آثار الحرب عالقة في الأجساد..
سوريون يتعايشون مع شظاياهم
عنب بلدي – نور عبد النور
كغيره من الزائرين، يضطر يوسف للمرور بجهاز التفتيش عند مدخل المركز التجاري في حيّ الفاتح الاسطنبوليّ بتركيا، لكن تلك العملية لا تمرّ بسلام عادةً، إذ يضطر مرات عدة للخضوع إلى تفتيش إضافي بعد أن يصدر الجهاز صوتًا في إشارة إلى وجود أجسام معدنية بحوزته.
يقول يوسف حمّص (24 عامًا) لعنب بلدي، “لا يجد رجل الأمن شيئًا بحوزتي بعد أن يخضعني للتفتيش الحسّيّ، فيأذن لي بالمرور”، ذلك لأن الأجسام المعدنية التي تنبّه لها الجهاز هي عبارة عن بقايا شظايا عالقة في جسمه منذ نحو ستّ سنوات.
“أصبت مرتين في عامي 2013 و2014، وفي المرة الثانية بقيت الشظية في جسمي”، يصف يوسف، وهو ابن مدينة حمورية في الغوطة الشرقية، اليوم الذي تعرض فيه لإصابة في أثناء تغطيته الإعلامية لإحدى المعارك بين قوات النظام وفصائل المعارضة، ويقول “انفجرت بقربي قنبلة واستقرت الشظايا الناتجة عنها في يدي اليسرى ورأسي ورقبتي. تم إخراجي إلى أقرب نقطة طبية، ثم إلى مستشفى مجهز في مدينة دوما”.
شُخّصت إصابة يوسف بالخطيرة، نتيجة وجود إحدى الشظايا في مكان قريب من النخاع الشوكي، وكان القرار الذي اتخذه طبيبا الأعصاب والأوعية المشرفان عليه بإبقاء الشظية في مكانها.
يوسف، الذي غادر الغوطة الشرقية عام 2017 ليستقرّ في مدينة اسطنبول التركية، يعاني اليوم من تبعات تلك الإصابة، التي غالبًا ما تظهر على شكل آلام في جسده تحول دون استقراره في عمل.
وتضاف حالة يوسف إلى حالة آلاف الشبان السوريين الذين يحملون قطعًا في أجسامهم من أسلحة كانت معدّة لتنهي حياتهم بالكامل، إلا أنهم انضموا لقوائم مصابي الحرب.
وكانت منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمة “هانديكاب إنترناشيونال”، وثّقتا حتى نهاية عام 2017، ثلاثة ملايين مصاب في الحرب في سوريا، 1.5 مليون شخص منهم إعاقات دائمة، 86 ألف شخص أدت إصاباتهم إلى بتر الأعضاء.
20 شظية في جسم واحد
مع زوجته وطفليه، يعيش الشاب شاكر بشكاوي في قرية معرة حرمة في ريف إدلب الجنوبي، دون عمل، بعد أن قضى عامًا وثمانية أشهر في التردد إلى الأطباء وإجراء العمليات الجراحية لتخفيف آثار الإصابة بالشظايا.
وكان شاكر (23 عامًا) أصيب بانفجار قذيفة هاون قربه، فاخترقت الشظايا جميع أنحاء جسده، ليبقى منها الآن 20 شظيّة، بحسب ما أكده لعنب بلدي.
ويقول شاكر لعنب بلدي “11 من الشظايا استقروا في الركبة اليمنى، والباقي في الكتف الأيمن، وهناك بعض الشظايا غير مستقرة بعد”، ويتابع “تعطلت قدمي بشكل كامل، فلا يمكنني ثنيها وهي بحاجة إلى مفصل لتعود كما كانت، كما أن يدي اليمنى لا تساعدني في العمل”.
ورغم الوضع الصحّي الصعب لشاكر، إلا أنّه “محظوظ” في العرف الطبي، فرغم إصابته بأكثر من 20 شظية، لكنه ما زال على قيد الحياة ويستطيع أن يتحرك بمفرده.
إذ يشير الطبيب مازن السعود، الاختصاصي في جراحة العظام والمفاصل، إلى أنّ مكان الإصابة بالشظية، هو ما يحدد مدى خطورتها وتأثيرها على حياة الشخص، مضيفًا أنه في حال أصابت شظية منطقة عصبية كالنخاع الشوكي فهذا يعني أن حياة الإنسان انتهت، وبات بحاجة إلى مساعدة عائلته كي يعيش.
ويتابع الطبيب المقيم في ريف إدلب “لدينا في معرة النعمان نحو 50 إلى 60 شخصًا فقدوا القدرة على الحركة بسبب شظايا أصابت النخاع الشوكي”.
بينما يمكن أن تكون الشظايا قاتلة بشكل مباشر في حال أصابت بعض الأوعية الرئيسية أو القلب أو الشرايين أو سببت نزيفًا في الدماغ او البطن.
لماذا لا تُزال بعض الشظايا من أجسام الجرحى؟
في حال استقرّت الشظايا في مناطق غير حيوية، أي لا يؤدي تضررها إلى الإعاقة أو الموت، فإن الأطباء يتركونها في الجسم، كحل بديل عن تعريض المريض للخطر إثر إجراء عملية جراحية.
ويؤكد الطبيب أكرم خولاني، اختصاصي طب الأسرة، ذلك في حديث لعنب بلدي، ويقول “بعض الشظايا تستقر بالجسم لفترات طويلة دون أن تؤثر، والجسم يشكل حولها تليفًا ليحاصرها، إلا في حال كانت في مكان حرج، فإذا كانت في الفخذ قد تسبب إزعاجًا في الجلوس، وإذا استقرت في اليد يمكن أن تؤثر على الحركة، وفي حال تموضعت قرب الأعصاب أو الأوتار فبعد أن تتليف تحدد حركة الوتر أو العصب فتسبب تأثيرات جانبية”.
ويضيف الطبيب، “بعض الشظايا التي تستقر في النسيج العضلي، إذا كانت معدنية أو زجاجية، قد تبقى في الجسم فترات طويلة دون أن تحدث أي تأثيرات”.
بالمقابل، “بعض الشظايا قد لا تكون مميتة بشكل مباشر، لكن بقاءها داخل الجسم يسبب رد فعل من الجسم عليها، فتتحول إلى خراجات وبؤر قيحية” بحسب الطبيب خولاني.
ويوافق الطبيب مازن السعود على كلام خولاني، ويقول “هناك قاعدة عند الأطباء تقول بعدم إزالة الشظايا، نحن نعالج ما تؤثره الشظية في الجسم وما تسببه من مشاكل، ولا نعالج وجود الشظية”.
ويتابع، “في بعض الأحيان إزالة الشظايا قد تسبب مشكلة، وفي أحيان أخرى تكون إزالتها ضرورية، على سبيل المثال، في حال أصيب مفصل الركبة، فإن ذلك يعيق حركة الشخص وحياته ويسبب ألمًا شديدًا، فتتم إزالة الشظية بعملية جراحية”.
بالمقابل، “إذا أصابت شظية الدماغ وخربت 2 سم، وأثرت على المراكز التي استقرت فيها، فمن غير المفيد تدخّل الجراح لإزالتها، لأن ذلك يمكن أن يسبب الأذى ومزيدًا من التخريب في الدماغ، ولأن المراكز التي خُربت لا يمكن إعادة معالجتها”.
آلام مرافقة ومستقبل حذر
بينما كانت إصابة الشاب شاكر معيقة عن العمل، تمكن الشاب أحمد السواس، من التغلب على أثر الشظية العالقة في رأسه، وهو يواصل مسيرته الرياضية كلاعب ومدرب للجمباز.
ويقول أحمد، المقيم في مدينة الأتارب بريف حلب، لعنب بلدي، “أصبت في عام 2017، ببرميل متفجر في مدينة حلب، أصابت شظية الرأس ولم يخرجها الأطباء لأنها استقرت في منطقة قريبة من النخاع الشوكي”.
وأكد أن موقع الشظية يسبب له مخاوف دائمة خاصة خلال تأديته حركات معينة في لعبة الجمباز، رغم أنه خضع لعملية جراحية تم بموجبها تثبيت الشظية.
ويضيف أحمد، الذي حصد بطولة أولمبياد آسيا في روسيا عام 2012، أنه يشعر بألم شديد في حال سقط على رأسه خلال اللعب.
أما يوسف، الذي يحتفظ بشظية قرب رقبته، فقد تخلص من الآلام الشديدة التي كان يشعر بها في يده اليسرى مع مرور الوقت، بحسب ما أكده لعنب بلدي، لكنه حتى الآن لا يستطيع تحميل يده مجهودًا كبيرًا.
تلك الحالة منعت يوسف من العمل بعد أن سعى لكسب الرزق في أكثر من مكان، وكان خسر عمله في معمل لدبغ الأقمشة نتيجة الإرهاق المضاعف الذي يشعر به تحت ضغط العمل، وما ينتج عنه من تقصير.
يحتاج يوسف وأحمد وشاكر إلى متابعة طبية دائمة نتيجة وجود الشظايا في أجسامهم، بحسب الطبيب مازن السعود، الذي أكد لعنب بلدي أن الشظايا يمكن أن تترك آثارًا سلبية على صحة الشخص بحسب موقع تمركزها.
ففي حال كانت الشظية في الدماغ يمكن أن تسبب الصرع، وإذا استقرت في الصدر أو البطن فيمكن أن تسبب إنتانات لوجود جسم غريب داخل الجسم، ومن المحتمل أن تسبب إنتانات في العظام والأنسجة الرخوة على المدى البعيد، بحسب الطبيب.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :