تعا تفرج
من أجل حافيييظ
خطيب بدلة
نَقَلَتْ صحيفة “عنب بلدي” خبرًا عن مقتل اثنين من ضباط الجيش العربي السوري، أحدُهما برتبة عميد، بحادث سير وقع على أوتوستراد حمص طرطوس.. هذا أمرٌ وارد بالطبع، فكل إنسان مُعَرَّض للموت بجلطة قلبية، أو بالسرطان، أو بحادث سيارة، المهم أنه لم يمت بفعل فاعل، وإنما قضاء وقدرًا، وعلى هذا فإنه لا يجوز على الميت – نظريًا- غير الرحمة.
أقول “نظريًا” لأن الضابطين القتيلين في الواقع متطوعان في الجيش الذي ارتكب أفظع الجرائم والمجازر بحق الشعب السوري، بينما المفروض أن يموتَ معظمُ جنوده وضباطه في سبيل أن يبقى كلُّ أفراد هذا الشعب على قيد الحياة.
يوم استولى حافظ الأسد على السلطة بموجب انقلاب عسكري سنة 1970، وضع نصب عينيه هدفًا رئيسيًا مركزيًا هو وضعُ ضباط الجيش تحت مجهر أمني بالغ الحساسية، فكان من الواجب والمؤكد أن يجري فحصُ سجلات الضباط، وقراءةُ التقارير المخابراتية المرفوعة بحقهم، على نحو لا يتوقف، وبعد هذه الفحوصات والمراجعات المحمومة يُصدر القائدُ العام للجيش (حافظ)، كلَّ ستة أشهر، أمرًا بتسريح عدد من الضباط الذين يتراجع مؤشرُ الولاء لديهم بضعَ درجات، وهكذا حتى يتساقط ضباطُ الجيش على دروب النضال تباعًا خلال مرورهم بالرتب الصغيرة التي تبدأ من طالب ضابط مستجد وتنتهي تقريبًا عند رتبة “رائد”، وأما الذين يصلون إلى رتبة عقيد فما فوق فهؤلاء نخبةُ النخبة المنخوبة من الضباط المتميزين، ليس بشجاعتهم وبطولاتهم وانتصاراتهم في المعارك مع العدو الصهيوني، وإنما بولائهم للقائد.. وهكذا حتى نصل إلى جيش عقائدي، مخلص، مستعد لأن يقتل الشعب السوري كله من أجل الحفاظ على راعي الانقلاب، أو على وريثه، مثلما حصل في حلب وحماه وجسر الشغور 1982، وفي مختلف البلاد السورية بين عامي 2011 و2019، ولا يزال يحصل، على نحو هستيري حتى لحظة كتابة هذه الزاوية.
يعرف الشعب السوري عن هؤلاء الضباط الأشاوس عشرات القصص والمواقف المعادية له منذ أن اعتبروا المنازلَ التي استأجروها في العاصمة وبقية المدن الكبرى منازلَ الذين خلفوهم، وتطاولَ بعضُهم على بيوت المواطنين المسافرين خارج مدينتهم، وفَشُّوا أقفالها، وسكنوها رغمًا عن أنوف أصحابها، وأنوف الذين خلفوهم، مرورًا بالفساد والرشاوى وتفييش العناصر الذين جاؤوا ليخدموا الوطن فأعادوهم إلى بيوتهم مقابل رواتب شهرية تُدْفَعُ لهم.. وفي سنة 1983، تصادمَ الضباط الموالون للقائد حافظ الأسد مع الضباط الموالين للقائد رفعت الأسد، وأداروا سبطانات المدافع والدبابات باتجاه مدينة دمشق، وراح كل فريق منهم يهدد الفريق الآخر بإزالة هذه المدينة الضاربة جذورها في عمق التاريخ إذا لم يتنازل له عن السلطة، حتى تدخلت والدة القائدين والعم المحترم معمر القذافي، لإجراء المصالحة التاريخية، وجعل كل شيء للمعركة الأساسية التي قد يأتي يوم يضطرون فيه لخوضها في مواجهة الشعب طالب الحرية.
لا توجد معرفة، أو مشكلة، بيني وبين الضابطين القتيلين، حتى إنني لم أحفظ اسميهما، ولا أعرف بالضبط نوع الطلقات أو القذائف أو البراميل التي ألقوها فوق رؤوس الشعب، كل ما أعرفه أنهما ينتميان إلى الجيش الذي يغتصبنا ويقتلنا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :