عنب بلدي – ح. ش.
أحيا الشركس حول العالم، الأسبوع الماضي، ذكرى بدء هجرتهم الجماعية من شمال القوقاز، في 21 من أيار 1864، عقب انتهاء حرب المئة عام وعام مع روسيا، والتي سببت تشتت ومقتل مئات الآلاف، قبل استقرارهم في عشرات المواطن الجديدة.
انتهى مآل الآلاف من المهجرين إلى سوريا، بعد مرورهم في البلقان والأناضول، حيث وجهتهم السلطات العثمانية إلى المناطق التي أرادت ضبطها، خاصة في مرتفعات الجولان، التي كانت تعاني من غارات البدو.
تتراوح أعداد الشركس ما بين 75 ألفًا و100 ألف في سوريا، يقيمون في القرى الريفية التي ذكرتهم بأرضهم السليبة، واستقروا منشئين حياة جديدة، لم يكتب لها السكون في زمن الحروب والهزائم.
الثقافة الأولى في خطر الضياع
تمسك الشركس بعاداتهم ولغتهم بداية استقرارهم في سوريا، وكانوا “منعزلين إلى حد ما”، حسبما قال الصحفي السوري الشركسي بشر سعيد، لعنب بلدي.
نقطة التحول التي آذنت ببدء علاقة جديدة مع المجتمع السوري الأعم، كانت بعد تعرضهم لهجرة جديدة بعد حرب عام 1967، التي احتلت إثرها إسرائيل مرتفعات الجولان.
اندمج الشركس مع محيطهم الجديد، دون تخليهم عن ثقافتهم الأولى، من خلال إدخالهم لبعض العادات غير الشركسية على حياتهم، ومن خلال تقوية أواصر الصداقة مع المجتمعات الأخرى.
ويقول الناشط الشركسي السوري نارت طامزوق، لعنب بلدي، إن نسبة ذلك الاندماج تصل إلى 80% في المجتمع الشركسي، مع انصهار 25% منهم ضمن عموم الثقافة السورية، متخلين عن عاداتهم ولغتهم ومنفتحين على الزواج من خارج مجتمعهم.
تتعلق أبرز العادات، أو الطباع، الشركسية بمظاهر الاحترام، حسبما ذكر طامزوق، إذ إن المجتمع الشركسي يولي المرأة مكانة كبيرة، مع ندرة حالات الطلاق والزواج من اثنتين أو حدوث جرائم القتل بدواعي الشرف.
ولكن الجيل الجديد، وإثر سنوات الاندماج وأهوال الصراع الأخيرة، عانى من فقدان بعض العادات وضياع اللغة الأم، مع غياب المؤسسات اللازمة لحفظها، إذ بات أغلب من هم تحت سن 25 لا يفهمونها.
وعزا الناشط الشركسي ذلك الضياع إلى تفوق الشعور بالانتماء إلى سوريا على شعور الانتماء إلى القوقاز.
قضية لن تفنى مع الزمن
لم يتخلَّ الشركس عن تاريخهم وقضيتهم، بل يتزايد اهتمامهم بتدوين وتوثيق محطاتها يومًا بعد يوم، حسبما ذكر طامزوق.
وكان للسياسة العالمية الأثر الكبير في قدرتهم على إحياء ذكرى جراحهم ورفع الوعي بقضيتهم المغيبة، إذ شهدت فترة التسعينيات، مع زوال الاتحاد السوفيتي، زيادة في النشاط الاجتماعي الشركسي، من إقامة الندوات والفعاليات، إلى محاولة التواصل مع بقية الشركس حول العالم، حسبما قال الصحفي بشر سعيد.
تعرقل ذلك النشاط الآن في الداخل السوري، مع ازدياد قوة التحالف والعلاقة بين النظام السوري وروسيا، إذ لم يعد بإمكان الشركس إحياء ذكرى تهجيرهم علانية في تجمعاتهم.
الغربة في أرض الأجداد
اضطر الشركس كغيرهم من أفراد الشعب السوري لهجرة ونزوح جديد عقب تصاعد العنف والقمع الذي ساد في سوريا إثر بدء الحراك الشعبي عام 2011. وفي حين لم يتخلوا سابقًا عن بلاد أجدادهم فقد حاولوا العودة إليها.
انتقل حوالي ألفي شركسي إلى القوقاز منذ بدء الصراع السوري، حسبما قال الناشط الشركسي طامزوق، “ولو كان هناك تساهل من الحكومة الروسية بموضوع الإقامة والعمل والجنسية لتضاعف هذا العدد”.
وأشار بشر سعيد إلى أن الحكومة الروسية تتعامل بتشكيك وريبة مع العائدين من الشركس إلى بلادهم، حسبما نقل له العديد ممن ذهبوا إليها، والذين ذكروا تعرضهم لتحقيق استخباراتي وتضييق لتحييدهم عن وجهتهم.
كما واجه السوريون الشركس الكثير من المصاعب في محاولة اندماجهم مع المجتمع الجديد، بسبب الأحوال الاقتصادية الصعبة في المنطقة، واختلاف اللهجات إضافة إلى اضطرارهم لتعلم اللغة الروسية، رغم ترحيب أهل المنطقة بهم.
وكان لاستقرارهم في المدن السورية واعتيادهم على التنوع والخدمات المفقودة ضمن الأرياف البسيطة، التي ما زالت قائمة شمال القوقاز، أثر في زيادة شعورهم بالغربة وصعوبة اندماجهم في المجتمع.