ضياء عودة | محمد حمص | مراد عبد الجليل
بخلاف البروتوكول المعمول به بين الدول والرؤساء حول تحديد زمن وجدول الزيارات، ظهر رئيس النظام السوري، بشار الأسد في تسجيل مصور في نيسان 2019 وهو يصافح المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، خلال زيارة غير معلنة أجراها إلى طهران، تزامنت مع الحديث عن قرب التوصل لتشكيل اللجنة الدستورية بموجب اتفاق “سوتشي” وتوجُّه بوصلة الملف السوري لمرحلة ما بعد المعارك على الأرض.
لم تكن زيارة الأسد عابرة لعدة أسباب، فقد كانت الأولى إلى إيران منذ عام 2011 والرابعة خارج سوريا منذ اندلاع الثورة، وتبعتها عدة تحركات اندرجت في إطار العلاقة مع الحلفاء، فروسيا أرسلت وزير دفاعها، سيرغي شويغو، بعد شهر حاملًا للأسد رسالة من نظيره فلاديمير بوتين، وتبعه في نيسان 2019 نائب رئيس الحكومة الروسية، يوري بوريسوف.
ورغم أن مضمون رسائل الطرفين لم يُعرف، إلا أنها رسمت مؤشرًا على عملية مناورة يجريها الأسد بين حليفيه (الروسي، الإيراني)، اللذين يبدو أنهما قد وصلا إلى مفترق طرق بعد سنوات من تقاطع المصالح والعمل العسكري المشترك، ويريد كل منهما جني ما عمل عليه في السنوات الماضية.
الآن، وبعد مرور ثماني سنوات من الحرب السورية، لا بد من تقييم العلاقة بين الحليفين الروسي والإيراني والشكل الذي ستكون عليه مستقبلًا سواء في إطار التعايش أو التصادم والذي يعتبر السيناريو الأكثر واقعية بناء على ما تفرضه الوقائع، خاصة أن الروس يضعون اللمسات الأخيرة للأهداف التي تدخلوا من أجلها في سوريا، والتي تتقاطع مع أطراف أخرى، بعيدة كل البعد عن إيران.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف مستقبل العلاقة بين حلفاء الأسد، ومدى قدرة الأخير على المناورة بينهما، خاصةً أن الطرفين تغلغلا في سوريا بجميع المجالات السياسية والعسكرية منها والاقتصادية.
ارتباط مع إيران ومصلحة مع روسيا
هل يحفظ الأسد إرث أبيه؟
تقاطعت مصالح روسيا وإيران طوال السنوات الماضية من الحرب السورية، فالداعم على الأرض مشترك هو النظام السوري ورئيسه، بشار الأسد، والعدو هي الفصائل العسكرية المعارضة، وشكل الطرفان حلفًا أدار العمليات العسكرية على الأرض، وكان له دور كبير في استعادة مساحات واسعة ليد النظام.
بعد ثماني سنوات اختلف المشهد، فالسياسة الروسية باتت أوضح مما كانت عليه من قبل، ومن الواضح أن موسم القطاف قد حان، إذ تعمل موسكو حاليًا على سحب البساط من تحت إيران في سوريا، وما يؤكد ذلك التقارب الكبير مع إسرائيل، التي لم توقف ضرباتها على المواقع العسكرية الإيرانية في سوريا، إلى جانب تنافسهما المكشوف للاستيلاء على ثروات سوريا في مختلف القطاعات.
أمام الواقع المفروض تتجه الأنظار إلى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ومدى قدرته على خلق نوع من التوازن بين الحلفاء، أو أنه مجبر على الوقوف في صف حليف بشكل أكبر من الآخر، وهو أمر كانت من ضمن تبعاته الزيارة إلى طهران، وخطابه الأخير أمام المجالس المحلية، الذي ندد فيه بالحصار الاقتصادي بوصفه “مؤامرة أمريكية”، وبمساري “أستانة” و”سوتشي”، بوصفهما يوافقان على مشاركة المعارضة المدعومة من تركيا في اللجنة الدستورية.
توأم سيامي لا يمكن فصله
هل يستطيع الأسد المناورة بين روسيا وإيران؟ وهل يمتلك حرية اتخاذ القرار في الوقت الحالي بشأن العلاقة مع الروس والإيرانيين؟ وكيف يمكن تقييم العلاقة المستقبلية بينهما؟ أسئلة ناقشتها عنب بلدي مع أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس والخبير والباحث في الجيوبولوتيك، خطار أبو دياب.
يعود “أبو دياب” إلى توجه الحكم في السياسة الخارجية لسوريا، ويقول إن بشار الأسد ورث عن أبيه مسألة التحالف الاستراتيجي مع إيران، لكنه انغمس فيها أكثر منذ بدايات الثورة السورية، وفي الوقت ذاته سعى إلى أن يرضي العديد من اللاعبين الخارجيين ومنهم روسيا، لكنه لم يطور علاقته بها بشكل محكم إلا بعد عام 2005.
والأهم في “مجال كل لمصلحته” تريد إيران أن تحتفظ بالنظام كرأس حربة وجسر للعبور إلى المتوسط وركيزة في “مشروعها الإمبراطوري”، بينما تريد روسيا الحفاظ على قاعدة طرطوس وإعادة النفوذ العالمي، ومن أجل هذه الأشياء وليس من أجل النظام كان التدخل الواسع لحمايته وبوجود رضا إسرائيلي وتسليم غربي.
وبحسب “أبو دياب”، وصلنا الآن إلى لحظة أنه ضمن كل هكذا تناقضات وتحالفات، عندما تكون على الأرض قوتا احتلال أو سيطرة لا يمكن التعايش بينهما، ويمكن أن يكون هناك تضارب مصالح وتقاسم وهذا ما لاحظناه في السباق إلى استلام الموانئ، ومستقبلًا عقود إعادة الإعمار.
وأضاف أن روسيا تريد حصاد ما عملت عليه في سوريا، وتحويل الانتداب إلى تكريس يعترف به من الآخرين وخاصة أمريكا، كما تريد أن تجني عوائد من سوريا كما إيران، ومن هنا يبدأ التناقض.
ويرى “أبو دياب” أن النظام السوري لعب على الحبلين، لكن بحدود معينة فهو يُستدعى إلى طهران فيذهب، ويستدعى إلى موسكو فيذهب أيضًا، ولذلك هو في نفس الوقت يحاول أن يناور بين الحليفين، “لكنه محشور بينهما”، لافتًا إلى “وجود تقاسم ما بين الإيرانيين والروس في الجيش وقيادة الأركان”.
بشار الأسد وإيران توأم سيامي لا يمكن فصله، وفق “أبو دياب”، الذي يوضح أن تأهيل الأسد وفصله عن إيران هو “وهم” روسي ، ويعتقد المحلل أنه من الناحية الأيديولوجية والمذهبية ومن ناحية المصالح بشار الأسد أقرب إلى إيران.
تحجيم لا إنهاء
المتابع للاستراتيجية الروسية في سوريا منذ 2015 يجد أنها تحقق الأهداف بالتدريج، بعيدًا عن المكاسب الفورية، والتي قد تكون تبعاتها أكبر من العمل على النفس الطويل، وهو الأمر الذي انسحب على علاقتها مع إيران، ففي بداية التدخل وجدت حاجة ميدانية لكلا الطرفين، بينما في الوقت الحالي من الواضح أن التحالف الاستراتيجي قد وصل إلى نهايته.
تنطلق روسيا بسياستها الحالية ضد إيران في سوريا من عدة منطلقات، أبرزها التنافس على الثروات، والتي من شأنها أن تسد ما تم دفعه في السنوات الماضية، ومن جانب آخر فإن إيران باتت مصدر قلق كبيرًا للدول الإقليمية، وبالتالي فإن الوقوف والتحالف معها ليس بالشيء الجيد.
يوضح “أبو دياب” أن روسيا تحاول على طريقتها تحجيم النفوذ الإيراني، ليكون تحت رايتها أو كي لا يتناقض مع مصالحها، وهو ما ثبت في التغاضي عن الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية منذ 2012 حتى اليوم.
ويقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس إن روسيا تلعب لعبتها حاليًا، وهو ما بدا في زيارة وزير الخارجية الأمريكي، مارك بومبيو الأخيرة، مطلع أيار 2019، والقمة المرتقبة بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين، إذ سيكون الموضوع السوري على جدول الأعمال، وفي حال وجد التلاقي بين الأطراف على المدى الطويل يمكن أن يكون على حساب إيران.
وبوجهة نظر “أبو دياب” فإن إيران لن تتخلى بالسهولة عن سوريا وتغلغلها في مفاصل النظام السوري، فالديون والهبات يوجد مقابلها حجز أراض وتجنيس عشرات الألوف وتجنيد ميليشيات على الأرض، ويعتقد أن إبعاد إيران من سوريا على المدى القصير لا يمكن أن يتم، إلا أنه يمكن القول إن معركة تحجيم النفوذ الإيراني قد بدأت.
العلاقة المستقبلية بين الروس والإيرانيين تتعلق بموضوع أوسع، بحسب “أبو دياب”، وهو ما يحصل في “المبارزة” على ضفاف الخليج، مشيرًا، “في هذا الموضوع يبدو أننا أمام فيلم أمريكي طويل وأمام احتمالات ضغوط ومجابهات محدودة أمريكية- إيرانية”.
ويضيف أن إيران جارة لروسيا، ورغم التحالفات لم يحصل بينهما اتفاق على بحر قزوين وهناك تناقض كبير في المصالح، لذلك يمكن أن تستفيد روسيا من تحجيم إيران إقليميًا وتحاول أن تركّب صفقة معينة لتعزيز وجودها في سوريا على حساب اللاعب الإيراني.
حلفاء الأسد على الأرض..
تفاوت في الاستراتيجية والانتشار
اختلفت الاستراتيجية التي اعتمدت عليها إيران في سوريا عن تلك التي اتبعتها روسيا عقب تدخلها العسكري في عام 2015، فالأولى لم يساعدها الجو الإقليمي العام على الانتشار والعمل العسكري وإعلان الأهداف كروسيا التي عززت من نفوذها بشكل رسمي، بحجة التدخل لمحاربة “الإرهاب”.
اختلاف الاستراتيجية أعطى واقعًا متباينًا على الأرض، فدخول إيران إلى سوريا منذ عام 2012 كان مفتوحًا وغير معلن، إذ دخلت بالعديد من الميليشيات على الأرض، والتي كانت بمجملها أجنبية الأصل من العراق وأفغانستان وتتبع لـ “الحرس الثوري” الإيراني و”فيلق القدس”، وقدمت قتالًا على الأرض من جهة، واستشارات وأعمالًا استخباراتية من جهة أخرى.
أما روسيا فمنذ تدخلها عسكريًا في سوريا، أيلول 2015، أعلنت على الملأ أن أهدافها تتعلق بالحرب ضد ما وصفتها بـ “المجموعات الإرهابية”، واتخذت من قاعدة حميميم في ريف اللاذقية مقرًا لها لإدارة عملياتها العسكرية، ومنطلقًا للطائرات الحربية التي نفذت ضربات جوية على مناطق المعارضة في كامل الخريطة السورية.
البناء على الفوضى
استغلت إيران الفوضى وعدم الاستقرار الذي شهدته سوريا في الأيام الأولى للثورة السورية، وأنشأت عشرات القواعد العسكرية، التي غدت أهدافًا رئيسية للطائرات الحربية الإسرائيلية.
أبرز القواعد العسكرية الإيرانية التي لا تزال حتى اليوم في سوريا، ما يعرف بالبيت الزجاجي داخل مطار دمشق الدولي، إضافةً إلى القاعدة الموجودة في محيط مدينة الكسوة، وقاعدة جبل عزان في ريف حلب الجنوبي، ومطار السين العسكري، ومطار “تي فور”، الشعيرات في الريف الشرقي لحمص، وقاعدة إزرع في الجنوب السوري.
لا تهتم إيران في سوريا بالتمركز في القواعد، بقدر ما تسعى إلى استراتيجية الانتشار في معظم المناطق، وبشكل أساسي في منطقة البادية السورية في محيط قاعدة التنف الحدودية في مناطق ظاظا والسبع بيار وجليغم، إلى جانب الانتشار في ريف حلب الشمالي بمنطقتي نبل والزهراء ومحيط العاصمة دمشق في السيدة زينب والأحياء التابعة لها.
سياسة تقييد
بالانتقال إلى الحليف الآخر للأسد، روسيا، فقد اتبعت سياسة تقييد عسكرية في سوريا مختلفة عن السياسة الإيرانية، إذ لم تتدخل عسكريًا على الأرض بقوات برية وميليشيات في بادئ الأمر، واقتصرت المشاركة الأولى على الضربات الجوية المساندة للعمليات العسكرية، لتتدرج في أساليبها العسكرية، وصولًا إلى نشر قوات من “الشرطة الروسية” واستشاريين في العامين الماضيين، تركزت مهامهم بتقديم استشارات عسكرية لقوات الأسد في أثناء عملياتهم العسكرية.
لم تقف روسيا عند ذلك، بل اتجهت إلى دعم قوات محلية سورية على الأرض، تم جمعها خلال اتفاقيات “التسوية” التي شهدتها عدة مناطق بينها الغوطة الشرقية ودرعا وريف حمص الشمالي، كما تبنت “قوات النمر” التي يقودها العميد في قوات الأسد، سهيل الحسن، وروجت لها كمجموعة مقاتلة متفوقة على باقي التشكيلات.
وأتبعت تلك الميليشيات المحلية إلى “مركز المصالحة في حميميم”، وتحدثت تقارير إعلامية، في الأشهر الماضية عن صدامات دخلت بها ضد مجموعات من قوات الأسد تتلقى دعمًا من إيران، وخاصة في الجنوب السوري وريف حمص الشمالي.
ملفات أحكمت روسيا وإيران القبض عليها في سوريا
فتح الأسد من خلال التوجه إلى روسيا وإيران لدعمه، الباب على مصراعيه أمام الدول كافة للدخول وتحويل سوريا إلى ساحة حرب بالوكالة، لا يملك الأسد فيها أي سلطة حقيقية.
بالمقابل أمسك داعماه، اللذان أذابا جليد علاقتهما وجمعهما هدف واحد في سوريا، بزمام المبادرة على الأصعدة كافة وخاصة السياسية والاقتصادية ما جعلهما يتحكمان بالقرار، إلى جانب البحث عن فاتورة دعمهما له، عبر وضع يدهما على مفاصل اقتصادية، وإبرام اتفاقيات طويلة الأمد في قطاعات حيوية لعشرات السنين.
الحل السوري عبر البوابة الروسية
بعد أشهر قليلة من بداية الثورة السورية، وفي تشرين الأول من 2011، رُفعت لأول مرة يد المندوب الروسي في مجلس الأمن معلنًا استخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرار يطالب النظام السوري بوقف انتهاكات حقوق الإنسان بحق الشعب، ليبدأ معها “مسلسل حق النقض” عبر استخدام موسكو للفيتو 12 مرة خلال سنوات ثمان ماضية، كان آخرها في نيسان 2018.
الدفاع المستميت عن النظام من قبل رجل الكرملين (الرئيس الروسي فلاديمير بوتين) لم يكن تمسكًا بالأسد، وإنما كانت سوريا بالنسبة له ورقة سياسية حاول استخدامها لتعزيز نفوذه أمام المجتمع الدولي، وخاصة واشنطن، وإعادة أمجاد “الإمبراطورية السوفيتية”.
وبالفعل نجح بوتين بجعل بلاده القوة الكبرى في الملف السوري الاستراتيجي بالنسبة له، وصاحب القرار واليد العليا في الملف الذي لا حل له دون مصافحتها والاتفاق معها، وذلك عبر اتجاهين، الأول عسكريّ أسهم بشكل كبير في سيطرة قوات الأسد على مساحات واسعة من مناطق سيطرة فصائل المعارضة.
أما الاتجاه الثاني، فكان سياسيًا عبر فرض روسيا نفسها عرابة الحل السياسي للقضية السورية، إما عبر خلق مسار أستانة، مع حليفتها (في سوريا) إيران إلى جانب تركيا، خارج إطار الأمم المتحدة بهدف تعزيز نفوذها عبر إمكانية التوصل إلى حل بين الأطراف المتصارعة وإحلال السلام والخروج بنظر المجتمع الدولي دولة صانعة للسلام، أو عبر لعبها دورًا على مستوى مفاوضات جنيف، من خلال منصات تصف نفسها بـ “المعارضة” (منصة موسكو).
ومع تقدم سنوات الحرب أصبحت روسيا مسيطرة على تفاصيل الأحداث في الملف من الناحية السياسية، أما إيران فتحول دورها إلى دعم ميليشيات على الأرض ودعم النظام اقتصاديًا منعًا لانهياره، عبر مده بالمشتقات النفطية.
هيمنة اقتصادية بحسب توجه كل طرف
وبعد إحكام قبضة الروس والإيرانيين على القرار في سوريا، وتوسع سيطرة قوات الأسد على الأرض، بدأت الدولتان تبحثان عن ثمار تدخلهما ودعمهما للأسد، عبر الحصول على مكاسب اقتصادية بشكل يرسخ نفوذهما من خلال توقيع اتفاقات اقتصادية طويلة الأمد واحتكار كل طرف لمجالات مختلفة بحسب توجهاته للمرحلة المقبلة.
ووقعت روسيا مع النظام عدة اتفاقيات استراتيجية في مجال التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية، واستخراج الفوسفات من مناجم الشرقية في تدمر، كما تدخلت روسيا في الجانب الغذائي السوري، وأصبحت الدولة الأولى في تصدير مادة القمح، إضافة إلى الاتفاق مع النظام السوري على بناء أربع مطاحن للحبوب في محافظة حمص، بكلفة 70 مليون يورو، ما يعني محاولة الروسي إخضاع أي حكومة مقبلة من خلال السيطرة على مادة القمح الاستراتيجية.
كما وقعت شركة ستروي ترانس غاز (CTG) الروسية الخاصة، مع حكومة النظام السوري اتفاقية لاستئجار مرفأ طرطوس لمدة 49 عامًا مقبلة.
أما إيران، التي دعمت النظام بمليارات الدولارات عبر الخطوط الائتمانية، فاتجهت إلى التغلغل في الاقتصاد السوري عبر توقيع اتفاقيات في عدة مجالات زراعية وتجارية، إلى جانب تأسيس شركات ومصرف مشترك، والإعداد لإنشاء سكة حديد تصل طهران بمياه البحر المتوسط.
وكان رئيس حكومة النظام السوري، عماد خميس، وقع مع طهران في كانون الثاني الماضي، 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم وبرنامجًا تنفيذيًا لتعزيز التعاون بين البلدين في المجال الاقتصادي والعلمي والثقافي والبنى التحتية والخدمات والاستثمار.
وبحسب وكالة “فارس” الإيرانية، فإن الاتفاقيات في مجالات عدة بينها سكك الحديد وبناء المنازل والاستثمار، ومكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، إضافة إلى التعليم والثقافة كما تم التوقيع على اتفاقيات في مجال القطاع المصرفي والمرافئ ومحطات الطاقة، والتي اعتبرها خميس بأنها “محطة تاريخية” ولها دلالات كبيرة على حقيقة التعاون الاقتصادي بين إيران وسوريا.
أمريكا ترغب في فسخ الرابط الوجودي بين إيران والنظام
تعيش إيران في ظل الضغط الاقتصادي الأمريكي أسوأ أيامها، الأمر الذي يمكن أن يكون مؤشرًا على احتمال تراجع الدور الإيراني في سوريا، إذ يحتاج الدعم العسكري وتشغيل الميليشيات إلى موارد ضخمة، فضلًا عن التزام إيران باتفاقيات تجارية وتعهدات بدعم النظام اقتصاديًا.
وتشن واشنطن حربًا اقتصادية شرسة ضد إيران، وكانت قد فرضت عليها عدة حزم من العقوبات المشددة منذ مطلع 2019، شملت قطاعات مختلفة كالبنوك والمصارف واستيراد وتوريد الصلب والفحم والمعادن والبرمجيات وغيرها.
وبينما تُبعد الحرب الاقتصادية التي تشنها أمريكا على إيران احتمالات التحول إلى صدام عسكري، تهدد هذه الحرب مصالح إيران في الشرق الأوسط، وبالأخص في سوريا.
وفي ظل ذلك، تدور التساؤلات حول حول إمكانية توجه واشنطن لمجابهة إيران في سوريا، وحول توفر الرغبة الجادة لدى أمريكا بإخراج إيران من ساحة الصراع السورية وإبعادها عن الأسد.
لا توجد خطط واضحة
يرى مدير العلاقات الحكومية والاستراتيجية في المجلس السوري- الأمريكي، محمد غانم، في حديثه لعنب بلدي، أن واشنطن جادة بالضغط على إيران وعزلها، من خلال العقوبات الاقتصادية، ولكنها لا تملك الرغبة ولا الخطط لمحاولة إزاحة النظام في إيران.
بالنسبة لسوريا، يعتقد غانم أيضًا أن وزارة الدفاع الأمريكية، المعنية بشكل مباشر بالشأن السوري، ليست لديها أي خطط حقيقية للقيام بتحركات ضد الوجود الإيراني في سوريا.
لكن غانم يشير إلى اختلاف الاستراتيجيات بين إدارتي الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، وسلفه باراك أوباما، معتبرًا أن ضعف إدارة أوباما بالنسبة للملف السوري كان بسبب تضحيته بالملف لصالح إيران مقابل توقيع الاتفاق النووي الإيراني، وكانت الصفقة هي الأولوية بالنسبة لواشنطن.
أما في عهد ترامب فقد تغير الأمر نحو الضغط على إيران، ومن وجهة نظر غانم، فإنه على الرغم من عدم وجود خطط أمريكية واضحة ضد الوجود الإيراني في سوريا، إلا أن القوات الأمريكية الموجودة على الأراضي السوية قد يتغير الهدف منها ما بين عشية وضحاها بحسب غانم.
كما لا تملك الولايات المتحدة خطة لإبعاد إيران عن الأسد، بحسب غانم، الذي يرى أنها رغبة خليجية فقط، ويستدل على ذلك بأن “الرسالة الأخيرة التي وصلت من مجلس الشيوخ الأمريكي التي قدمتها المجموعة التدارسية للشأن السوري، لم يكن في توصياتها إبعاد إيران عن الأسد”.
“ملف وجودي”
من المفترض أن تؤدي العقوبات الأمريكية إلى تقليص الدعم الإيراني للنظام السوري، ولكن إلى اليوم، لم يتم تقليص المساعدات، إذ أرسلت إيران مؤخرًا حاملة نفط إلى سوريا.
فموضوع إرسال المساعدات للنظام السوري، ليس قضية دعم حليف كبشار الأسد، بل تنظر إيران إلى الملف السوري كملف “وجودي” بالنسبة لها، بحسب مدير العلاقات الحكومية والاستراتيجية في المجلس السوري- الأمريكي، الذي يرى أن الأسد هو عبارة عن استثمار لإيران في سوريا.
ويشير غانم إلى أن الجانب الإيراني لم تظهر عليه آثار العقوبات من ناحية الدفع به لتقليص الدعم الموجه، إذ تعتبر العقوبات نوعًا ما جديدة وبحاجة إلى الوقت لتأخذ مفعولها وتؤثر على الجانب الإيراني.
أما بالنسبة لبشار الأسد، فهو يستخدم منذ البداية الجانب الإيراني، بحسب غانم، وحتى قبل دخول الروس، إذ “كان يلجأ إلى إيران من أجل الدعم المالي والعسكري ويلجأ للجانب الروسي من أجل الدعم الدولي والغطاء الدبلوماسي”.
ويضيف مدير العلاقات الحكومية والاستراتيجية في المجلس السوري- الأمريكي أن الولايات المتحدة تعتزم إبعاد الروس عن الإيرانيين في سوريا، “إذ تتردد في الأصداء الأمريكية عبارة (الروس غير مطمئنين من وجود الإيراني في سوريا وهناك خلافات بين الجانبين)، كما تعمل على دق إسفين ما بين الجانبين في سوريا ومحاولة الاتفاق مع الجانب الروسي حول صفقة حل سياسي في سوريا”، بحسب غانم.
ولعل إحدى رغبات واشنطن هي تخلي الجانب الإيراني عن الأسد، ولكن بدون تخطيط واستراتيجية لتنفيذها من جانب واشنطن، إذ تكتفي بصفقة سياسية تسهم في انتقال السلطة في سوريا.
استطلاع: الأسد لا يستطيع المناورة بين الروس والإيرانيين
أظهر استطلاع للرأي أجرته جريدة عنب بلدي عبر صفحتها على فيس بوك، أن أغلب متابعيها يعتقدون بعدم قدرة بشار الأسد على التحرك بين روسيا وإيران كحليفين أساسيين له في سوريا.
وطرحت عنب بلدي على متابعيها السؤال التالي: “هل يستطيع الأسد المناورة بين موسكو وطهران.. ولماذا برأيك؟”.
74٪ من المشاركين في الاستطلاع، والذين وصل عددهم إلى أكثر من 500، أجابوا بـ “لا”، بينما أجاب 26٪ منهم بـ “نعم”.
وتفاعل بعض المشاركين في الاستطلاع مع المنشور عبر التعليقات التي برروا من خلالها اختياراتهم، واعتبر المستخدم إبراهيم قطوف أن الأسد غير قادر على اتخاذ أي قرار في سوريا دون أمر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
أما أيمن المصطفى فكتب أن “التاريخ لم يشهد منافقين ومراوغين كالأسد وسياسييه”، وهذا ما يجعل الأسد قادرًا على المناورة بين حليفيه، من وجهة نظره.
تحالف استراتيجي لن يفك بسهولة
التحالف الاستراتيجي بين النظام السوري والإيراني قديم جدًا، يعود إلى تاريخ وصول الخميني إلى السلطة في إيران وبالتحديد سنة 1979، حيث كان النظام السوري في عهد الأسد الأب أول الأنظمة في العالم يعترف بنظام ولاية الفقيه الإسلامي الجديد، متخذًا الطابع الاستراتيجي للعلاقة بين النظامين من خلال التعاون في المجالات كافة، خاصة العسكرية والأمنية، بعد أن بدأت تبرز العداوة بينه وبين النظام العراقي في عهد صدام حسين.
مع اندلاع الحرب الإيرانية على العراق، وقف النظام السوري بكل طاقاته الاقتصادية والسياسية والإعلامية والعسكرية الى جانب النظام الإيراني، متفردًا عن بقية الأنظمة العربية كافة، التي وقفت إلى جانب العراق، وكل المحاولات العربية وخاصة الخليجية من تقديم رشاوي مالية واقتصادية وحتى سياسية وعسكرية لثنيه عن تحالفه الاستراتيجي مع النظام الإيراني في هذه الحرب باءت بالفشل.
وفي عام 1982 أثناء حرب إسرائيل على منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان لعب النظام السوري الدور الرئيسي في تأمين وتسهيل وصول مجموعات الحرس الثوري الإيراني إلى لبنان عبر البوابة السورية، التي شكلت ميليشيات ما يسمى المقاومة الإسلامية من قبل حزب الله، والتي عمدت إلى تهميش القوى الوطنية اللبنانية الأخرى وصولًا إلى أن أصبح لبنان تحت وصاية ميليشيات حزب الله لصالح الأجندات العسكرية والسياسية للنظام الإيراني والسوري.
مع اندلاع الثوة السورية 2011، اتخذ النظام الإيراني موقفًا مختلفًا عن مواقفه من الثورات العربية الأخرى التي سبقتها، فقد أعلن المرشد الأعلى للنظام الإيراني أن التظاهرات في سوريا تختلف عن تلك التظاهرات التي شهدتها بقية الدول العربية، التي اعتبرها تظاهرات شعبية محقة بينما السورية عبارة عن مؤامرة أمريكية صهيونية تهدف إلى كسر تحالف المقاومة والممانعة في المنطقة، وكاد النظام السوري أن يصل إلى حافة السقوط لولا وقوف النظام الإيراني الى جانبه بكل قواه السياسية، الاقتصادية الإعلامية والعسكرية، التي كانت الأكثر فاعلية في استمرار النظام على رأس السلطة، حيث أعلن أكثر من مسؤول إيراني عن الضرورة الاستراتيجية التي تقف وراء دعم النظام السوري بهذه الفاعلية، حيث اعتبر أن الأمر يدخل ضمن الاهتمام الاستراتيجي بالمنطقة العربية التي تمتد من العراق الذي يحكمه نظام موال للنظام الإيراني، مرورًا بسوريا التي يحكمها نظام حليف استراتيجي وموالٍ أيضًا، وصولًا الى لبنان حيث ميليشيات حزب الله التابعة لنظام ولاية الفقيه، التي تأتمر بأمره ولها السيطرة الفعلية على لبنان، والدليل على ذلك تصريح رجل الدين “مهدي طيب” عام 2014: “إذا هاجمنا الأعداء وكانوا يريدون احتلال سوريا أو محافظة خوزستان أيضًا ، فالأولية الدفاع عن سوريا قبل خوزستان، لأننا إذا حافظنا على سوريا، بإمكاننا استعادة خوزستان أيضًا ولكن إذا فقدنا سوريا لا يمكننا أن نحافظ حتى على طهران”.
لقد أنفق النظام الإيراني عشرات المليارات لإنقاذ النظام السوري من الانهيار عدا عن الخسائر البشرية بآلاف الجنود والضباط. بل أصبح لديه جيش من الميليشيات العسكرية الشيعية في المدن السورية كافة، وصولًا إلى تمثيل النظام السوري في المؤتمرات الإقليمية والدولية سياسيًا، وما مشاركة النظام الإيراني في مؤتمرات أستانة إلا خير دليل على هذا التمثيل.
يرى النظام الإيراني في سقوط النظام السوري وقيام نظام ديمقراطي سوري بديلًا عنه سقوطًا لمشروعه السياسي العقائدي الديني في المنطقة العربية، لذلك قدم كل ما يستطيع تقديمه لبقاء هذا النظام السوري على قيد الحياة.
بالمقابل لن يتخلى بشار الأسد عن النظام الإيراني بعد أن لمس دوره الرئيسي في حمايته من السقوط إثر ثورة 2011، وبالتالي سيحاول بكل إمكانياته الحفاظ على هذا التحالف كحالة من الزواج الأبدي إذا صح التعبير، ولا انفصال بينهما دون وفاة أحدهما فتحالفه وجودي مع النظام الإيراني.
أما بالنسبة للدور الروسي فقد كان له الدور الرئيس في عدم سقوط النظام الأسدي عام 2015 عسكريًا ودبلوماسيًا باستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن دائمًا لصالح النظام السوري، أما التضارب الروسي الإيراني في سوريا، فأعتقد أنه ثانوي وإعلامي فقط من قبل روسيا من أجل عدم الاصطدام مع الولايات المتحدة الامريكية، وهناك تنسيق عسكري وسياسي واضح بينهما، وبالتالي هناك سهولة من قبل النظام في التوفيق بينهما، خاصة وأن الحاضنة الاجتماعية (الطائفة العلوية) للنظام تفضل الوجود العسكري الروسي على الإيراني، بسبب عدم تدخل الروس في الجوانب الاجتماعية والدينية للسكان السوريين، بينما تعتبر إيران من مهامها الرئيسية في سوريا نشر العقيدة الشيعية وخاصة ولاية الفقيه في الشارع السوري والعمل على تغيير نمط حياتهم الاجتماعية بما فيها الدينية. وتعتبرها نقاط قوة لها في سوريا، وكذلك الأمر في العراق ولبنان واليمن، لذلك يحاول بشار الأسد التوفيق ما بين الوجود الروسي والإيراني مع عدم تخليه عن النظام الإيراني.
وبالتالي الحديث الروسي عن نيتها إخراج القوات الإيرانية من سوريا يدخل ضمن المناورات الروسية على الصعيد الإقليمي والدولي. وحتى لو فكرت بإخراجها لن تكون بالسهولة لا من قبل إيران ولا من النظام الاسدي.
أما في الواقع هناك مصالح اقتصادية وسياسية مشتركة بين النظام الروسي والإيراني في سوريا والمنطقة بشكل عام، وقد استثمر النظام السوري هذه المصالح في حمايته من قبل كلا النظامين الروسي والإيراني.