عنب بلدي – نور عبد النور
في مدينة مارع بريف حلب الشمالي حطت رحال الطالبة حِمى، تاركةً عائلتها في مدينة إدلب ومتابعة خطوات جامعتها التي “نزحت” من الريف الإدلبي، تحت ضغوط “حكومة الإنقاذ”.
تضطر حِمى حميدو (26 عامًا) اليوم إلى التكيف مع المجتمع الجديد الذي تعيش فيه، بحسب ما قالته لعنب بلدي، فرغم أن وجود الجامعة يمنحها الأمل في إتمام تعليمها حتى النهاية، لكنّ أي تغيير لا بد أن يكون له ضريبة.
“المشكلة في بعد المسافة عن مدينة إدلب. أحتاج للسفر مدة أربع ساعات كي أذهب إلى منزل عائلتي بمعدل مرة كل أسبوعين أو ثلاثة”، تقول حمِى، وهي طالبة سنة رابعة في كلية الطب البشري بجامعة حلب الحرة، مضيفةً أن الأمور باتت تتجه نحو الأفضل، بعد أن شهدت الفترة الأولى للانتقال بعض الارتباكات المتمثلة في ضعف القدرة الاستيعابية للجامعة، وعدم توفر مساكن للطلاب.
إلى جانب حِمى، اضطر المئات من طلاب جامعة حلب الحرة، إلى مغادرة ريف حلب الغربي ومحافظة إدلب للاستقرار في مدينتي اعزاز ومارع في ريف حلب الشمالي، بعد أن نقلت الجامعة مقراتها في آذار الماضي.
وقالت الجامعة في بيان صدر عنها، في 17 من آذار، إن “مجلس التعليم العالي” سيطر على مباني كليات ومعاهد جامعة حلب في كل من الأتارب ومعرة النعمان وعويجل وترمانين وكفرسجنة، وتم نقل مقرات هذه الكليات إلى ريف حلب الشمالي.
وجاءت سيطرة “مجلس التعليم العالي” المرتبط بحكومة “الإنقاذ” على مقرات جامعة حلب الحرة، بعد ضغوط عدة مورست على الجامعة للانضمام إلى “المجلس”.
انطلقت جامعة “حلب الحرة” في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في بداية العام الدراسي 2015- 2016، لتكون أول جامعة رسمية في الداخل السوري تعمل تحت إشراف وزارة التعليم العالي التابعة لـ “الحكومة السورية المؤقتة”. |
مصاعب تخفّف “المركزية” وطأتها
أجمع أربعة طلاب التقتهم عنب بلدي من جامعة حلب الحرة على أن انتقال المقرات إلى مدينتي مارع واعزاز، تسبب بمشاكل عدة تتعلق بالوضع التعليمي والسكني والاجتماعي، منها ما تم تخطيه ومنها ما زال يتسبب بالمتاعب لبعضهم.
وتقرّ إدارة الجامعة وأعضاء الهيئة التدريسية بهذه المصاعب، إذ يقول الطبيب مازن السعود، المدرّس في كلية الطب في جامعة حلب الحرة، “في البداية كان الوضع صعبًا جدًا، فجأة آلاف الطلاب انتقلوا من منطقة إلى جغرافيا مختلفة وبعيدة، وهناك الكثير من الحواجز، لكن الوضع الآن بات أفضل”.
ويضيف السعود، في حديثه لعنب بلدي، “هناك صعوبات من الناحية اللوجستية، وبالنسبة لاستيعاب الطلاب”، موضحًا، “نحن في كلية الطب تركنا مختبراتنا في جامعاتنا وانتقلنا إلى مختبرات صغيرة في مارع. هناك نقص ونسعى لترميمه”.
من جانبه، يرى وزير التعليم العالي في الحكومة المؤقتة، والمدرّس في كلية الاقتصاد بجامعة حلب الحرة، الدكتور عبد العزيز الدغيم، أنّ “وضع جامعة حلب تحسّن من ناحية الإدارة المركزية (بعد انتقال المقرات)، وأصبحت الإدارة والموظفون وعمداء الكليات في موقع واحد، في اعزاز حيث الكتلة الأساسية، بالإضافة إلى مارع، حيث الكتلة الطبية”.
من ناحية أخرى خسرت الجامعة عددًا من الطلاب الذين لم يتمكنوا من الانتقال للعيش في أماكن تركز المقرات الجديدة للجامعة، لكن عددهم ليس كبيرًا وفق ما أكده السعود والدغيم لعنب بلدي.
بين مارع واعزاز.. أزمة السكن واحدة
تتفاوت وجهات نظر الطلاب الذين انتقلوا للالتحاق بمقرات كلياتهم الجديدة حول المجتمع المضيف ووضع الجامعات فيه، إذ قصد طلاب الكليات الطبية (الطب البشري، طب الأسنان، الصيدلة، المعهد الطبي) مدينة مارع، بينما استقبلت مدينة اعزاز الطلاب من بقية التخصصات.
الطالبة حِمى حميدو، وجدت في مدينة مارع فرصة جديدة لاكتساب معارف لم تكن متاحة حين كان مقر كليتها في مدينة كفر تخاريم بريف إدلب، إذ منح المشفى الذي افتتحته الحكومة التركية في المدينة العام الماضي فرص تعليم إضافية لها ولزملائها، حسبما أكدته لعنب بلدي.
أما وائل جمعة، وهو طالب سنة ثانية هندسة معلوماتية، فيرى أنه لا يوجد استقرار بالنسبة للطلاب الذين كانوا في الريف الغربي لحلب وطلاب محافظة إدلب، مؤكدًا وجود مصاعب عدة تواجه الطلاب في اعزاز، بالأخصّ من ناحية توفير السكن.
كما يرى ثائر جمعة، الذي يدرس في معهد الحاسوب التابع لجامعة حلب الحرة، أن الوضع بات “أقلّ استقرارًا بالنسبة للطلاب، وسط قلة الكوادر”، وفق ما قاله لعنب بلدي.
بالمقابل يُجمع الطلاب الذين التقتهم عنب بلدي أن أزمة السكن هي أكثر ما يسبب ضغوطات بالنسبة للطلاب، سواء في مارع أو في اعزاز.
وحاولت الجامعة تأمين مساكن جامعية للطلاب، لكنها لا تزال عاجزة عن استيعاب العدد الكبير من المنتقلين، ويقول الدكتور عبد العزيز الدغيم، لعنب بلدي “الجامعة أمّنت بمساعدة منظمات 20 بيتًا تتسع لـ 300 طالب”، وذلك في مدينة اعزاز.
أما في مارع، حيث الكليات الطبية، فقد أمّنت الكلية سكنًا، وهو عبارة عن مبنى كبير تم تجهيزه، ويسكن فيه الطالب مقابل 15 دولارًا أمريكيًا (الدولار= 575 ليرة سورية) للفصل الواحد، بحسب ما أكدته الطالبة حِمى لعنب بلدي، لافتةً إلى أن قسمًا من الطلاب يستأجرون منازل على نفقتهم الخاصة.
التمويل عائق أمام التطوير
يقول الدكتور عبد العزيز الدغيم، لعنب بلدي، إن “المشكلة الأكبر التي تضغط على مسيرة الجامعة، هي مشكلة التمويل”، ويضيف أن “نفقات الجامعة كبيرة ورسوم الطلاب لا تفي سوى بحوالي 70% من هذه النفقات كحد أقصى”.
ويتابع الدغيم، “هناك بعض المنظمات الداعمة كمنظمة (تعليم بلا حدود) تقدم دعمًا بسيطًا بحدود 300 ألف دولار سنويًا، لكنها لا تغطي المبالغ الكبيرة، إذا علمنا أن كتلة الإنفاق الشهري لجامعة حلب الحرة قبل انتقالها إلى ريف حلب الشمالي كانت تتراوح بين 87 إلى 90 ألف دولار أمريكي شهريًا”.
وقد لا يبدو حجم هذا الإنفاق كبيرًا مع وجود من أربعة آلاف إلى خمسة آلاف طالب تقريبًا، وفق ما أكده الدكتور مازن السعود، لعنب بلدي، بينما يمكن أن يصل الكادر التدريسي إلى 100 شخص بين حملة ماجستير ودكتوراه في مختلف الكليات، إضافة إلى حوالي 100 آخرين يمثلون الكادر الإداري.
وتتراوح أقساط جامعة حلب الحرة بين 50 و75 دولارًا أمريكيًا، للمعاهد المتوسطة، وتصل إلى 250 دولارًا بالنسبة لطلاب الطب البشري، وإلى 225 بالنسبة لطلاب كلية طب الأسنان، بينما يدفع طلاب كلية الهندسة 200 دولار سنويًا، ولا تتجاوز الأقساط 125 دولارًا لطلاب باقي الكليات.
ورغم أن هذه الأقساط لا تبدو ضخمة بمقياس الجامعات الخاصّة، يعجز الكثير من الطلاب عن سدادها، ما يراكم عليهم دفعات مؤجلة، ومنهم الطالب وائل جمعة، الذي أكد لعنب بلدي أنه حتى الآن لم يتمكن من دفع رسوم جامعته، نتيجة ظرفه المادي الحالي، معتبرًا أن الرسوم “كبيرة”.
أمل رغم مستقبل ضبابيّ
يتفق الطلاب الذين التقتهم عنب بلدي على أن العملية التعليمية في جامعة حلب الحرة “جيدة”، رغم كل المصاعب التي تواجههم خلال تعليمهم.
حِمى حميدو، التي كانت قد التحقت بجامعة حلب الحرة بعد أن أجبرتها الظروف على ترك جامعة حلب التابعة لحكومة النظام قبل ستة أعوام، ترى أن العملية التعليمية في كليتها تسير اليوم على ما يرام، بدعم من إدارة الجامعة والمدرّسين.
ويوافقها عبد الوهاب محمد، وهو طالب سنة ثانية في كلية الشريعة، إذ يصف العملية التعليمية والكارد التعليمي بأنهم “ممتازون”، ويرى أنّ إيجابيات الجامعة كثيرة وتسير نحو الأفضل.
ويؤكد الدكتور عبد العزيز الدغيم أن “الدكاترة المدرّسين في الكلية هم أعضاء هيئة تدريسية سابقون، والمدرسون الجدد يحملون شهادات من جامعات معترف بها ولديهم خبرة تدريسية”.
ويضيف، “لدينا 45 من حملة شهادة الدكتوراه في الهيئة التدريسية لجامعة حلب الحرة، وحوالي 80 من حملة شهادة الماجستير”.
أما بالنسبة للخطة الدرسية، فهي مأخوذة عن جامعة حلب التابعة لوزارة التعليم العالي في حكومة النظام، بحسب الدكتور مازن السعود، وهذا “ما يميزها” من وجهة نظره، إذ يمكن لطلابها استكمال تعليمهم في المستقبل ضمن الجامعة الأساسية.
ورغم أن الأفق حول مستقبل جامعة حلب الحرة لا يزال ضبابيًا في ظل الظرف السياسي والعسكري والاقتصادي الراهن، لكن طلاب الجامعة يخلقون أفقهم الخاص، إذ يطمح الطالب ثائر جمعة أن يدخل سوق العمل عقب تخرجه في معهد الحاسوب، أما حِمى حميدو فهي متفائلة بالنسبة لمرحلة ما بعد التخرج.
تقول حمى لعنب بلدي “الأمل الآن أكبر من ذي قبل بسبب وجود اختصاصات سورية، أصبح طالب الطب يستطيع أن ينهي دراسة السنوات الست الأولى وينتقل إلى الاختصاص حسب معدله”، وتتابع، “في الشمال أصبحت هناك مستشفيات ممتازة وكوادر ممتازة ومعدات ممتازة، وأطباء متعاونون معنا”.