حتى يرضى بعض من الثقافويين، على السوري المقصوف أن يكون ضد إيران والسعودية في الوقت نفسه وبالقدر نفسه، فيفتي فيفتي، وعلى ذاك الذي تهجر من القصير أو يبرود بعد احتلال حزب الله للمنطقتين أن يعلن بكل وضوح أنه لا مع 8 آذار ولا مع 14 آذار، وعلى الفلسطيني أن يكون ضد إسرائيل والسعودية في الوقت نفسه. وعندما اجتاح صدام حسين الكويت، ربما لم يكن جائزًا الانحياز إلى الكويتيين دون تسجيل موقف مبدئي يدين السعودية هكذا بلا سبب، وكان على الفيتنامي يومًا أن يكون ضد الولايات المتحدة والسعودية في الوقت نفسه إذ لا يجوز أن تعادي واشنطن دون أن تعادي الرياض، وربما كان على البولندي في الحرب العالمية الثانية أن يكون ضد ألمانيا والسعودية في الوقت نفسه، وإلا فإن نضاله ضد النازية هو نضال غير متسق ويرفع عددًا من إشارات الاستفهام. وكان المناضلون الجزائريون ضد الاستعمار الفرنسي يقاتلون المستعمر من جهة وعينهم على السعودية من جهة ثانية.
دعك من التواجد العسكري المباشر و «المحافظة الإيرانية 35» والمشروع الإمبراطوري الإيراني والتصريح بأن بغداد عاصمة للإمبراطورية وقاسم سليماني الذي يدير المعارك هنا وهناك وغيره من الجنرالات الموزعين على الجبهات، دعك من تحريك حزب الله لاحتلال مناطق سورية ثائرة وتوريد ميليشيات طائفية تأتمر مباشرة من طهران، دعك من إشعال نزاع شيعي سني لا يعلم إلا الله متى قد ينتهي وبأي كلفة، هذه مجرد تفاصيل، المهم أن تثبت فينيقيتك أو مشرقيتك أو آشوريتك أو بابليتك أو فرعونيتك وتفوقك الحضاري التاريخي على «عربان» الخليج.
إن لم تفعل، أي إن لم تعاد إيران والسعودية بالقدر نفسه، فأنت داعشي الهوى، أو وهابيّ المذهب، أو طائفي حكمًا، تريد دولة خلافة بكل تأكيد، مؤيد على الأقل لتأسيس هيئة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر سوريّة، أو قد تكون تتلقى تمويلًا بترودولاريًا سعودي المنشأ، تسعى لذبح العلويين، ولفرض الحجاب ومنع المرأة من قيادة السيارة. موقفك من إيران مذهبي محض، لا يحق لك أن تطالب بالحرية والديمقراطية في بلدك.
ملاحظة للمتصيدين في الماء الشفاف: ثمة ألف وخمسمائة وتسعين تحفظًا على السعودية وعلى كوبا وعلى كوريا الشمالية أيضًا، وثمة مئات من إشارات الاستفهام حول الدور السعودي في سوريا، لكن لا الرياض ولا هافانا ولا بيونغ يانغ هي من يحتل بلادي حاليًا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.