إيران.. أمام لحظة الحقيقة

  • 2019/05/19
  • 12:00 ص

إبراهيم العلوش

انتصارات إيران على الشعب السوري لن تزيد سيرتها الذاتية قوة في تحدياتها المقبلة، فحاملات الطائرات، والأساطيل التي تزحف إليها، ليست قوات الجيش الحر المبني على الأسلحة الفردية، ولا هي تجمعات للمدنيين العزّل لتفتك بهم، ولكن لحظة الحقيقة تقترب من نظام الملالي الذي لا يزال يتشبث بالعناد.

لن تنفع الميليشيات الطائفية في ردع هذه الأساطيل، فأي تحرّش منها سيكون ردّ فعله داخل إيران نفسها كما يصرّح الأمريكيون. وكل ما بنته إيران من كتائب وميليشيات وقوى صاروخية موزعة في سوريا، والعراق، ولبنان، واليمن، لن يكون إلا هباءً منثورًا بعد توجيه أول ضربة إلى القوات الإيرانية داخل إيران نفسها.

إيران اليوم لا تزال تتصوّر أن العالم معجب بانتصاراتها على السوريين، وعلى اليمنيين والعراقيين من قبلهم، وتصرّ على اعتبار نفسها قوة عظمى في المنطقة، ناسية بأن هذه المنطقة مركز الطاقة في العالم، ولن يتم تركها لفتاوى الملالي الذين لا تحركهم إلا تصوراتهم الذاتية عن عظمتهم.

لقد تفرّغ نظام الملالي لتخريب المنطقة ونشر وباء الميليشيات الطائفية فيها، ما ولّد تنظيمات جهادية تقاسمها الحقد، وتتوافق معها في احتقار المدنيين وحرمانهم من حق الحياة بكرامة، مثل داعش التي تعتبر مرآة للأيدلوجيا الإيرانية، وبمذهب مغاير في اللون، فالدولة الدينية الإيرانية والتنظيمات الجهادية لم تحرص على نشر قيم التسامح والأخوّة واحترام الإنسان الذي فضله ربّ العالمين على المخلوقات كلها.

ومنذ انبثاق ثورة الملالي كانت الحرب والتوعد بإخضاع الشعوب المجاورة هي العقيدة الصلبة لها، وقد صرفت على هذه العقيدة عشرات المليارات وتسببت بسفك دماء الملايين منذ الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) وانتهاء بالمقتلة السورية، حيث كانت لها اليد الطولى في مساندة نظام الأسد وبراميله المتفجرة. فالمسؤولون الإيرانيون بكل مستوياتهم، الكبيرة والصغيرة، وفي كل تصنيفاتهم، المحافظ والإصلاحي، يعتبرون أن دعم بشار الأسد وتدمير سوريا وتهجير شعبها، يُعتبر مكسبًا إمبراطوريًا، أمّن لهم امتدادًا اقليميًا، وسيجعلهم مهيمنين على الإقليم لعقود، وربما لقرون مقبلة.

اليوم وعلى هدير طائرات الــ “بي 52” قد تصحو إيران من عنادها، لتجد نفسها محاصرة بالقواعد الأمريكية والغربية التي تحيط بها في الخليج العربي، وأفغانستان، وباكستان، وتركيا، والعراق، وسوريا، وتحاصرها العقوبات الاقتصادية الخانقة التي تتزايد يومًا بعد يوم، ناهيك عن تململ الشعب الإيراني نفسه من تصرفات الملالي وتبذير المليارات في الخارج بدلًا من صرفها على المواطن الإيراني الذي يقف ساعات طويلة من أجل الحصول على حصة من اللحمة بسعر مخفّض. بالإضافة إلى الانخفاض المتزايد للعملة إلى حد مضاعفة الأسعار كل عدة أشهر.

وقد كانت ثورة الإيرانيين الخضراء 2009م ضد الملالي ملهمة للربيع العربي، وأعطت مظاهرات 2018 أملًا كبيرًا للسوريين بأن يتفهم الإيرانيون ما يفعله نظام الملالي بهم وعلى حساب الإيرانيين أنفسهم.

طوال أربعين سنة اعتمد الملالي شعار “الموت لأمريكا والموت لإسرائيل” ولكن في الحقيقة كانوا يوزعون الموت على السوريين والعراقيين واليمنيين واللبنانيين، فلا أمريكا ولا إسرائيل تضررت من إيران كما تضرر الشعب السوري مثلًا، فالأمريكيون يشكون بأن خمسمئة جندي قُتل لهم في العراق بسبب إيران، بينما نحن السوريين نشكو من قتل مئات الألوف وتهجير نصف السكان بسبب المعونة الإيرانية لنظام الأسد وهندسته الطائفية.

يعوّل الملالي على دعم الروس لهم، وهم شركاؤهم في المقتلة السورية، ولكن العبث الإيراني لن يجد من يتعاطف معه، لا من دول المنطقة وشعوبها، ولا من غيرها من الدول، فالملالي لم يتركوا وسيلة للتخريب إلا انتهجوها، فحتى الصين منافسة أمريكا خفّضت شراء النفط الإيراني.

بعد لقائه المطوّل مع وزير الخارجية الأمريكي، صرّح الرئيس الروسي بوتين علنًا بأن على إيران ألا تنسحب من الاتفاق النووي، فنحن لسنا إطفائيين لإطفاء الحرائق في العالم. وهذا الموقف ليس غريبًا من روسيا التي تخلّت سابقًا عن نظام نجيب الله في أفغانستان، وعن نظام صدام حسين في العراق، وعن نظام القذافي في ليبيا، ولن تكون إيران بمنجاة من التخلي عنها، خاصة وأن ميليشياتها تنافس الفيلق الخامس الروسي في سوريا، وتفتح الحروب والجبهات في الشمال السوري، وفي الجولان وفق مشيئتها، ناهيك عن إصرارها على تقاسم المواقع الاقتصادية والثروات والموانئ السورية في بازار علني.

بعد الإعلان عن تحرك حاملة الطائرات الأمريكية أبراهام لنكولن إلى الخليج، صرح الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بأن إيران أمام أخطر تحدٍّ لها منذ الحرب العراقية الإيرانية، وهدّد بالانسحاب من الاتفاق النووي الذي وقعته إيران في عام 2015 مع مجموعة 5+1، ولمّح إلى الأخطار المحيقة بالغرب إن تراخت يد الملالي في الداخل الإيراني، وقد قالها وزير الداخلية الإيراني عبد الرضا رحماني فضلي صراحة “إذا أغمضنا عيوننا 24 ساعة، سيذهب مليون لاجئ إيراني إلى أوروبا عبر حدودنا الغربية” من خلال تركيا. و”وستُهرّب نحو 5000 طن من المخدّرات إلى الغرب” (التصريح عن مقال الكاتب علي العبد الله في العربي الجديد).

قد تبدو هذه التصريحات من قبل الملالي مفاجئة، فرجال الحرس الثوري الإيراني المستأسدين في سوريا، هم حسب تصريحات وزير الداخلية مجرد حراس وسجّانين على شعبهم، وخدم للغرب الذي يكيلون التصريحات ضده عبر كل وسائل إعلامهم وفتاويهم.

ولكن هذا ليس غريبًا أبدًا بالنسبة لنا نحن السوريين، فمن يقتل المدنيين ويهجّرهم من بيوتهم ليس غريبًا عليه، في لحظة التحدي الحقيقي، الانحدار إلى هذا المستوى من العبودية!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي