عنب بلدي – يامن مغربي
يعد الطريق الواصل بين المطار وقلب المدينة في جميع بلدان العالم واجهة اقتصادية مهمة، وفي الطريق الواصل بين مطار دمشق وقلب العاصمة السورية، أُنشئت عشرات المنشآت السياحية، ومدينة ألعاب واستديو تصوير لأعمال البيئة الشامية، كما نُقل إليه معرض دمشق الدولي وقصر المؤتمرات، كما أُنشئت عشرات المطاعم السياحية التي كانت تستقبل عشرات الآلاف من الزوار يوميًا، ويتخطى عددها 20 منشأة.
وشكلت هذه المطاعم عامل جذب سياحي بعدما دخل أحدها “موسوعة جينيس” للأرقام القياسية كأكبر مطعم بطاقة استيعابية في العالم، إذ يتسع لأكثر من ستة آلاف شخص دفعة واحدة.
توقفت هذه المنشآت عن العمل بعد عام 2011 ووصول المعارك إلى المنطقة، قبل أن يستعيد النظام السيطرة على المناطق المحيطة بالعاصمة السورية.
وبعد الحسم العسكري الذي روج له النظام السوري طويلًا بعد بسط سيطرته العسكرية، عادت الأحاديث عن إعادة افتتاح مشاريع سياحية في المنطقة، عدا عن الإعلان عن مشاريع ترفيهية أخرى كانت قيد الإنشاء.
ما سر اختيار هذه المناطق تحديدًا
وعن سبب اختيار هذه المنطقة تحديدًا دون باقي ضواحي العاصمة، قال الخبير الاقتصادي يونس الكريم لعنب بلدي إن اختيار المنطقة جاء أولًا بسبب أسعار الأراضي التي تعد أرخص مقارنة ببقية مناطق ريف دمشق، خصوصًا مع هجمة استثمارية بين عامي 2006 و2011، من دول الخليج ورجال أعمال ممن سعوا لاستثمار أموالهم في دمشق، سواء كان ذلك الاستثمار حبًا بسوريا أو لاستثمار الأموال في منطقة واعدة، مع وجود تسهيلات فيما يخص دخول وخروج أموال رجال الأعمال دون محاسبة من جهة، ورغبة من النظام باستغلال علاقات رجال الأعمال هؤلاء مع الدول، ما يمكنه من إقامة علاقات اقتصادية واسعة من جهة أخرى.
ويتقاطع كلام الكريم مع كلام المستشار الاقتصادي جلال بكار، الذي أشار إلى أن الدول تحاول دائمًا أن تكون مناطق المعارض والمؤتمرات بالقرب من المطار لسهولة الحركة، وهو أمر استراتيجي، أما في سوريا فحاول النظام إيجاد واجهة اقتصادية للبلاد لجذب الاستثمارات الخارجية، إلا أن هذه المشاريع كانت مقيدة دائمًا لأنها يجب أن تكون عن طريق الدولة فقط، سواء كان هذا المستثمر أجنبيًا أم محليًا، ذلك أن القمع الذي كان النظام يمارسه لم يتوقف على القمع السياسي أو العمل المدني، بل كان يصل إلى الاقتصاد أيضًا، بحسب تعبير بكار.
ويشير يونس الكريم إلى أن طبيعة المنطقة لعبت دورًا في اختيارها، إذ يقول لعنب بلدي إن هذه المناطق كانت تتمتع ببنية تحتية جيدة، فاستفاد أصحاب المطاعم من هذه الخدمات، إضافة للمساحات الشاسعة، على عكس بقية مناطق ريف دمشق المكتظة بالسكان، ما جعل امتعاض السكان المحليين من هذه المشاريع أقل بطبيعة الحال، وأيضًا لقربها من عدة مناطق سياحية في دمشق، كمناطق باب توما وباب شرقي وغيرها، وبالتالي لعب العامل الجغرافي دورًا مهمًا في اختيارها أيضًا، إضافةً إلى انخفاض الضرائب المفروضة على هذه المشاريع نتيجة وجودها خارج المخططات التنظيمية.
أوجدت هذه المشاريع فرص عمل للشباب، وأسهمت أيضًا في انتشار الدراما السورية مع النجاح الكبير الذي حققته مسلسلات البيئة الشامية، ووجود استديو تصوير متكامل في تلك المنطقة، ما جعلها تسهم في القطاع السياحي وقطاع الترفيه.
ويشير جلال بكار إلى العوائد اقتصادية التي كانت تدرها هذه المشاريع قبل الثورة، إلا أن هذه العائدات كانت تذهب لشركاء النظام الاستراتيجيين، سواء من لبنان أو من دول الخليج، وكانت الفائدة تعود عليهم فقط لا على القطاع الخاص ككل.
ويقول بكار إن سوريا تعد دولة ضعيفة اقتصاديًا، بسبب القوانين التي كانت تسمح للنظام أو لغيره بسرقة خيرات البلاد، وعدم إعطاء الفرصة الحقيقية للقطاع الخاص.
ويوضح بكار أن قوة أي دولة على الصعيد الاقتصادي تكون بعاملين اثنين، الأول إنتاجية الاقتصاد الداخلي، وقوة القطاع الخاص الداخلي، وللأسف القطاع الخاص كان محصورًا بأسماء معينة ومقربة للنظام.
بينما يذهب يونس الكريم إلى منحى آخر فيقول إن أهم ما تساعد فيه هذه المشاريع هو إيجاد فرص عمل للشباب، وقد استفاد المزارعون القريبون منها ببيع منتجاتهم لهذه المطاعم، ما أعطى فرصًا توفيرية، من حيث الوقت والتكلفة، لأصحاب هذه المشاريع.
لماذا عاد الحديث عن هذه المشاريع
تكثر الأحاديث منذ عام 2018 عن عودة بعض هذه المنشآت للعمل، إضافةً للأحاديث الدائرة عن منشآت جديدة تبصر النور قريبًا، ومنها على سبيل المثال مشروع “جاردن سيتي”، الذي قال رئيس مجلس إدارة شركة “المتحدة للمقاولات والهندسة”، حسان اسطواني، في حديث لموقع الاقتصادي، في 2 من نيسان الماضي، إن المشروع سيدخل في الخدمة خلال عام كحد أقصى.
ونقل الموقع الرسمي لوزارة السياحة السورية، في 28 من حزيران من عام 2018، زيارة وزير السياحة السابق في حكومة النظام السوري، بشر يازجي، إلى محور طريق مطار دمشق واجتماعه بأصحاب المنشآت السياحية.
ويشير يونس الكريم إلى أن النظام السوري يحاول اليوم إعادة بناء وتشغيل المشاريع كلها، خاصةً بعد تهجير أهل الغوطة، وهو ما سيسمح له بإقامة عدة مشاريع ومخططات تنظيمية، منها مدن عمالية لخدمة المدن الصناعية، وفلل ومنشآت سياحية، وهو ما يسميه النظام إقليم دمشق الكبرى، والتي ستكون ملاذًا ضريبيًا آمنًا لتبييض الأموال، ويجد النظام فيها فرصة ذهبية لاستعادة بعض المشاريع، خاصةً مع خسارة الكثير من المنشآت السيادية لصالح روسيا وإيران.
ويكمل الكريم، “يهم النظام أن يعلن عن هذه المشاريع لجذب الاستثمار والتأكيد لحاضنته الشعبية والعالم بأنه المتحكم الوحيد، ويتصرف كمنتصر، وعدم انطلاق هذه المشاريع خسارة له، لذا يريد استعادة بعض ما خسره”.
بينما يرى جلال بكار أن هذه المشاريع “هي فقط على صعيد الدعاية والإعلان، وليظهر النظام نفسه على أنه يمتلك القوة الاقتصادية بعدما انتهى من الأعمال العسكرية، إلا أن الحقيقة عكس ذلك تمامًا، فسوريا اليوم غير مهيأة وغير جذابة بالمطلق للاستثمارات الأجنبية”.
وفيما يتعلق بتأجير مطار دمشق لجهات روسية، يقول يونس الكريم إنه لا يمكن للنظام أن يترك مطار دمشق للروس ولا لأحد، لأن هذا معناه تحكم الروس بحركة الطيران، ما يعني تعطيل هذه المشاريع، وهذا يعني فقدان السيطرة على ما يسمى إقليم دمشق الكبرى.
هل يملك النظام القدرة على دخول هذه المشاريع؟
بقدر ما يعيش النظام وضعًا اقتصاديًا صعبًا، تمثل بعدة أزمات خانقة في سوريا، بقدر ما تتواتر الأحاديث عن مشاريع استثمارية، وفي هذا الصدد ينفي جلال بكار قدرة النظام على المشاركة في أي مشاريع استثمارية، ويقول لعنب بلدي، “بوضع النظام الحالي لا يستطيع الإسهام بأي مشاريع اقتصادية، لا مشاريع استراتيجية ولا صغيرة ولا حتى دعم مشاريع ناشئة، لأن النظام لا يعمل على إيجاد أمن اقتصادي للمستثمرين ولا للمواطنين، ونرى أن الشركات الأجنبية في البلاد شبه معدومة، واقتصاد البلاد قائم اليوم على التجار المحليين، ولا يوجد أحد قادر على تأسيس مشاريع جديدة”.
ويختلف رأي الكريم عن بكار، إذ يرى أن النظام يملك قدرة جزئية لا كلية على الإسهام في هذه المشاريع، فمع أن هذه المشاريع تفوق القدرة المالية للنظام، إلا أنه بإطلاقها سيتم جذب الاستثمارات.
ويقول الكريم، “القوانين تكتب من جديد والبلد تعتبر صفحة بيضاء، وهذا يعني قوة أكبر لرجال الأعمال للحصول على قوانين تخدمهم بشكل أفضل والاستفادة منها لمصالحهم الشخصية، عدا عن محاولة النظام الحصول على منح دولية لإعادة الإعمار، وبالتالي استخدام هذه الأموال لإطلاق مشاريعه، وسيسمح للمنظمات الإنسانية بالدخول إلى سوريا تحت مظلة إعادة الإعمار لبناء البنى التحتية، ما سيخفف عنه جزءًا من التكاليف، التي تقدر بـ 60% من تكاليف المشاريع الاستثمارية، وبالتالي يستطيع بالشراكة مع جهات أخرى بناء ما تبقى”.
ترى المهندسة المعمارية سارة الصالح، وهي مهندسة سورية لجأت إلى أوروبا، أن أهمية الموقع يكمن في أنه واجهة البلد بالنسبة للقادمين إلى العاصمة، وشكل محورًا بصريًا مهمًا، عدا عن عدم اكتظاظه سكانيًا، واعتباره منطقة حيوية وملائمة للاستثمار.
وتشير سارة إلى أن أهمية هذه المنطقة تكمن في تعزيز السلطة القائمة في دمشق، خاصةً بغياب أي استثمار منفصل عن السلطة السياسية في البلاد.
وتقول سارة، “طريق المطار وما حوله هو عصب النظام، وكل استثمار فيه هو استثمار مرتبط معه بالضرورة”. بحسب رأيها.
وتؤكد لعنب بلدي أن تكلفة هذه المشاريع لا تتحدد فقط ببعد المنطقة أو قربها بقدر ما ترتبط استراتيجيًا بوجودها قرب المطار، وهو العامل الأبرز بتحديد أسعار الأراضي هناك، وارتباطها بأنواع ومنشآت خدمية خاصة، كما تتبع لتكاليف الإنشاء أيضًا، وهو ما يخضع للمقاول وميزانيته.
وتشير إلى أن سوريا كانت تفتقد لإدارة مدنية حقيقية وبلديات مستقلة تدير عمليات البناء والاستثمار، وتشكل ضابطة حقيقية وسلطة ناظمة ذات شفافية وبعيدة عن الفساد وتكون فوق المستثمرين، سواء كانوا أفرادًا أم شركات.
وتضيف الصالح، “في سوريا لا توجد خطط تنظيمية حقيقية، وإن وجدت في دوائر معينة فهي على الورق فقط، والفساد سمح ببناء مخالف شوه البيئة البصرية والعمرانية”.
وفيما يخص بعض المشاريع الجديدة التي تم الإعلان عنها مؤخرًا، كمشروع “زيتون سيتي” و”غاردن سيتي”، توضح أنه وقبل الحديث عن هذه المجمعات السكنية والمراكز التجارية، يجب الحديث عن البنى التحتية، وإن كانت قائمة بنسبة مقبولة قبل الحرب فهي اليوم مفقودة تمامًا.
وتجد سارة الصالح الحديث عن هذه المجمعات اليوم أمرًا مضحكًا، متسائلة، “سوريا اليوم نصف مهدمة ولا أعرف كم ستحتاج زمنيًا لإعادة الإعمار”.
ومن وجهة نظر المهندسة، فإن ما يجب الاهتمام به في الفترة المقبلة هي المناطق التي تهدمت بالكامل، وإعادة الناس إلى بيوتها وتأمين بيوت لها أهم بكثير من إيجاد سكن للأغنياء وأصحاب الثروات.