داريا – جريدة عنب بلدي – العدد 29 – 9-9-2012
بعد أن تغلغلت الثورة في الجسد السوري وامتدت في كافة أرجائه، وبعد أن استنزف النظام الأسدي طاقاته ومقدراته في قمع الامتداد الثوري لدرجة وصل فيها إلى شفير الانهيار، -لولا الدعامات الإيرانية والروسية الاقتصادية والعسكرية- وصل النفوذ الثوري إلى درجة تحرير مدن والاستيلاء على ثكنات عسكرية وتحقيق انتصارات كبيرة من درعا جنوبًا إلى حلب شمالًا، وبعد أن بدأت بعض المدن السورية ترتدي حلة جديدة بطابع ثوري مدني متحضر يبرز الوجه الأجمل للثورة ونجاحها ويمهد لولادة سوريا جديدة ما بعد الأسد، وجد النظام نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الاستسلام لهذا النصر الذي يمتد يومًا بعد يوم أو اتباع سياسة نيرون في حرق «روما» وبال
ولأن الثوار يحكمون السيطرة على الأرض في المناطق التي يسيطرون عليها فكريًا وعسكريًا، لم يجد الأسد أمامه سوى الجو ساحةً لدك المدن السورية الثائرة، وتقدم بخطىً خجولة عندما ارتكن إلى الطيران المروحي فقصف داريا والمعضمية والزبداني ودوما، أو باختصار، معظم مدن الريف الدمشقي طيلة شهر رمضان وكذلك درعا وحمص وإدلب وحماة واللاذقية، كان خجلًا في البدء ربما خشية من ردة الفعل الدولية التي ستشكل له بعض المتاعب، لكن وفي ظل انعدام ردود الفعل الدولية، ومع استمرار الثوار بالمضي في حراكهم الثوري قرر الأسد استخدام الطيران الحربي في إدلب ودرعا ودير الزور مستخدمًا طائرات الميغ والسوخوي لدك المدنيين خلال معاركه مع الجيش الحر، ولم يأبه لسقوط مباني بأكملها فوق رؤوس المدنيين كما لم يأبه لتدمير تاريخ مدن عريقة يعود لآلاف السنين، جل همه التخلص من السرطان الثوري قبل أن يصل إلى قصره «الجمهوري» حتى لو اضطر لاستخدام قنابل عنقودية محرمة دوليًا.
ومع تمكن الثوار من إسقاط الطائرات المروحية وحتى الحربية، قرر الأسد اتباع مخطط المجازر فهي السلاح الأنجح للتخلص من عدد كبير من السوريين بوقت قصير جدًا وبسلاح بسيط جدًا… بضع رصاصات مع القليل من المدافع والصواريخ والكثير الكثير من السكاكين، فبدأ بالريف الدمشقي، فما إن انتهى من مجزرة المعضمية التي راح ضحيتها حوالي 200 شخص على أقل تقدير حتى دخل داريا وارتكب فيها أفظع المجازر منذ اندلاع الثورة السورية بحجة البحث عن «الحجيج» الإيرانيين في داريا، فبعد أن قام النظام بحرق حوالي عشرين حافلة تعود ملكيتها لشركة تملكها إحدى العائلات الدارانية بحجة أنها من نقلت «الوفد المشؤوم» اقتحم المدينة وعاث فيها فسادًا والحصيلة، ما يزيد عن ألف شهيد ومئات الجرحى والمفقودين، وانطلق من داريا إلى الغوطة الشرقية وارتكب مجازر يومية في زملكا ودير العصافير وحرستا وببيلا ويلدا، وكانت كل مجزرة بمثابة تهديد ووعيد لبقية المدن الثائرة كي لا يجرؤ أي أحد على حذو حذوها أو مجرد التفكير في ذلك.
أما ردود الفعل الدولية فجاءت أقبح من جرائم الأسد، ما يستمر في تصدير مشاكله وجرائمه إلى دول الجوار كي يجبر العالم على السكوت عن جرائمه ويلهي دول الجوار في حل مشاكل شعوبها التي يختلقها الأسد كما فعل في لبنان.
لكن الأهم في ذلك، الإشارات التي تحملها تصرفات الأسد والقرائن التي ترتبط بها، فما ارتكانه لسلاح الجو إلا لضعف قواته العسكرية، فمسلسل الانشقاقات قصم ظهر جيشه «الباسل» والخسائر التي يتكبدها خلال المعارك البرية مع الثوار أجبرته على اتباع سياسة القصف الجوي، الحل الأمثل لمشكلة نقص العدد والعتاد ولو كلفه ذلك محو سوريا عن الخارطة.