”.
ويصف ياسين ما حدث بأنه “عقاب جماعي تمّ من خلال طرد اللاجئين وحرق خيامهم”، وحمّل مسؤولية ذلك، لـ “مسؤولين في الحكومة يقومون بتغذية الخلاف ولا يحاولون وضع حلول تحترم اللاجئين، وبنفس الوقت حاجات المجتمع المضيف الكبيرة”.
الخيام مستهدفة
تتزامن قضية إحراق خيام مخيم دير الأحمر، مع فرض إزالة الخيام الإسمنتية في المخيمات العشوائية في عرسال، وهو ما يضع خيام السوريين في عين عاصفة التضييق.
ويصل عدد قاطني المخيمات العشوائية في لبنان إلى 200 ألف لاجئ سوري، بحسب ما أكده مدير “معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية”، ناصر ياسين، في لقاء سابق مع عنب بلدي.
مخيمات عرسال التي يصل عددها إلى 850 بحسب تقديرات مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، تواجه قرارًا بهدم مئات الخيام الإسمنيتة، التي كان اللاجئون قد شيدوها لتحسين ظروف سكنهم.
وتنتهي في 10 من حزيران الحالي المهلة التي حددها الجيش اللبناني لهدم الخيام الموزعة بـ 26 مخيمًا، إذ يفترض إزالة الأسقف والجدران الإسمنتية التي بنيت في تلك الخيام بشكل مخالف للقانون، بحسب ما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط” في 22 من أيار الماضي.
وأثار ذلك التحرك مخاوف منظمات دولية، منها “سيف ذي تشيلدرن” و”وورلد فيجن” اللتان أصدرتا في 4 من حزيران الحالي، بيانًا دعتا فيه السلطات اللبنانية إلى وقف تنفيذ قرار هدم المخيمات التابعة للاجئين السوريين في عرسال، وحذرتا من مصير مجهول لآلاف الأطفال في تلك المخيمات.
بالمقابل لم تفلح هذه الدعوات في إيقاف تنفيذ القرار، بينما يستمر الضغط الحكومي للدفع باتجاه إعادة السوريين الذين يبلغ عددهم نحو مليونين إلى بلدهم وفق تقديرات الأمم المتحدة، وهو ما تسانده مجموعة من القرارات ودعوات شعبية تصب في صالح استمرار التضييق على السوريين.