تعتبر المسألة الكردية في صلب القضية الوطنية السورية، ولا يمكن تصور دولة سورية لجميع مواطنيها بدون حل هذه المسألة حلًا شاملًا عادلًا، لاشك أنه يتطلب تنازلات كبرى يقدمها الفرقاء السياسيون (كردًا وعربًا) لصالح القضية الوطنية.
نقدم في هذا الملف تعريفًا موجزًا بالساحة السياسية الكردية في سوريا وتشعباتها وارتباطاتها، والهدف منها هو التعرف على التمظهرات السياسية لـ «ثاني قومية في البلاد».
أول حزب كردي
تعتبر الأحزاب الكردية أن تاريخ 14 حزيران 1957 هو ميلاد الحركة الكردية، ويحتفل العديد من الأحزاب بذلك، كما أن قضية من هو أول حزب كردي مثار خلاف دائم بين الأحزاب.
تأسس الحزب الأول باسم الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)، وذلك بجهود عدة شخصيات، منها نور الدين زازا أول سكرتير عام للحزب، وحمزة نويران، عبد الحميد حاج درويش، عثمان (أوصمان) صبري، وصلاح بدر الدين وآخرين.
وتعرض الحزب لحملة اعتقالات عام 1960 شملت معظم قياداته بمن فيهم نور الدين زازا.
نشبت خلافات عديدة داخل السجن، تضافرت مع عوامل أخرى أيديولوجية وكردستانية (انشقاق البارتي في العراق)، حتى أدت إلى أول انشقاق في تاريخ الحركة الكردية عام 1965، حين انشق الحزب إلى يسار بقيادة عثمان صبري، ويمين بقيادة عبد الحميد حاج درويش.
وجرت محاولات عديدة للتوحيد، أبرزها محاولة رعاها الملا مصطفى برزاني في 1969 والتي أدت إلى نشوء حزب جديد واستمرار الحزبين السابقين.
ومنذ ذلك الحين والانشقاقات هي المميز الأبرز لمسير الحركة الكردية حتى وصلت عشية انطلاق الثورة السورية (2013) إلى ما يربو عن ثلاثين حزبًا، كلها تفرعت من الحزب الذي تأسس 1957 وجميعها غير مرخصة بطبيعة الحال.
وبالتأكيد فليست كل هذه الأحزاب كبيرة، ولا تخلو الساحة من انشقاقات لغايات شخصية، كما حفز الانسداد السياسي القائم في سوريا حالة الانشقاقات، ولا يستبعد طبعًا تدخل النظام السوري لتحفيز بعضها.
مسار كردي آخر
قبل إتمام الحديث عن الأحزاب الكردية الرئيسية المتفرعة عن (البارتي) لابد من الحديث عن مسار كردي آخر حكمته ظروف مختلفة عن ظروف الحزب الأول.
بدأ حزب العمال الكردستاني بقيادة عبد الله أوجلان عملياته العسكرية في تركيا عام 1984، ولاعتبارات سياسية عديدة تتعلق بعداء سياسي بين دمشق وأنقرة في ذلك الوقت، آوت سوريا أوجلان وقدمت له كل التسهيلات الممكنة، كما دعمته في هيمنته على الساحة الكردية السورية واستثمرت فيه عسكريًا وأمنيًا.
توترت العلاقات بين سوريا وتركيا وهددت تركيا بشن حرب على سوريا، وهو ما انتهى بأن طلبت سوريا من أوجلان المغادرة لتعتقله تركيا في كينيا عام 1998، ووقعت بعدها اتفاقية أضنا لإصلاح العلاقات بين الجانبين.
عام 2003 تأسس حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، كفرع عن حزب العمال، وتعرض لحملة قمع عنيفة على يد النظام السوري، كما تعرض لانشقاقات قليلة وبقيت الحال على ما هي عليه حتى انطلاق الثورة.
الأحزاب الكردية الرئيسية
من المفيد أن نذكر بعض الملاحظات العامة عن الحالة السياسية الكردية:
– يلاحظ غياب حركات الإسلام السياسي عند أكراد سوريا.
– ترد مفردة (الديمقراطي) في كل أسماء الأحزاب الكردية، ولكن الواقع أن الوفاة هو السبب الرئيسي لتغيير سكرتارية الأحزاب.
– شكلت الساحة الكردية السورية مجال تنافس نفوذ مستمر بين أكراد العراق وأكراد تركيا، وهو ما ساهم في تشظي الأحزاب وانقسامها.
– عند انشقاق أي حزب كردي، فإن الحزبين (الأصل والفرع) يبقيان على نفس الاسم، وهو ما يساهم في التشويش على الباحثين في الشأن الكردي.
هناك أربع أحزاب كردية رئيسية متفرعة عن الحزب الأول 1957، وحزب رئيسي متفرع من حزب العمال في تركيا؛ وفيما يلي نقدم موجزًا بسيطًا عن كل حزب من هذه الأحزاب:
- الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا (البارتي)
يعتبر هذا الحزب أول حزب كردي سوري، تعرض لانشقاقات عديدة عبر تاريخه كما أشرنا سابقًا، وقد شارك في إعلان دمشق عام 2005 كما ساهم في تشكيل المجلس الوطني الكردي عام 2011، ويعتبر الحزب امتدادًا للحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق بقيادة مسعود برزاني.
سكرتير الحزب هو سعود الملاد، ويصدر عن الحزب دورية باسم «كوردستان».
- الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا:
تأسس هذا الحزب 1965 كانشقاق عن البارتي، وشارك في إعلان دمشق، وتأسيس المجلس الوطني الكردي عام 2011، ويعتبر كثير من المراقبون أن الحزب مدعوم من الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال طالباني في السليمانية.
سكرتير الحزب منذ تأسيسه هو عبد الحميد حاج درويش، ويصدر عن الحزب دورية باسم «التقدمي».
- حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي):
تأسس الحزب عام 1993 من اجتماع عدة أحزاب ومجموعات كردية، وانتخب إسماعيل عمر أول سكرتير للحزب، لكنه تعرض لحملة اعتقالات على خلفية توزيعه منشورات في تسعينيات القرن الماضي.
كما ساهم الحزب بتأسيس إعلان دمشق في 2005، والمجلس الوطني الكردي في عام 2011، ويعتبر من أكثر الأحزاب تأكيدًا على البعد الوطني للقضية الكردية في سوريا، كما أنه من الأحزاب القليلة الذي لا يستخدم مصطلح «غرب كردستان» للتعبير عن المناطق الكردية السورية.
تحالفت بقية الأحزاب ضده وقامت بفصله من المجلس الوطني الكردي مطلع هذا العام.
سكرتير الحزب بعد وفاة إسماعيل عمر، هو محي الدين شيخ آلي، ويصدر عن الحزب جريدة الوحدة (يكيتي) باللغة العربية، جريدة نوروز باللغة الكردية، جريدة برس فصلية ومجلة حوار باللغة العربية.
- حزب يكيتي الكردي في سوريا:
تأسس الحزب عام 1999 كانشقاق عن حزب الوحدة آنف الذكر، ويتميّز بكونه من الأحزاب الكردية النادرة التي تتغير قيادتها دوريًا، وهو يساري التوجه، كما يعتبر من الأحزاب الكردية الراديكالية العنصرية، حيث يصف في بيانه التأسيسي العرب المغمورين (وهم الذي غمرهم سد الفرات ونقلتهم السلطات السورية إلى الجزيرة) بالمستوطنين وقراهم بالمستوطنات، كما يعتبر أحد أبرز الأحزاب الذي دعى جماهيره للانخراط بالثورة مبكرًا.
سكرتير الحزب هو إبراهيم برو، ويصدر عن الحزب دورية باسم يكيتي.
- حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD):
تأسس الحزب كفرع لحزب العمال الكردستاني في تركيا PKK، وتعرض لحملات اعتقال وتضييق شديد، وهو من أكثر الأحزاب شعبية وتنظيمًا.
مع انطلاق الثورة انضم لهيئة التنسيق الوطنية، وهو الحزب الكردي الوحيد الذي بقي في الهيئة، وشكل في نهاية 2011 مجلس شعب غربي كردستان، كما أنه الوحيد الذي تتبع له ميليشيات عسكرية منظمة تدعى وحدات حماية الشعب YPG، التي خاضت معركة كوباني ضد تنظيم الدولة أواخرالعالم الماضي.
في تشرين الثاني 2013 أعلن الحزب منفردًا «الإدارة الذاتية الديمقراطية»، وهي رؤيته لحكم المناطق الكردية في سوريا. ينسق الحزب مع النظام السوري في مختلف المناطق الكردية السورية لا سيما مدينة القامشلي.
بقي أن نقول إن الأحزاب الكردية الأربعة الأولى (مع أحزاب أخرى صغيرة) انتظمت في المجلس الوطني الكردي الذي أعلن عن تأسيسه في تشرين الأول 2011، ويهيمن على قراره تقريبًا إقليم كردستان العراق، كما أسس حزب الاتحاد الديمقراطي (مجلس شعب غربي كردستان) بعده بشهرين ويهمين على قراره حزب العمال الكردستاني في تركيا.
وقد جرت محاولات توحيد وتنسيق عديدة بين الجانبين بقيت جميعها حبيسة الأدراج لعدم التزام حزب الاتحاد الديمقراطي حسب أغلب الآراء.
استعان الكاتب في البحث عن بعض المعلومات بموقع مرقاب www.Merqab.org وهو موقع يهتم بتوثيق السياسة السورية