كيف فهم الأسد صمت العالم تجاه صور سيزر
منصور العمري
أقام مجلس العلاقات الخارجية بواشنطن ندوة بعنوان: “نظرة معمقة للسجن السياسي“، قبل أيام، ضمّت الصحفية آن برنارد التي أنجزت مؤخرًا تحقيقًا لصحيفة نيويورك تايمز ومجلس العلاقات الخارجية، عن نظام التعذيب تحت حكم الأسد، ومعاذ مصطفى، المدير التنفيذي لمنظمة “فريق الطوارئ السوري“، التي تعمل في الإغاثة والمناصرة السياسية والعدالة، بالإضافة إلى جيسون رضائيان، المعتقل السابق في إيران ومدير مكتب واشنطن بوست السابق في إيران، وعبد الله العودة، من مركز الأمير الوليد بن طلال للتفاهم الإسلامي المسيحي.
ناقش الضيوف استخدام السجن والتعذيب كأدوات سياسية للأنظمة الاستبدادية، وتحدثوا عن تجاربهم وعن الاعتقال في سجون السعودية وإيران وسوريا، ووجهات نظرهم بشأن السجن الجماعي وإساءة معاملة المعارضين في تلك البلدان.
تحدّث معاذ مصطفى عما قد يكون أهمّ مثال على أثر عدم محاسبة الأسد رغم انكشاف كم هائل من الأدلة القاطعة على جرائمه:
“وصف عمر الشغري أنه لمدة شهر في أثناء احتجازه تراجع مستوى التعذيب قليلًا، وازدادت كميات الطعام قليلًا، وقدموا بعض الأدوية. كان ذلك عندما جاء قيصر إلى هنا وشهد أمام مجلس النواب، وبدأ السياسيون ووسائل الإعلام بالحديث عن التعذيب في سوريا”. “لذا كان واضحًا أن نظام الأسد شعر بالخوف من أنه قد يكون هناك نوع من المساءلة” عن هذه الجرائم الموصوفة في صور سيزر. “ذكر عمر أنه بعد نحو شهر، وهي الفترة التي صمتت فيها وسائل الإعلام، ولم يتخذ المجتمع الدولي خطوات لمحاسبة الأسد بعد هذه الصور، بدأت عمليات الاعتقال والتعذيب بالتصاعد. من المهم أن نأخذ ذلك بعين الاعتبار، لأنه بعد أن أدرك نظام الأسد أن العالم رأى هذه الأدلة القوية ولم يفعل شيئًا، شعر أنه يستطيع الاستمرار بفعل ذلك دون عقاب مطلقًا”.
قدّم قيصر المنشق العسكري الذي هرّب صورًا لجثث ضحايا التعذيب على يد نظام الأسد، شهادته أمام الكونغرس في آب/أغسطس 2014، وهي الفترة ذاتها الذي تحدث عنها المعتقل السابق عمر الشغري.
بدا أنه عندما يتعرض نظام الأسد لضغوط قد يخفف ذلك من معاناة المعتقلين، وقد يجعله يرسل تعليمات بتخفيف مستوى التعذيب في سجونه، أو تقديم بعض مكونات الحياة للمعتقلين.
أذكرُ حين كنت معتقلًا في الفرقة الرابعة، التابعة لماهر الأسد شقيق رأس النظام بشار الأسد، أنه مرت أيام تراجعت فيها وتيرة التعذيب الذي كنا نتعرض له، في حزيران 2012، وأثار هذا تساؤلًا كبيرًا لدينا. عندما خرجت من المعتقل بحثت في مجريات الأحداث في الفترة ذاتها، وتبين لي أنه كانت هناك أخبار بأن لجنة دولية ستزور بعض معتقلات الأسد. لم يدم الأمر طويلًا وعاد التعذيب والتنكيل بشكل أقسى من قبل.
لكن ربما ليس هذا التعامل مع الضغوط هو القاعدة المطلقة لفهم منهجية نظام الأسد، فعندما كنا في الفرقة الرابعة أخبرني أحد المعتقلين أيضًا، أن المخابرات الجوية في المزة، بدأت بوضع المعتقلين لديها في باصات تسير بهم بعيدًا عن جوية المزة، من الساعة الثامنة صباحًا حتى الخامسة عصرًا، كان هذا بعد ورود أخبار أن لجنة دولية ستزور معتقلات الأسد في المزة للتحقق من أوضاع المعتقلين.
أدى هذا الأمر أيضًا إلى تعذيب من نوع آخر. لم يقدم السجانون أي طعام أو ماء للمعتقلين في الباصات، وقضى المعتقلون وقتهم مطمشين ورؤوسهم بين أرجلهم. قال لي المعتقل أنه عندما كانوا ينزلونهم من الباصات إلى الفرع، كانوا يضربونهم مع نزولهم ويصرخون بهم ضاحكين: “انشالله عجبكن السيران؟”. حين كانوا يدخلون الزنازين مرة أخرى كانوا يحمدون ربهم أن سيران التعذيب انتهى، وهم بالكاد يستطيعون تحريك رقابهم وظهورهم.
أخبرني أحد الزملاء من المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، أنه حين كان المحقق يستجوبه، كان يقول له: “إنتو اللي ميطالبو فيكن بالجزيرة”، أي أنه كان لدى المحققين علم بالتغطيات الإخبارية.
باسل خرطبيل، المبرمج السوري الذي اعتقله الأسد ثم أعدمه، كان أحد أكثر المعتقلين الذين طالبت المنظمات الدولية بإطلاق سراحهم علانية، لكن ذلك لم يساعد في إنقاذ حياته، بل أعدمه الأسد.
لا توجد سياسة واضحة بكيفية تعامل نظام الأسد مع الضغوط الإعلامية والحقوقية والتصريحات السياسية، لكن في المجمل وبمقارنة عدد من الحالات، يبدو أن الضغوط السياسية والإعلامية كانت تشكل عاملًا إيجابيًا في التخفيف عن المعتقلين وحفظ حياتهم، قبل شهادة قيصر عام 2014.
رغم الحوادث التي أظهرت تجاهل نظام الأسد للضغوط الإعلامية والحقوقية، إلا أن هذه الحوادث تظهر اكتراث نظام الأسد بالضغوط والإجراءات الدولية، في أغلب الأحيان. لكن مع الفترة الطويلة التي مرت على تسريب صور قيصر وشهادته، ثم عدم تحرك المجتمع الدولي، أصبح الأسد أشد شراسة وإهمالًا للضغوط الإعلامية والحقوقية وحتى التصريحات السياسية، وخاصة عندما تعمل الأمم المتحدة والصليب الأحمر معه بشكل وثيق دون أن تبذلا جهودًا بشأن مسألة المعتقلين والتعذيب، ويدرك أن هناك بعض الدول قد تطبّع علاقاتها معه.
لا نعرف بعد مدى تأثير الحراك القانوني والدعاوى القضائية ضد الأسد في أوروبا على ردع نظام الأسد عن الاستمرار في جرائمه، لكن ما نراه على أرض الواقع أن الاعتقالات مستمرة والقتل تحت التعذيب مستمر حتى اليوم.
اليوم، يبدو أن لا شيء سيوقف ماكينة الأسد الإجرامية سوى اتخاذ إجراءات فعلية ضد الأسد، فلم تعد الضغوط الإعلامية والحقوقية والتصريحات السياسية ذات فائدة أو تأثير على الأسد.
بدأ الأسد حملة “تطهير” للمناطق التي استعادها بالحرب أو بـ “المصالحات”. كل يوم تقريبًا ترد تقارير عن اعتقالات وقتل تحت التعذيب في هذه المناطق، وعلى الأغلب ستستمر هذه الحملة سنوات طويلة حتى لا يبقى معارض واحد في سوريا، كما فعل أبو الأسد بعد مجازر حماة، حيث استمر في اعتقال السوريين وإخفائهم حتى أواخر التسعينيات، ثم نقل جثثهم إلى كلية الطب بدمشق وغيرها، ليدرس طلابها التشريح على أجساد ضحايا المعتقلات.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :