إبراهيم العلوش
كل عام وأنتم بخير أيها السوريون المعذبون في الوطن، وفي المهاجر القريبة والبعيدة، كل عام وأنتم بخير رغم الحرائق، والموت، والتصريحات، وجلسات مجلس الأمن، وأكاذيب أصدقاء سوريا.
يأتي هذا العيد والطائرات الروسية تنشر الحرائق التي تلتهم بيوت الناس في إدلب وتحرق زيتونها. وترتفع النيران عاليًا في حقول الجزيرة السورية المحاطة بمطارات التحالف الدولي التي تتجاهل عذاب الناس وحريق لقمة خبزهم، وتبخل عليهم بالمساعدة على إطفائها.
ولكن ماذا تريد هذه الحرائق من السوريين، هل تريد إجبارهم على قبول بشار الأسد، أم قبول داعش، أم قبول الاحتلالات المختلفة الألوان والأشكال.. ولماذا تصر المختبرات الدولية على إجراء المزيد من التجارب علينا، وتستعرض نتائجها الفجائعية على الأطفال والمدنيين؟
الروس واضحون في تجاربهم وفي نواياهم، فقراراتهم علنيّة ولا تحتاج إلى التأويل، فهم يحرقون الزيتون في إدلب من أجل إعادة تدوير بشار الأسد، ومن أجل تجريب أسلحتهم المختلفة، الموديلات السوفيتية القديمة، والموديلات البوتينية نصف الحديثة، فالروس لا يعون أن كل هذا الدمار لن يزيد صورتهم إلا وحشية.
الإيرانيون يجربون قواتهم وميليشياتهم، ويعيدون نشرها فوق الدمار السوري، وهم يطاردون حلمهم الإمبراطوري بابتلاع المنطقة، وتهجير أهلها باسم الممانعة والمقاومة، فمدفعيتهم وصواريخهم العاجزة عن الرد على الإسرائيليين، والمرتبكة أمام التهديدات الأمريكية المهينة، لم تجد إلا إعادة دورة الموت فوق مدنيي إدلب، وتشتيتهم في البراري بمناسبة عيد الفطر المبارك، ريثما تصلهم الطائرات الروسية الشقيقة والشريكة في صناعة الموت للسوريين.
داعش وقوات سوريا الديمقراطية يتبادلان التهم حول إحراق عشرات آلاف الهيكتارات من حقول قمح الجزيرة وشعيرها، والتي ينتظر غلالها فقراء البلاد الذين أنهكتهم الحروب والشعارات الكاذبة، المنهالة عليهم باسم الدين، وباسم القومية، وباسم خلطة عجائبية من الشعارات السلفية الداعشية والماركسية القنديلية. فلعبة التواطؤات بين الطرفين لم تنتج إلا الدمار تحت ظلال التحالف الدولي المتمرس بالتدمير، وهو ليس بحاجة لتجريب أسلحته الحديثة مثل الروس، ولكن النتيجة واحدة وهي موت السوريين، ودمار بيوتهم وأرزاقهم التي كانت ستنقذهم من الجوع، ومن الحاجة إلى منظمات المساعدات الدولية، وتطلق حياتهم بعيدًا عن شعور العجز والبطالة.
زرع فلاحو إدلب أشجار الزيتون من أجل أن تثمر زيتًا وزيتونًا لأبنائهم، وليس من أجل أن تنتج الحرائق التي تقتل الحياة، وتقضي على جهود أجيال متعاقبة زرعت الزيتون واعتنت به وحلمت بثماره الثمينة.
وزرع فلاحو الجزيرة القمح والشعير في السهول المترامية لأراضي الفرات والجزيرة من أجل صناعة الخبز الذي تنتجه البيادر، ومن أجل أن تحيي الموات الذي جلبته داعش، والقوات الدولية، وقوات الأمر الواقع القنديلية التي تشاركهما الرغبة في القضاء على كل أمل في هذه البلاد، ريثما تحصل على ما يرضيها من أهداف ومخططات أيديولوجية، واستيطان، وبناء دولة ينزلق مكان وجودها ليصل إلى الرقة، وكأنما ثمة انزلاق جيولوجي نقل إحداثيات الجغرافيا على غفلة من الزمن ومن البشر.
الطائرات الروسية لا تصنع السلام ولا تنشر الأمن في إدلب بل تحرق الزيتون وتهجّر المدنيين، وتوزع غازات الموت الكيماوية على البشر المتشبثين بأرضهم وببيوتهم، وبمدارس أطفالهم، وبالمستشفيات التي تحرقها اليوم هذه الطائرات وهي تدرب طياريها وضباط عملياتها الاستراتيجية.
أما طائرات التحالف الدولية التي فرغت منذ أشهر من تدمير الرقة وسائر المدن الفراتية بغرض تطهيرها من داعش ومن البشر القاطنين فيها، تلك الطائرات الحديثة التي يقودها طيارون محترفون وتدير عملياتها غرف عمليات موجودة في السماء وعلى الأرض السورية، وفي العراق والخليج، وفي البحر المتوسط، وفي قواعد الجيش الأمريكي وثكناته التي تبعد آلاف الكليومترات، تلك الطائرات تركت الرقة بعد تدمير ثمانين بالمئة منها، ولم تعد راغبة بالطيران من أجل إطفاء حرائق القمح التي يحاول فلاحو الفرات إطفاءها بالخيش، وبالثياب البالية والمبلولة بما توفر لهم من ماء في جو شديد الجفاف، وترتفع حرارته فوق الأربعين درجة. فطائرات الهليكوبتر الصغيرة كان بإمكانها رمي مواد إطفاء الحريق خلال ساعات، وبذلك يؤمّن الفلاحون على مواسمهم ولقمة خبز أطفالهم.
هذه التكنولوجيا الأمريكية والروسية والإيرانية مخصصة للموت في سوريا وليس للحياة، مخصصة لتعويم بشار الأسد ومخابراته وليس لبناء السلام والتوافق بين مختلف السوريين بعد سنوات الموت المستمرة حتى هذا العيد.
السوريون ينشدون الحياة، وهم يفرحون بالعيد ويلاعبون أطفالهم رغم الموت، ورغم الحرائق التي تلتهم حقول الزيتون، وحقول القمح والشعير، وهم لم يقوموا إلا من أجل أن يكونوا أحرارًا، ومن أجل أن يوقفوا نصف قرن من الذل والهوان في ظل دول المخابرات الأسدية.
كل عام وأنتم بخير أيها السوريون وأنتم تحت ظلال أشجار الزيتون وتبنون خيامكم تحتها بين غارتين، كل عام وأنتم بخير أيها السوريون الذين يطفئون الحرائق، ولا يستسلمون للموت وللدمار الذي توزعه داعش ومشتقاتها الحقودة على البشر، كل عام وأنتم بخير أيها المهجّرون الذين يحنون إلى بيوتهم ولا يستسلمون لقبول العودة إلى دولة التعذيب والموت، كل عام وأنتم بخير جميعا أيها الحالمون بسوريا الجديدة والحرة التي تحفظ كرامة الجميع.