عنب بلدي – أحمد جمال
عادت التهديدات الأمريكية والأوروبية لتحذر النظام السوري من استخدام السلاح الكيماوي، وخاصة في معاركه بمحافظة إدلب، لتلوح مجددًا بخيار الضربات العسكرية بسبب خرق الاتفاقات الدولية، وخاصة اتفاق “سوتشي” الموقع بين روسيا وتركيا.
تهديد أمريكي- فرنسي- بريطاني جاء بعد أنباء عن استخدام قوات الأسد لقذائف محملة بغاز الكلور السام، في أثناء محاولات التقدم العسكرية ضد فصائل المعارضة على محور كبانة بريف اللاذقية الشمالي في 19 من أيار الحالي.
لكن النظام السوري وحلفاءه الروس نفوا استخدام أي سلاح كيماوي، عبر بيانات عدة صدرت عن وزارتي الدفاع والخارجية السورية والروسية، وصفت الاتهامات الأمريكية والأوروبية بـ “الأخبار المفبركة”.
كيماوي على محاور اللاذقية؟
اتهمت “هيئة تحرير الشام” قوات الأسد، في 19 من أيار الحالي، باستهداف بلدة كبانة بريف اللاذقية الشمالي بقذائف محملة بمادة الكلور السام، بحسب وكالة “إباء”، التابعة لـ“الهيئة”، والتي قالت، “ميليشيا الأسد المجرم استهدفت صباح الأحد نقاط المرابطين على تلة كبانة بثلاثة صواريخ راجمة محملة بمادة الكلور السام، بعد محاولة فاشلة للتقدم من نفس المحور”.
جاء ذلك خلال محاولات من قوات الأسد والميليشيات الرديفة لاقتحام بلدة كبانة الاستراتيجية، والتي تعتبر من أبرز المحاور التي تمسكها فصائل المعارضة في الشمال السوري، ويراها النظام بوابة لقضم أرياف إدلب الغربية.
واشنطن سارعت إلى تأكيد استخدام الكيماوي متهمة النظام السوري، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، مورغان أورتاغوس، “فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيماوية المزعوم، نواصل التحقيق في التقارير ذات الصلة، لكن لدينا مصادر عدة بما فيها مقابلات مع أشخاص كانوا في أثناء الهجوم وأبلغوا عن نقل عدد من مقاتلي المعارضة للمستشفيات المحلية وكانت الأعراض تتسق مع أعراض التعرض لمواد كيماوية.”
وهذا ما أكدته الخارجيتان الفرنسية والبريطانية بمجاراة الحليف الأمريكي والحديث عن متابعتهما لهجوم بأسلحة كيماوية حدث في مناطق المعارضة بريف اللاذقية.
وهددت رئيسة الوزراء البريطانية (المستقيلة بعد هذا التصريح)، تيريزا ماي، بالتحرك بقولها “ندين استخدام جميع الأسلحة الكيماوية، نحن على علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة، ونراقب الوضع عن كثب (…) سنرد بشكل مناسب إذا تم التأكد من استخدام أسلحة كيماوية”.
وكثف النظام السوري محاولات الاقتحام باتجاه كبانة بهدف السيطرة عليها وفتح الباب أمام محاور أخرى، لتصل محاولات التقدم إلى 24 محاولة باءت بالفشل حتى اليوم، بمساندة الطيران وراجمات الصواريخ والمدافع.
رسائل غربية حادة
المحلل العسكري العقيد أحمد حمادي يرى، في حديث إلى عنب بلدي، أن الولايات المتحدة تريد إيصال رسائل إلى النظام السوري، مفادها أنها جادة في استكمال الردع العسكري الذي بدأته بضرب مطار الشعيرات في حمص في نيسان 2017، وبعد الضربة الثلاثية بمساندة بريطانيا وفرنسا ضد أهداف عدة للنظام في نيسان 2018.
النظام وروسيا عملا بشكل دائم على اتهام المعارضة بشكل متكرر بالتحضير لاستخدام السلاح الكيماوي في مناطق سيطرتها، وركزا بالاتهامات على منظمة “الدفاع المدني” المعروفة بـ “الخوذ البيضاء”.
وقال حمادي، “هذا الكلام لا ينطبق على خبراء عسكريين، إذ إن تركيب السلاح الكيماوي وإطلاقه عبر صواريخ ليس بمقدور فصيل مسلح أو دول صغيرة، وإنما هذا شأن دول كبيرة وخبراء وعبر مخابر ومعامل مختصة”.
كما أن استهداف المحاور العسكرية بسلاح الكلور السام لا يحمي الأسد من الإدانة والمحاسبة وذلك بوجود منظمات محلية ودولية مختصة ومتابعة للشأن الإنساني من جهة، ولظهور علامات ودلائل توضح استخدام السلاح الكيماوي وذلك بتشخيص المصابين، بحسب تعبير العقيد حمادي.
وعقب الاستخدام الأخير في بلدة كبانة، أصيب أربعة مقاتلين على تلك الجبهات وأُسعفوا إلى مشافي ريف إدلب القريبة من الحدود والبعيدة عن الجبهات، وذلك يتيح للأطباء والمنظمات المختصة الاطلاع وتشخيص حالات المصابين وتوثيق الجريمة ونقلها للمجتمع الدولي، بحسب حمادي.
بيانات روسية- سورية مزدوجة
بعد ساعات من الاتهامات الأمريكية التي تحدثت عن استخدام الكيماوي، نفى النظام السوري والروس بشكل رسمي الاتهامات عبر بيانات مزدوجة، وقال مصدر عسكري لوكالة “سانا”، “تتناقل المجموعات الإرهابية وبعض وسائل الإعلام التابعة لها خبرًا كاذبًا مفبركًا عن استخدام الجيش العربي السوري سلاحًا كيميائيًا في بلدة كبانة بريف اللاذقية”.
وأضاف المصدر، “القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة إذ تنفي هذه الأخبار جملة وتفصيلًا وتؤكد أنها عارية تمامًا عن الصحة، تشدد في الوقت نفسه أنها ماضية في محاربة الإرهاب واجتثاثه حتى تطهير آخر ذرة تراب سورية”.
كما أن وزارة الخارجية الروسية، شككت بالاتهامات الأمريكية وقالت المتحدثة الرسمية، ماريا زاخاروفا، الخميس 23 من أيار، إن “الولايات المتحدة تعتمد في مزاعمها عن الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية من قبل القوات الحكومية في سوريا على مصادر لم يتم التحقق منها، بما في ذلك مصادر الجماعات الإرهابية”.
وعادت وزارة الدفاع الروسية، الجمعة الماضي، لتنفي أي هجوم في منطقة إدلب، بحسب المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، إيغور كوناشينكوف، الذي قال، “كل محاولات وزارة الخارجية الأمريكية لاختراع قصة أخرى (حول الهجمات الكيميائية) ليست أكثر من غطاء سياسي لمحاولات متشنجة يقوم بها الإرهابيون لزعزعة الوضع في إدلب وإحداث كارثة إنسانية هناك وإجبار العالم على تصديق كذبة جديدة تدعي وجود إشارات على استخدام الكيميائي في إدلب”.
“سوتشي” يحتضر في إدلب
وتشهد أرياف حماة الشمالية والغربية وريف إدلب الجنوبي، حملة عسكرية موسعة من النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين، من أجل السيطرة على بلدات في المنطقة منزوعة السلاح والمتفق عليها بين تركيا وروسيا في “سوتشي” في أيلول 2018.
المحلل العسكري، العقيد أحمد حمادي، اعتبر أن التصعيد العسكري الأخير تجاه إدلب هو خرق كبير للاتفاقيات الدولية ولا سيما اتفاق “سوتشي”، وكذلك القمة الرباعية بين روسيا وتركيا وفرنسا وألمانيا في اسطنبول في أيلول الماضي.
وقال حمادي، “الروس أرادوا قلب الطاولة على هذه الاتفاقات والضغط على تركيا وعلى المعارضة السورية، وربما إيمانًا منهم بأن الحسم العسكري أفضل إليهم حتى لا يقدموا أي ثمن لأي عملية سياسية”.
وعقب التقدم الأخير لقوات الأسد بمساندة الروس، طلب الجانب الروسي من تركيا توقيع هدنة مع فصائل المعارضة في خطوة لتثبيت المواقع التي سيطر عليها النظام حديثًا، إلا أن أنقرة رفضت الهدنة وطالبت قوات الأسد بالانسحاب إلى مواقعها على حدود المنطقة منزوعة السلاح، بموجب بيانات رسمية من وزارة الدفاع التركية.
وجاء العمل العسكري العكسي للمعارضة بالتزامن مع مباحثات أجرتها روسيا مع تركيا للتوصل إلى تهدئة في إدلب، الأمر الذي رفضته الفصائل وطالبت النظام بالانسحاب من المناطق التي سيطر عليها مؤخرًا والواقعة في المنطقة منزوعة السلاح.
كما أن قوات الأسد اصطدمت بمقاومة واسعة من جانب فصائل المعارضة، وخاصة “الجبهة الوطنية للتحرير”، والتي اتجهت إلى استخدام الصواريخ المضادة للدروع في صد محاولات التقدم المتكررة والمصحوبة بالقصف الجوي.
ووقعت روسيا وتركيا في أيلول الماضي اتفاق “سوتشي” الذي يقضي بوقف إطلاق النار في المناطق العازلة بين قوات الأسد والمعارضة في محافظة إدلب وريفي حماة، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح في تلك المنطقة.
ضرب الخطوط الخلفية للجبهات
أحصى فريق “منسقو الاستجابة” في تقريره الأخير، في 25 من أيار، مقتل 650 مدنيًا على يد النظام السوري وروسيا منذ توقيع الاتفاق في أيلول 2019، إضافة إلى نزوح أكثر من نصف مليون نسمة (521432 شخصًا) خلال أربعة أشهر.
وبعيدًا عن ملف السلاح الكيماوي، فإن النظام السوري والروس كثفوا الغارات الجوية على المدن والبلدات في أرياف إدلب، وذلك بضرب الخطوط الخلفية لجبهات القتال من أجل الضغط على الفصائل وفرض واقع ميداني مختلف.
وقال مسؤول “الدفاع المدني السوري” في إدلب، مصطفى حاج يوسف، إن الانتقام من المدنيين هي سياسة قديمة ومتجددة من النظام السوري، عبر الانتقام من المدنيين وتدمير المدن والبلدات بما فيها المنشآت الخدمية وخاصة المشافي والمدارس.
وأضاف حاج يوسف، في حديث إلى عنب بلدي، “هذه السياسة ليست جديدة على النظام، قصف على المدنيين والبنى التحتية والمنشآت الخدمية، لفرض واقع معين على جبهات القتال وتغيير خارطة السيطرة العسكرية، إلى جانب التهجير الذي يفرضه على تلك المناطق”.
المدنيون وحدهم هم من يدفعون الثمن الأكبر لخسارتهم لأرواحهم وممتلكاتهم وقراهم عبر التهجير المفروض وقتل الحياة بشكل كامل، بحسب حاج يوسف.
وما زالت جبهات ريفي حماة واللاذقية تشهد معارك مستمرة بين قوات الأسد وحلفائها وبين فصائل المعارضة التي تحاول استعادة المناطق التي خسرتها خلال الحملة الأخيرة، بعد استعادة بلدة كفرنبودة ذات الموقع الاستراتيجي بريف حماة الغربي، في 23 من أيار الحالي، عقب هجوم معاكس أطلقته ضد قوات الأسد، إلى جانب السيطرة على منطقة تل هواش والحميرات في الريف الشمالي لحماة.
ويحاول النظام والميليشيات الداعمة له اقتحام مناطق المعارضة من محاور ريف حماة الغربي، ومن جبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي، عبر محور كبانة الذي يعتبر من أهم المحاور التي تمسكها الفصائل.
وتحظى قرية كبانة بأهمية استراتيجية، إذ تفصل القرية الساحل عن محافظة إدلب وتعتبر بوابتها من الغرب، بينما تطل على سهل الغاب وجسر الشغور وعلى الحدود التركية، وعلى قسم كبير من محافظة إدلب وحماة واللاذقية.