هل يوجد إعلام حقيقي في ظل الأنظمة الديكتاتورية؟

  • 2019/06/02
  • 2:01 ص
منصور العمري

منصور العمري

منصور العمري

نشأت صحافة المواطن كظاهرة في سوريا مع المظاهرات الأولى ضد نظام الأسد، والتي كانت في أصلها مقاومة لتزييف إعلام الأسد الحكومي للحقائق المرتبطة بالحراك ضد نظامه وإنكارها. اعتمدت هذه الصحافة الناشئة مواقع التواصل الاجتماعي منصات رئيسية لها، وزودت الإعلام العربي والدولي بالمعلومات مع منع الأسد لهذا الإعلام من العمل داخل سوريا.

مع انتشار هذه الظاهرة وتحولها في عدة حالات إلى إعلام محترف ومؤثر، لم يعد إعلام الأسد الرسمي، بدائي المستوى، قادرًا على مواجهة هذه الظاهرة. أدرك نظام الأسد ضرورة الوجود في مواقع التواصل الاجتماعي التي طغت بمتابعتها على الإعلام التقليدي، فكان لا بد له من دخوله هذا الفضاء. بدأت ممارسات النظام في فضاء الإعلام الاجتماعي بتأسيس مراكز إنترنت تابعة لقوى الأمن يوظف فيها عددًا من الأشخاص لكل منهم عدد كبير من الحسابات الوهمية في مواقع التواصل الاجتماعي. إحدى مهامهم ملاحقة المنشورات والحسابات المتعلقة بالثورة، ونشر رواية النظام. بدأت هذه المراكز في مقاهي إنترنت منها في دمشق في ضاحية الأسد بحرستا، وفي اللاذقية وغيرها، ثم نشأت مراكز متكاملة مخصصة لهذا النشاط، وتقاضى الفرد من موظفيها راتبًا شهريًا بلغ عشرين ألف ليرة سورية (400 دولار) عام 2011. ثم دعم الأسد تأسيس ما يسمى الجيش السوري الإلكتروني الذي كانت مهمته نشر بروباغندا النظام، وقرصنة الصحف والمواقع الإلكترونية وصفحات الناشطين وغيرهم.

في الإطار ذاته سمح نظام الأسد بإنشاء صفحات في مواقع التواصل الاجتماعي ذات طابع إخباري، بإشراف مخابراتي، هدفها مواجهة الصفحات الإخبارية المعارضة لنظام الأسد والمواقع الإخبارية المستقلة وصفحات الناشطين الصحفيين، بالإضافة إلى نشر أخبار ملفقة في إطار الحرب النفسية في أثناء الحرب، والتضليل المعلوماتي في المعركة العسكرية، ونشر رواية النظام عن الأحداث في الفضاء الإلكتروني الاجتماعي الذي يستقطب أكبر عدد من الجمهور.

الإعلام بتعبير الأسد نفسه هو إحدى ساحات الحرب القائمة، لذلك في الوقت ذاته، ومع انتشار عدد من صفحات الناشطين الإعلاميين والصفحات المؤيدة لنظام الأسد التي بدأت عملها بدعم المعركة العسكرية، ثم “انحرفت” باتجاه انتقاد الحكومة أحيانًا، اضطر نظام الأسد خوفًا من انتشار ثقافة النقد، وانفلات الطوق الذي يحكمه حول الإعلام السوري، لإصدار قوانين تحكم سيطرته حتى على منشورات الأشخاص العاديين في “فيس بوك” وغيره، من بينها قوانين الغرامات المالية والسجن لمن ينقل منشورًا دون الإشارة إلى المصدر، وقوانين السجن والغرامة لمن ينتقد الحكومة، وعمم هذه القوانين علانية، بما أسهم في إرهاب الأصوات التي بدأت بالتصاعد وكتمها. في الوقت ذاته نفذ اعتقالات وتهديدات ومضايقات بحق موالين له ممن أسهموا في معركته الإعلامية، وآخرين يعملون لقنوات دعائية موالية لإيران.

تشكل الرقابة الذاتية العامل الناظم الأوسع انتشارًا لدى كل من يعمل في إطار الإعلام بمناطق سيطرة نظام الأسد، فممارسات النظام بمضايقة واعتقال وقتل واغتيال وتعذيب كل من رفع صوته، أو نشر خبرًا لا يوافق الرواية الرسمية، بالإضافة إلى القوانين والتعليمات التقييدية للفضاء الإلكتروني الاجتماعي هي المحدد الأساسي في العمل الإعلامي تحت حكمه، فتُسكت الأصوات العادية وتشذب أقلام الإعلاميين آليًا.

الإعلام الدعائي الموجه هو أحد الأعمدة الرئيسية لصناعة وبقاء الأنظمة الديكتاتورية الأبوية، ولا تنجح هذه الأنظمة بالسيطرة على المعلومات وانتشارها إلا من خلال قمع أي إعلام قد يقدم ما يخالف الرواية الرسمية. أي حلحلة حقيقية للقبضة الأمنية على الإعلام ستضعف أعمدة هذه الأنظمة، وستفضح فسادها وإجرامها وسلبها لحقوق مواطنيها، وهو ما يعلمه جيدًا نظام الأسد الذي قد يسمح ببعض ما يذر الرماد في العيون، لكنه بعد أن قتل وشرد أكثر من نصف الشعب السوري، ولم يترك جريمة إلا ارتكبها، ثم باع سوريا من أجل الحفاظ على موقعه لن يفسح المجال عن طيب خاطر بانتشار حرية الإعلام التي ستودي بنظامه، بل على العكس سيشدد قبضته ويواكب التطورات التكنولوجية لتحقيق ذلك.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي