«أيقنتُ حينها أنه جاء وقت الجد، فبدأت أجمع المال والمواد الطبية وحاجيات الأطفال والبطانيات.. حتى ثيابي السميكة»، هذا ما قالته الفتاة العشرينية التي تسمي نفسها «أم معاذ» لتصف الأثر الذي أحدثه داخلها فض اعتصام الساعة الجديدة في مدينة حمص قبل 4 سنوات، وتحديدًا في 19 نيسان 2014، لتبدأ بعدها بالعمل في المجال الإغاثي ومن ثم الطبي.
أم معاذ، واحدة من فتيات حمص اللاتي يعملن بصمت، وبمجهود وعزيمة ثابتين، لتؤدي دورًا لا يستطيع كثير من الرجال تغطيته، فتخاطر بحياتها في سبيل عملٍ «يُسهم في ديمومة الحياة وتخفيف معاناة شريحة واسعة من أهالي حمص» وفق ما تنقله لنا.
أخذت أم معاذ قرارها بإصرار وأوقفت دراستها الجامعية رغم أنه يفصلها عن نيل الشهادة عام واحد، لتبدأ رحلتها في باباعمرو والخالدية حين فُقدت مواد التخدير وإبر الكزاز والمسكنات، وكذلك البطانيات وحليب الأطفال، إذ بدأت تتواصل مع المستودعات الطبية وتؤمن المطلوب للمراكز الإسعافية والمحتاجين.
كان بمقدور الفتاة المفعمة بالحياة، السفر لتكمل تعليمها وتتزوج وتؤسس أسرة، لكن أم معاذ تقول «عندي هدف وحلمي أن أعمل في المجال الطبي عن قرب.. منذ سنتين بدأت بالإسعاف بعد أن تركت العمل الإغاثي»، معبرةً عن راحتها لاختيار هذا العمل «أن تُسعفُ جريحًا أو توقف نزيفه وتكمل معه المشوار وتغيّر لجرحه؛ عمل رائع جدًا»، وأضافت «أخذتُ خبرة من الأطباء، دخلت غرف عمليات لأشاهد عمل الطبيب وأحاول التعلم، خاصة أيام المجازر عندما تكون غرفة العمليات مكتظة».
وتعرضت الفتاة إلى «محنة كبيرة» حين استشهد كامل أفراد الكادر الذي تعمل معه بصاروخ استهدف مكان عملهم قبل سنتين؛ ثلاثة منهم إناث، واحدة منهن استشهدت قنصًا قبل سقوط الصاروخ».
ﻻ تنفي أم معاذ الصدمة القوية التي سببها الحدث، لكنها تردف «علينا أن نكمل الحياة؛ أتعب وﻻ أظهِر لأحد، الليل يطول علي، وأكملت العمل إلى أن فقدت رفيقتي بصاروخ آخر».
هذه الصديقة «ساهمت بإنقاذي إثر قذيفة تعرضت لها في وقت سابق»، لكنها تقول رغم جلل مصابها «إذا ضعفت سيضعف من حولي.. ولا مجال للتوقف».
تروي أم معاذ أشكالًا أخرى للصعوبات التي واجهتها بكل عزيمة بل وبطعم الفرح «مرّت أيام آكل فيها خبزًا جافًا، لكنني أستمتع.. ماعندي حذاء يقيني البرد، أستمتع.. بالرغم من الخوف والتعب، لكن طعمهما حلو».
تعيش أم معاذ مع أهلها الرافضين لعملها، وذلك لأنها تُنهك في عملها وتلازمها علامات الشحوب كونها تعيش في جو مشحون بالدماء والمرضى؛ ولكن بعد أن «رأوا ثمرة عملها.. اطمأنوا».
كانت أم معاذ تتمنى دخول كلية الطب ولم تستطع نظرًا لمعدلها في الشهادة الثانوية؛ لكنها اليوم تفتح وريدًا بسهولة وتوقف نزيفًا وتغير للجرح وتنظفه.
كثيرًا ما جاورتها قذيفة أو صاروخ لكن ذلك لم يدفعها إلى مغادرة حمص ليوم واحد منذ بداية الثورة السورية، ولو أنها تشعر بالغربة بعد سفر أعز صديقاتها.
تقيم أم معاذ مؤخرًا دورة لمجموعة من الشباب في العشرينات ليكونوا لبنة كادر طبي جديد، وتقول «الثورة جعلتني أفهم أن الإنسان خلق ليعرف دوره ويضع بصمته في الحياة».