رعاة الغنم.. “GoogleMap” القرى السورية

tag icon ع ع ع

خليفة الخضر

مع تداخل مناطق السيطرة بين الجهات العسكرية التي تتقاسم الأرض السورية، وتبدلها المفاجئ أحيانًا لمن لا يتابع الأخبار من مواطني سوريا بشكل دوري وليس لديه وصول لبعض الصفحات الإخبارية التي تحدّث مناطق السيطرة على صفحاتها وتوضح طبيعة الخارطة السورية العسكرية، سبّبت حالة التغير المفاجئ قتل العديد من السوريين واعتقال العديد منهم من قبل الجهات العسكرية التي تفرض سلوكها الأمني في كل منطقة وقرية تدخلها، وكل مواطن لا يتبع لهذه الجهة هو مشروع جاسوس أو عميل للجهة المعادية حتى يثبت العكس، وكم راح ضحية ذلك العديد من أبناء سوريا ولم تنعهم أو توثقهم المواقع الإخبارية بسبب التكتم الإعلامي على مثل هذه الجرائم وخاصة في قرى لا يوجد فيها ناشطون أو إعلاميون.

أمثال هذه الحوادث تندثر أمام الخبر العام حول سيطرة تلك الجهة على المنطقة الفلانية، والتي بدورها تستولي على القرية التي قُتل فيها المدني السوري.

في البداية (أي منذ تقاسم الجهات العسكرية الأرض السورية)، كان يعتقد المدني الذي لم ينخرط سياسيًا مع جهة دون أخرى ولم يحسب نفسه على طرف المعارضة دون الموالاة والعكس، ومع مرور الأيام من لم يحسب نفسه لصالح “الجيش الحر” دون تنظيم “الدولة” أو وحدات الحماية الكردية والعكس، أنه ليس معنيًا بالصراع بين هذه الجهات، لكن سرعان ما يجد المدني نفسه في مراكز الاحتجاز على الحواجز أو في السجون، إن نجا من رصاصة قناص طرحته أرضًا، وكم بقيت جثث على مفارق الطرق أو بين أشجار الزيتون بحجة أنها أهداف مجهولة، ولم تُدفن حتى الآن وتناثر رماد جثثها مع الرياح وبقيت بقايا ملابس تدل على أصحابها!

ازدادت أخبار الاعتقال والقتل والتعذيب للمدنيين في حال دخلوا منطقة دون أخرى، أو دخلوا منطقة يسيطر عليه تنظيم متطرف أو جماعة عنصرية أو جماعة تحمل بين ثنايا تفكيرها حقدًا أعمى لكل من يوجد على هويته تولّد منطقة بعينها، ولو لم يكن من ملة المنطقة، وقد تسبب ذلك لهم بشتى أنواع العذاب، أعلاها القتل والتمثيل بالجثث وأدناها الإهانة وأخذ فدية.

هنا وجد المدني السوري ذاته أمام تخوف مفرط سببه قصص تداولها الناس عن أشخاص لا ارتباط لهم مع جماعة عسكرية، ماتوا في السجون أو تعرضوا للإهانة أمام زوجاتهم على الحواجز التي قَسمت البلد إلى عدة مناطق لا توجد بينها حدود تميز مدينة عن أخرى والجهة المسيطرة وعلى ماذا تسيطر، خاصة في القرى السورية التي تفصلها عن بعضها أشجار الزيتون وأراضٍ زراعية بالكاد تميزها عن أخرى، وبالكاد تميز الجهة التي تسيطر على هذه القرية.

دفع ذلك المدني إلى التخوف من الدخول إلى قرية تسيطر عليها جهة عسكرية أخرى، ودفعه أيضًا إلى التريث بالمشي أو السير بسرعة منخفضة في السيارة، عله يجد من يرشده إلى طريقه.

وعلاوة على ذلك، فإن فقدان شبكات الاتصال في بعض المناطق السورية وضعفها وانعدامها إثر حجب شركات الاتصال السورية كـ “سيريتل” و”MTN” التغطية عن بعض المناطق لأسباب عسكرية وسياسية أو سرقة محتويات أبراج الاتصالات من قبل كتائب “الجيش الحر”، وحتى في المناطق الحدودية على سبيل المثال مع تركيا، فليست كل القرى تتوفر فيها التغطية التركية بدرجة تسمح لك من التأكد من موقعك الجغرافي، وبالتالي التأكد من احتمالية دخولك منطقة تسيطر عليها جهة قد تتعرض فيها للاعتقال.

لذلك بدأ المدني يبحث عن بدائل تجنبه الاعتقال، منها الكتابة بالبخاخة “سبراي” على جدران المنازل أو المساجد أو الكتابة على كرتونة ترسم لك الخريطة أمامك، ومن هذه الطرق التي يستدل بها على وجهته دون تخوف هي رعاة الغنم، الذين ينتشرون بين القرى مع قطعانهم من الأغنام، والذين أخذوا في ظل التخوف المفرط من الاعتقال ومن القنص ومن الضياع ومن كل ما يسبب للمواطن الخطر مهام غير مهمة الرعي، ومنها أن يكونوا لوحات طرقية يستدل بها المدني على وجهته، أو يستعاض بهم عن الخدمات التي يقدمها تطبيق “GoogleMap”، ويكون الراعي بذاته “GooleMap” القرى السورية، لينير بخبرته للتائه طريقه ويبعد عنه أعباء المخاطر التي قد تواجهه.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة