التوثيق ضريبة تدفعها الناجيات والمقابل “وعود زائفة”
اعتمدت عشرات الجهات الحقوقية والصحفية والإنسانية على جمع شهادات الناجيات والناجين من المعتقلات السورية لتوثيق الانتهاكات التي ارتكبت بحق الشعب السوري منذ بدء حراكه الشعبي عام 2011.
كثيرات شاركن قصصهن وبُحن بأبشع ذكريات حملنها، على الرغم من خصوصيتها وحساسيتها، على أمل الإسهام بتحقيق العدالة المستقبلية والحصول على العون المستحق إثر الصدمة والواقع الصعب الذي وجدنه عند الخروج.
عانى ملايين السوريين من مرارة النزوح والفقر والألم، جردهم الصراع من ديارهم وأعمالهم وخلف آثاره على أجسادهم وأرواحهم، وزاد نصيب المعتقلين والمعتقلات عن البقية بما تعرضوا له من تعذيب وحشي وتقييد جسدي ونفسي، ترك معظمهم في دوامة من الألم وبحاجة لمن يمد لهم يد المساعدة لتجاوزها.
استغلال يفاقم الألم
لم تتوقع لمى أن تتعرض للاستغلال وأن تزيد آلامها عند إفصاحها عن فترة الاعتقال المرير الذي عانته إثر مشاركتها في الثورة السورية، إلا أن هذا تمامًا ما حصل حسبما قالت لعنب بلدي.
حملت آثارًا صحية، جسدية ونفسية، أعاقتها عن التفاعل التام مع المجتمع والحصول على العمل الملائم الذي يكفي لتأمين احتياجاتها، إلا أنها لم تتوانَ عن مشاركة جراحها والسعي لنشر قصتها على أمل مساعدة من بقين داخل السجون.
“بدأت أحكي قصتي وأوثق وأتحدث لأي جهة، على أمل أن أوصل صوتي”، سرعان ما اهتمت بها المنظمات الحقوقية والجهات المدنية، وطلبت منها مرارًا مشاركة تجربتها، مع تقديم الوعود بالدعم والرعاية لتتمكن من متابعة حياتها بيسر.
لكن وبعد أربع سنوات، وانضمامها لما يزيد على 13 مجموعة للناجيات، دون أن تنال شيئًا من الدعم المنشود، أدركت أن ذلك الاهتمام كان “زائفًا”، كما وصفت.
“فجأة اكتشفت أني مجرد سلعة لديهم، يأخذون ما يريدون مع تقديم الوعود الكاذبة لكن لا تجدين شيئًا”.
نقص في الاحترافية وتخمة في الوعود
تعرضت هنادي لمصاعب وآلام متلاحقة منذ بدء الصراع السوري، بداية مع تجربة الاعتقال المريرة التي انتهت عام 2014 وما تلاها من ملاحقة أمنية مستمرة، دعتها للمجازفة في رحلة “انتحارية” عبر سوريا إلى تركيا دون أي مال أو أوراق ثبوتية.
حصلت على دعم قليل من الأقرباء، والغرباء ولكن صعوبة الأحوال المادية اضطرتها للبحث عن عمل يؤمّن احتياجاتها، ولم تجد سوى الأعمال بساعات طويلة وأجر منخفض، والتي كان لها أثر سيئ على صحتها.
كان التواصل مع الجهات المختصة برعاية المعتقلات الحل الأخير بالنسبة لها، وكانت نتيجته التعرض للصدمة تلو الأخرى، حسبما قالت لعنب بلدي.
دفعتها أحوالها المادية وآفاق العمل المستعصية نتيجة حالتها الصحية والنفسية المتردية نحو تجربة زواج فاشلة زادت من تعاستها.
لم تقدم المنظمات سوى “الاستغلال”، قالت هنادي، فلا دعم نفسي احترافي ولا مشاريع ذات نفع حقيقي، فقط جمع معلومات تفصيلية عن الناجيات، تتبعها وعود بمحاولات تأمين الدعم لمشاريع تفيدهن.
وأضافت هنادي أن تجربة التوثيق بحد ذاتها غالبًا ما تكون غير مريحة، وأدركت لاحقًا أنها كانت تفتقد للكثير من الاحترافية، إذ أبدى معظم الموثقين لا مبالاتهم مع طرحهم لأسئلة “تفصيلية للغاية”، وإغفالهم لذكر حقوقها كشاهدة، إضافة إلى عدم تصريحهم بوجهة المعلومات التي يجمعونها.
وينص الملف التدريبي للعاملين في مجال توثيق انتهاكات حقوق الإنسان، حسب مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة، أنه على القائم بإجراء المقابلات مع الشهود والضحايا أن يهيئ جوًا من الثقة والألفة وأن يوضح مختلف الخطوات التي ستمر بها المعلومات وكيفية الاستفادة منها، “وينبغي ألا يتسرب إلى الشخص شعور بأنه لا يمثل سوى حالة من ضمن سلسلة من الحالات المجهولة ذات الاهتمام اللحظي”.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :