محمد حمص| نور عبد النور| حباء شحادة
لا تحرك جدي لإزالة الإنقاض
بعد سيطرة النظام السوري على مناطق واسعة خلال العامين الأخيرين (2017 و2018) شغل ملف إعادة الإعمار حيزًا كبيرًا من مناقشات مستقبل سوريا بين الدول الضامنة لمسار “أستانة” (تركيا، روسيا، إيران) ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وارتبط بملف إعادة الإعمار ملف مخلفات الحرب غير الضارة، والتي تتمثل بأنقاض الأبنية التي خلفها القصف، لا سيما المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة السورية بداية من الجنوب في درعا ومرورًا بالغوطة الشرقية وحمص وحلب.
تشكل الأنقاض عائقًا كبيرًا في وجه الأهالي الذين بقوا في منازلهم ومدنهم وبلداتهم، في ظل عجز عام يبدأ من الحكومة وينتهي بالمواطن العادي، ففي حين لم تتخذ جهات رسمية في سوريا خطوات حقيقية لحل ملف الأنقاض، تحمل آلاف المواطنين أعباء إعادة تأهيل عقاراتهم لتصبح قابلة للسكن، بينما لا يزال جزء كبير من البنية التحتية في سوريا عبارة عن ركام.
تصف الأمم المتحدة وضع الدمار في سوريا بـ “غير المسبوق”، وتقدر كلفة إعادة الإعمار بنحو 400 مليار دولار، متفقة مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الذي قدر المدة الزمنية لعملية إعادة الإعمار من 10 إلى 15 عامًا.
في الوقت الذي اعترف فيه وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، خلال حديثه لمجلة “Interaffairs” الروسية في أيلول من العام الماضي، أن 75% من البنية التحتية في سوريا قد دُمرت.
يبين “أطلس دمار المدن السورية”، الذي أصدره “معهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب” بالتعاون مع مبادرة “ريتش”، في آذار الماضي، مدى الضرر الذي تعرضت له المدن السورية خلال ثمانية أعوام من الصراع، بناءً على تحليل صور الأقمار الصناعية.
جهود “فردية” لإزالة الأنقاض
رغم التوجه الحكومي لإصدار تشريعات تتعلق بإزالة الأنقاض، عبر إصدار القانون رقم 3، لعام 2018، الخاص “بإزالة أنقاض الأبنية المتضررة نتيجة أسباب طبيعية أو غير طبيعية أو لخضوعها للقوانين التي تقضي بهدمها”، إلا أن تطبيق ما جاء فيه على أرض الواقع لم يبدأ بعد بشكل فعلي.
في الوقت ذاته، تروّج وسائل إعلام رسمية، وأخرى موالية للنظام، إلى أن حركة إزالة الأنقاض بدأت تنشط في محافظات عدّة مثل حلب وريف دمشق وحمص، لكن مصادر محلية متقاطعة في سوريا أكدت لعنب بلدي أن عملية إزالة الأنقاض ما زالت في إطار المبادرات الفردية من أصحاب العقارات.
ففي الغوطة الشرقية، رصدت عنب بلدي عبر مصادر محلية عدة حالات فردية لإزالة الأنقاض من قبل القاطنين في الأحياء المدمرة، في وقت تتوجه فيه حكومة النظام لتنظيف مداخل العاصمة دمشق.
مصدر محلي مطلع في الغوطة الشرقية (طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية) قال لعنب بلدي إن أهالي حيه الذي يقطنه في مدينة حمورية جمعوا تكلفة الجرافة لتنظيف مداخل الأبنية، مضيفًا أن تكلفة إزالة الأنقاض في الحي البالغ طوله 100 متر كلفت نحو 75 ألف ليرة سورية.
وأشار المصدر إلى أن عمليات التنظيف لا تشمل الترحيل إلى المكبات أو أماكنها المخصصة، فالأهالي يزيلون الأنقاض ويجمعوها في زاوية بعيدة عن الحي.
بالمقابل تحدث المصدر عن تحركات على نطاق أوسع لإزالة الأنقاض، مؤكّدًا أن التاجر محيي الدين المنفوش، وهو من أهالي بلدة مسرابا، وقع عقدًا مع مؤسسة الإسكان العسكري لترحيل الردم في مدن وبلدات مسرابا ومديرة وبيت سوى.
بينما يعتمد الكثير من الأهالي على أموال المغتربين في العمل على ترميم المنازل وإزالة الدمار المنتشر في جميع مدن وبلدات الغوطة وهذه الحالة الأعم، بحسب المصدر.
وفي محافظة حلب، تعمل حكومة النظام على ترحيل الأنقاض بشكل جزئي، على حساب الأفراد الشخصي، بحسب مصدر هندسي مطلع من مدينة حلب (طلب عدم نشر اسمه لأسباب أمنية).
وقال المصدر إن الدولة تفتتح بعض الطرقات الرئيسية على نفقتها، في حين تتشكل لجان فنية من نقابة المهندسين لتقييم الأضرار وترحيل الأنقاض، في أحياء السكري والصاخور والشيخ نجار والمدينة القديمة وأحياء أخرى شرقي حلب.
وقدّر المصدر الذي يشارك في بعض اللجان الهندسية، أن نسبة ترحيل الأنقاض لم تتجاوز 5% من إجمالي المباني المدمرة، نافيًا وجود أي عملية لإعادة استثمار وتدوير الأنقاض كما يروج لها.
كما نفى المصدر الهندسي ما أشيع مؤخرًا عن إطلاق مشروع لفرز وتدوير الأنقاض في منطقة “الراموسة” بحلب، والذي يمكّن من الاستفادة من إعادة تدوير وفرز الأنقاض للحصول على مواد البناء المعدّة للاستخدام في تأهيل الأرصفة من بلوك وبحص.
أما في محافظة درعا، فتفاوتت جهود الإصلاح، بحسب القدرة المالية للسكان، الذين عملوا على إزالة أنقاض الأبنية القديمة وترميم ما يستطيعون بما يضمن لهم مأوى يستبدلونه بمخيمات النزوح، بحسب ما أكده مراسل عنب بلدي في المحافظة.
على نفقة السكان
يشير استطلاع للرأي أجرته جريدة عنب بلدي إلى أن أعمال الترميم للمنازل المهدمة، والتي تشمل إزالة الأنقاض وتدعيم الأساسات، وتصليح الأثاث، يتم على نطاق ضيق في سوريا ومن قبل أصحاب العقارات المتضررة وعلى نفقتهم.
وطرحت عنب بلدي على متابعي صفحتها في موقع “فيس بوك” السؤال التالي: “هل رممت منزلك بعد تضرره في الحرب في سوريا؟ وعلى نفقة مَن؟”.
79٪ من المشاركين الذين وصل عددهم إلى 2800 أجابوا بـ “لا” بينما أكد 21٪ منهم أنهم رمموا منازلهم.
المستخدمون تفاعلوا أيضًا حول موضوع نفقة الإصلاح عبر التعليقات على منشور الاستطلاع، ومن خلال مسح لإجمالي التعليقات فإن أغلب الذين رمموا منازلهم دفعوا لذلك من أموالهم، وعلى نفقتهم الخاصّة.
وانقسمت أسباب المستخدمين، ممن لم يرمموا منازلهم ولم يزيلوا أنقاضها، إلى قسمين، إما من هم خارج القطر وعاجزون عن الوصول إلى منازلهم، وإما من ليس لديهم المال الكافي لإصلاح الأضرار.
وكان النظام السوري بدأ بتعويض بعض أصحاب المنازل المتضررة في سوريا، بمبالغ مالية تتراوح بين 300 و500 ألف للشقة.
لكن المصدر الهندسي الذي تواصلت معه عنب بلدي في مدينة حلب، أكّد أن أغلب أعمال الترميم تتم على نفقة المواطنين، وأن المبالغ التي يقدمها النظام لا تكفي الأشخاص لإجراء أعمال إزالة الأنقاض والدعم والترميم والصيانة والإكساء.
وأشار المصدر إلى أن اليد العاملة باتت أغلى بكثير من ذي قبل، إضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية اللازمة للترميم واستئجار معدات إزالة الأنقاض، وهو ما يجبر الأشخاص على الترميم على نفقتهم الشخصية.
أعمال حكومية لفتح المداخل الرئيسية
وفي الجهة المقابلة تتركز العمليات الحكومية على تنظيف المناطق العامة والشوارع الرئيسية، وسط وعود متكررة ورصد مبالغ مالية لإزالة الأنقاض، وتم العمل في مناطق، ولكن أهملت مناطق أخرى.
وفي حالة الغوطة الشرقية خصصت محافظة دمشق مبلغ خمسة مليارات ليرة سورية لإزالة الأنقاض وترميم البلدات والمراكز الحكومية، وفق ما نقلت صحيفة “الوطن”، المقربة من النظام السوري، عن محافظ ريف دمشق، علاء منير إبراهيم، في 18 من حزيران من العام الماضي.
وتتعاون حكومة النظام السوري مع الأمم المتحدة في مشاريع إعادة تأهيل البنى التحتية، لا سيما في حلب وأرياف دمشق وأحيائها التي شهدت صراعًا خلال السنوات الماضية، وفي تصريح لموقع “هاشتاغ سوريا” قال رئيس مجلس مدينة حرستا، عدنان الوز، إن “تعاونًا فعالًا قد انطلق بين مجلس المدينة ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية، تم على إثره ترحيل 90 ألف متر مكعب من الأنقاض، مع رفع كتاب لإزالة المزيد منها”.
كما تتعاون حكومة النظام مع الجهات الحكومية الفلسطينية في ملف إزالة الأنقاض في مخيم اليرموك جنوبي دمشق، حيث بدأت خطة مشتركة، في أيلول الماضي، لإزالة الأنقاض من المخيم بين “منظمة التحرير الفلسطينية” وحكومة النظام، تم بعدها ترحيل 50 ألف متر مكعب من الأنقاض، وفتح الطرق الرئيسية، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية.
وبحسب ما رصدت عنب بلدي في تصريحات أعضاء البلديات في المحافظات الخاضعة لسيطرة النظام، تتركز أعمال الإزالة في الشوارع الرئيسية في المحافظات السورية ومنها محافظتا القنيطرة ودرعا جنوبي سوريا، إذ خصصت لجنة إعادة الإعمار مبلغ 500 مليون ليرة لإجراء صيانة إسعافية للمواقع الأكثر تضررًا على أوتوستراد دمشق- درعا- الحدود الأردنية، بحسب ما نقل موقع “رئاسة الوزراء في سوريا” في أيلول الماضي.
في ذات الوقت اقتصرت الجهود في المناطق غير الخاضعة لسيطرة حكومة النظام السوري على بعض مشاريع التأهيل على نطاق ضيق، كالتي قامت بها “الإدارة الذاتية” في مناطق شمال شرقي سوريا، وبعض أعمال منظمة “الدفاع المدني” في محافظة إدلب شمال غربي البلاد.
ما هي الأنقاض؟ وكيف يمكن الاستفادة منها؟
الأنقاض في معاجم اللغة العربية والهندسية هي بقايا هدم البناء، وهي آثار البناء من حجر وحديد بعد هدم المنازل، وقد تنجم الأنقاض بسبب عوامل طبيعية كالزلازل والانجرافات الأرضية، أو بسبب عوامل بشرية تتضمن التخريب والهدم المتعمد في النزاعات والحروب.
ويقسم المهندس مظهر شربجي، مسؤول الحوكمة وبناء القدرات في “وحدة المجالس المحلية” في سوريا، الأنقاض إلى نوعين، الأنقاض الساقطة المجمعة التي تصرف وترحل إلى مكبات أنقاض لإعادة تدويرها، والأنقاض القائمة لكنها غير صالحة للسكن، وتحتاج إلى تقييم لاتخاذ قرار حول الهدم أو الترميم.
ويشير شربجي إلى أهمية عملية إعادة تدوير الأنقاض للاستفادة منها في استخدامات إنشائية مستقبلية، معتبرًا أن “الأنقاض” ثروة وطنية تحتاج إلى خبراء فرز، وتحتاج إلى لجان تقييم.
وعادة ما تُجرى عمليات إعادة تدوير مخلفات البناء والهدم في الدول المتقدمة حول العالم، للاستفادة من المواد الناتجة عنها.
إذ يمكن استثمار الإسمنت في الأنقاض لإعادة استخدامه، والحجر والبحص لتوظيفها في ترميم وتعبيد الطرقات، والبلوك أيضًا.
وتتكون مخلفات الأبنية عادةً من ناتج الخرسانة والسيراميك والبلاط والزجاج والحديد والأخشاب والإسفلت والتربة وما ينتج عن تمديدات صحية وكهربائية.
وغالبًا يتم اتباع وسائل محددة للتعامل مع هذه الأنقاض في الدول التي تتوفر فيها معامل إعادة التدوير، ولكن يختلف أسلوب التعامل مع الأنقاض تبعًا لنوعها، فعمليات الهدم تنتج عنها مواد يمكن بعد فصلها أو تجميعها تقسيمها إلى مواد وعناصر مقبول استخدامها مباشرة بحالتها (معادن، حديد، خشب)، أو مواد يمكن إعادة استخدامها بعد المعالجة مثل (الركام، الحجر، الخشب)، أو مواد لا يمكن استخدامها لأنها ملوثة وضارة بالبيئة والصحة مثل مواد العزل.
إزالة الأنقاض وإعادة الأعمار متعلقان بالحل السياسي
تعد إزالة الأنقاض الخطوة الأولى في أي مشروع من مشاريع إعادة الإعمار، وبهذا لا يمكن الفصل بينهما على اعتبار أن أي قرار لإزالة الأنقاض من المفترض أنه يأخذ بعين الاعتبار الخطط البديلة، ويُبنى أيضًا على تصورات مستقبلية.
وذلك يبرر عدم تحرك ملف إزالة الأنقاض في سوريا على نطاق واسع، فمع التردد الحكومي والبطء في تلك الأعمال، مقابل الجهود الفردية المبذولة له، لا يبدو أن تلك العملية ستتم في سوريا في الوقت القريب.
ويرى المهندس والأكاديمي، وزير الإسكان السابق في “حكومة الإنقاذ”، ياسر النجار، أن عملية الإزالة عملية ضخمة تحتاج إلى خطط محكمة وأن النظام السوري حاليًا عاجز عن القيام بأي دور اقتصادي ضمن مشاريع إعادة الإعمار.
وأضاف النجار في حديثه لعنب بلدي، “حتى هذه اللحظة لا نستطيع القول إن النظام لديه خطة لإعادة الإعمار، وإن كل ما يدور هو (مشاريع دعائية) الغاية منها إقناع الدول الأوروبية والدول المانحة والرأي العام العالمي والمحلي بأن المعركة انتهت لصالحه، وأنه انتقل إلى المرحلة التالية وهي مرحلة إعادة الإعمار”.
ويتعلق ملف إعادة الإعمار بالحصار الاقتصادي المفروض من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي التي ترهن إعادة الإعمار بالوصول إلى حل سياسي.
واستدل النجار بالأزمات التي تعاني منها سوريا في الفترة الحالية، كالليرة والمحروقات والمعاناة الموجودة في مناطق سيطرة النظام السوري، بعدم جدية التصريحات القائلة إن النظام قادر على القيام بواجباته، من خلال مسؤوليته على إعادة الإعمار، واصفًا ذلك بمجرد “ذر الرماد في العيون” .
ويرتبط الدعم الأوروبي لعملية إعادة الإعمار بالعملية السياسية، بما يتوافق مع مطلباته في عملية الانتقال السياسي، إذ يستمر الضغط الأوروبي إلى جانب ضغط الولايات المتحدة من خلال العقوبات الاقتصادية الرامية لتحجيم الالتزامات المالية مع النظام السوري أو التعامل معه بمشاريع إعادة الإعمار.
وفي جانب الدول الحليفة للنظام، كروسيا وإيران، فإن المسؤوليات كبيرة عليها، وفي حال استثنيت إيران من العملية بسبب العقوبات المفروضة عليها، يبقى الجانب الروسي الذي فرض نفسه في الساحة السورية.
ويرى النجار أن النظام يستجدي إعادة الإعمار من الجانب الروسي ودول الجوار، مشيرًا إلى أن الإسهام الحقيقي في مشاريع إعادة الإعمار، سيكون بعد انتهاء العملية السياسية، من خلال وجود وإقرار حل سياسي شامل في سوريا وتغيير رأس النظام السوري.
قانون إزالة الأنقاض..
خطوة تمهيدية للقانون رقم 10
في 12 من شباط 2018 أقر رئيس النظام السوري القانون رقم 3 الخاص “بإزالة أنقاض الأبنية المتضررة نتيجة أسباب طبيعية أو غير طبيعية أو لخضوعها للقوانين التي تقضي بهدمها”.
ضم القانون 14 مادة تنظم عملية إزالة الأنقاض والاستفادة منها، تمهيدًا للتصرف بها وتحديد مصير ملايين الأبنية المتضررة في سوريا، سواء بترميمها وتدعيمها أو هدمها وإزالتها.
القانون لم يثر جدلًا في الإعلام، ولم يأخذ حيزًا واسعًا من المناقشة القانونية، رغم أنه يحمل في طياته تشريعات يمكن أن تكون داعمة ومساعدة، وربما مؤسسة، للقانون رقم 10،الصادر في 2 من نيسان عام 2018، والذي ينص على إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية بتكليف من وزارة الإدارة المحلية، التي قد تختار أي منطقة تريدها لفرض مخطط تنظيم جديد لها، دون العودة إلى المجالس المحلية.
وقبل الحديث عن الأسباب التي تجعل من قانون إزالة الأنقاض مكملًا للقانون رقم 10، يجدر التوقف عند بعض النقاط التقنية، التي تجعل تطبيق هذا القانون في الوقت الراهن مشكلة حقيقية.
لا لجان فنية ولا مهلة كافية
تنصّ الفقرة (أ) من المادة 2 على أن “يصدر المحافظ بناءً على اقتراح الوحدة الإدارية قرارًا يحدد فيه المنطقة العقارية والمباني المتضررة المشمولة بأحكام هذا القانون، ويحدد في القرار المهلة التي يجب فيها على الوحدة الإدارية إعداد تقرير مفصل عن واقع هذه المنطقة على ألا تزيد هذه المدة على 120 يومًا”، وبموجب الفقرة (أ) من المادة 4، يصدر المحافظ قرارًا بتشكيل لجنة مهمتها توصيف المباني المتضررة والتثبت من ملكيتها وملكية المقتنيات.
وتتألف هذه اللجنة من قاض عقاري يسميه وزير العدل، ورئيس دائرة المساحة في مديرية المصالح العقارية المختصة، وممثل عن الوحدة الإدارية من الفئة الاولى، وخبير تقييم عقاري، وممثلين اثنين عن الأهالي.
ويشير المهندس مظهر شربجي، مسؤول الحوكمة وبناء القدرات في “وحدة المجالس المحلية” في سوريا، إلى أن لجنة مؤلفة من ستة أشخاص لا يمكن أن تنهي تقييم الأضرار خلال 120 يومًا.
ويضيف لعنب بلدي أن اللجنة مؤلفة من المصالح العقارية، وهي عبارة عن لجنة توصيف تستطيع أن تؤدي جزءًا من عملها، لكن الفقرة الأولى من المادة 5 تعطي لهذه اللجنة صلاحية تقدير حالة البناء “إذا كان البناء القائم سليمًا من الناحية الإنشائية أم لا”، وهذا ليس من مهام المصالح العقارية، بحسب شربجي. إذ عادةً ما “تشكل نقابة المهندسين اللجان التي تقيّم الأبنية، وتكون لجان تخصصية من ثلاثة أو خمسة أو سبعة مهندسين، تضم مهندسًا إنشائيًا استشاريًا ومهندسين ممارسين مع مهندس تربة لفحص التربة والأساسات ومهندس معماري للتوصيف، وتعد هذه اللجنة تقريرًا نموذجيًا يدرس وضع البناء ويجري الاختبارات اللازمة، ثم تقدم تقريرًا حول ما إذا كان هذا البناء يحتاج لتدعيم أو إزالة”.
كيف يخسر الغائبون بموجب القانون؟
ينص البند الرابع من الفقرة (أ) من المادة 5 في القانون على أن تقوم اللجنة “بإعداد جدول بأسماء المالكين (للعقارات التي يتم إزالة أنقاضها) خلال 120 يومًا ورفعه إلى الجهة الإدارية ويجب أن يتضمن هذا الجدول اسم المنطقة العقارية وأرقام العقارات وأسماء مالكي المقتنيات الخاصة والأنقاض وحصة كل منهم والمعلومات الضرورية الأخرى”.
ويمكن لمالكي العقارات الطعن بما جاء في الجدول خلال ثلاثين يومًا من اليوم التالي لنشره، ثم تحدد الوحدة الإدارة المعنية بعد انتهاء مهلة الإعلان موعدًا لبيع الأنقاض في المزاد العلني، وبهذه الحالة تباع أنقاض الغائبين دون علمهم.
وفي حال أثبت المالك ملكيته لأنقاض عقاره بعد مدة الطعن وتنفيذ القرار الخاص بالعقار، يحصل على البدل النقدي بحسب الفقرة (ب) من المادة رقم 10.
وبموجب الفقرة (د) من المادة 11، “تودع قيمة الإحالة القطعية في حساب خاص باسم الوحدة الإدارية لدى أحد المصارف العامة ويجمد لحساب أصحاب الاستحقاق الذين تثبت ملكيتهم”، ولكن الفقرة التالية من المادة ذاتها تقول، “تحسم من الأموال المودعة وفق أحكام الفقرة السابقة نفقات أعمال إزالة وترحيل الأنقاض التي تقوم بها الوحدة الإدارية”، وهذا يترك مجالًا لضياع حقوق الملّاك مجددًا.
ويوضح المهندس شربجي كيف تتم هذه العملية، بالعودة إلى الفقرة (ب) من المادة 3، فهي تنص على أن “للمكتب التنفيذي في الوحدة الإدارية التعاقد بالتراضي مع إحدى الجهات العامة أو الخاصة” من أجل ترحيل الأنقاض، لكن الخطورة تكمن فيما قبل التعاقد، والصفقة التي من الممكن للوحدة الإدارية أن تنفذها مع الجهة التي يتم التعاقد معها.
فعلى سبيل المثال، قد يعود المالك بعد بيع أنقاض عقاره ويثبت ملكيته، في هذه الحالة يمكن أن يتم إبلاغه أن سعر العقار يوازي قيمة نفقات الإزالة والترحيل، وبالتالي لا يحصل على شيء من قيمة أملاكه.
ويرى شربجي أن هذا القانون كان يمكن أن يكون ناجعًا لو أن الحالة طبيعية والبلد في حالة سلم، أما في الحالة الحالية فإن القانون يمكن أن يكون ظالمًا وهاضمًا لحقوق الناس، نتيجة وجود ملايين السوريين خارج القطر.
على طريق القانون رقم 10
يعرّف القانون الأنقاض بأنها “مخلفات الأبنية المتهدمة بما تحتويه من مواد داخلة في البناء أو الإكساء، وما لا يصلح كمقتنيات خاصة أو لم يثبت لها مالك”، وذلك يعني بحسب قول المهندس مظهر شربجي، أن أي شخص غائب ولم يثبّت ملكيته لعقاره، يمكن التصرف به.
كما يتيح القانون للجان التي تُشكّل بموجبه تحديد ما إذا كانت العقارات بحاجة إلى ترميم أو إلى هدم وإزالة بشكل كامل، وهو ما يمكن أن يكون أرضية مهمة لإزالة مساحات من الأبنية بشكل كامل وإقامة مناطق تنظيمية جديدة بموجب القانون رقم 10.
ويرى المهندس مظهر شربجي أنّ “هذا القانون مكمل للقانون رقم 10، فبموجب الأول تتم الإزالة وبموجب الثاني يتم التخطيط”.