أصدر “المركز السوري للعدالة والمساءلة” (SJAC) تقريرًا يفضح إجراءات العمل الداخلية لأجهزة المخابرات السورية، ويكشف أن “أعلى مستويات الحكومة السورية كانت مطلعة على الاحتجاز غير المبرر للنساء والأطفال، وأذنت باستخدام القوة المميتة ضد المدنيين، وميّزت بصورة متعمدة ضد الأقلية الكردية”.
التقرير الذي صدر اليوم، الثلاثاء 21 من أيار، اعتمد على تحليل نسخ من آلاف الوثائق التي أُخذت من مرافق حكومية في عدد من المحافظات السورية، واختار “المركز السوري للعدالة والمساءلة” لأغراض هذا التحليل التجريبي عينة من خمسة آلاف صفحة على الأقل من كامل الوثائق الموجودة بحوزته، والمحفوظة في 438 ألف صفحة.
وبناء على ما جاء في هذه الوثائق، التي يُضمّن التقرير بعضها، توصل المركز إلى مجموعة من الخلاصات والنتائج حول كيفية حصول أجهزة المخابرات على معلومات عن الأشخاص المشاركين في الحراك السلمي أو أي نشطة تعبر عن معارضة للنظام، إضافة إلى تسليط الضوء على آليات التعامل مع المعتقلين، والتمييز ضدّ الأقليات، وغيرها من النتائج التي قد لا تبدو غريبة عن معارف السوريين حول نشاط أجهزة المخابرات، لكنها تُثبَت لأول مرة بوثائق حكومية.
التجسس والتنصت والمخبرون
تثبت الوثائق التي جمعها وحللها “المركز السوري للعدالة والمساءلة” أن أجهزة المخابرات عمدت إلى رصد وتسجيل مكالمات معارضين للنظام.
ويشير التقرير إلى أن “العديد من الصفحات كشفت عن مراقبة مسؤولين حكوميين ومسؤولين في أجهزة الأمن الأخرى. فثلاث صفحات على الأقل من الصفحات التي راجعها المركز السوري كانت تسجيلًا لمحادثات بين مسؤولين في الدولة (…) تبين هذه الصفحات أن الإدارات والفروع كانت تتجسس على بعضها البعض وتتشارك فيما بينها بنصوص المكالمات”.
ويضيف “ذكرت 79 صفحة كلمة مخبر أو وشاية، حيث تشير الوثائق إلى أنه في اليوم الذي بدأت فيه المظاهرات في سوريا أمرت إدارة المخابرات العسكرية برفع مستوى الاستنفار و“تفعيل المخبرين“ في جميع أنحاء البلاد. كما تضمنت صفحة أخرى إقرارًا بزرع المخبرين في المظاهرات لتفريقها، واعترافات بأن أجهزة الأمن تعتمد على المخبرين للحصول على أسماء المشاركين في المظاهرات”.
موجبات الاعتقال
تؤكد الوثائق، وفق تقرير المركز، أن التوقيفات في أجهزة الأمن تمت على أساس مجموعة من الاعتبارات، منها “وشايات من مخبري الحكومة والمعارف وحتى الأقارب تدعي بأن الفرد شارك في أفعال معادية للحكومة أو عبر عن معارضته لها بالكلام”، أو “أمر صادر من فرع أمني أو على أساس قائمة المطلوبين، والتي قد يرد اسم الشخص فيها بسبب ظهوره في إحدى وسائل (الإعلام المعادي) أو بسبب معلومات المراقبة والرصد التي تشير إلى أنه شارك أو ينوي أن يشارك في أعمال معادية للحكومة أو التعبير عن معارضته لها كلاميًا”.
ومن الأسباب الموجبة للاعتقال “ارتباط الفرد أو الاشتباه بارتباطه بالمعارضة، وهذا يتضمن أيضًا توقيف أفراد العائلة لإجبار المطلوبين على تسليم أنفسهم، أو المشاركة الفعلية في أعمال المعارضة بشكل مباشر بحسب شهادة شرطي أو ضابط مخابرات”.
قمع الكرد
توصل المركز من خلال تحليل الوثائق إلى أدلة تثبت الاضطهاد الممنهج بحق الكرد في سوريا، من خلال انتهاك حرية التعبير وممارسة الطقوس الخاصة بهم، وانتهاك الحقوق الثقافية، إضافة إلى المراقبة الاقتصادية والتخوف من وصول الكرد إلى الأراضي الثروات في سوريا.
ويشير التقرير إلى أنه كان من ضمن الأنماط المثيرة للاهتمام في الوثائق “نهج الجزرة والعصا” المستخدم مع القادة الكرد، حيث تضمنت الوثائق أوامر محددة لزعزعة مكانة القادة الكرد واتخاذ الإجراءات اللازمة لتشجيع الكرد على تعريف أنفسهم كسوريين بشكل أكبر.
دعوة لإصلاح قطاع الأمن
يقول محمد العبد الله، المدير التنفيذي لـ “المركز السوري للعدالة والمساءلة” في بيان صحفي صدر اليوم عن المركز وحصلت عنب بلدي على نسخة منه، “في حين أن ممارسات الأجهزة الأمنية معروفة لدى السوريين، إلا أن هذه هي المرة الأولى في تاريخ سوريا التي يتم فيها الكشف عن أدلة متعلقة بأعلى مستويات الحكومة السورية. وإن الحكومة السورية متورطة بعمق في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان كما يظهر بخط يد هؤلاء المسؤولين أنفسهم”.
ويدعو العبد الله المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، إلى “إعطاء الأولوية لإصلاح حقيقي لقطاع الأمن من خلال دمج السيطرة المدنية على مؤسسات القطاع الأمني وإبعاد القطاع الأمني عن الجوانب اليومية للحياة المدنية”.
ويضيف، “على الحكومات أيضًا أن تجعل هذا شرطًا مسبقًا لتقديم أموال إعادة الإعمار”.
–