عاصفة المصالح

  • 2015/03/30
  • 2:25 م

لا شك أننا في سوريا نشعر بالسعادة لعاصفة الحزم التي أطلقتها السعودية ضد الحوثيين في اليمن، فعدو العدو صديق، كما أن صديق العدو عدو وفقًا للعلائق المنطقية التي تحكم التفكير.

وبالتأكيد فإنه من الترف القول إن السعودية تحركت دفاعًا عن مصالحها وأمنها الاستراتيجي وليس اعتبارًا لاحتياجات “الشعب اليمني الشقيق”؛ فاليمن يعتبر خاصرة السعودية الجنوبية، كما أن سيطرة الحوثيين على مضيق باب المندب (يبلغ عرض المضيق ميلين فقط) الذي تكثر فيه عمليات القرصنة ويمر فيه يوميًا حوالي 4 ملايين برميل نفط، سيمكن إيران – التي تسيطر بالأصل على مضيق هرمز – إحكام الخناق على دول الخليج من الشمال والجنوب والشرق.

كما أن العاصفة إياها تعتبر تصحيحًا لخطأ ارتكبته السعودية ذاتها، فهي من أصرت على المبادرة الخليجية التي أبقت على صالح وجنبته المحاكمة، وهو ما وفر له العبث باستقرار اليمن حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه.

لقد أظهر التحالف العشري قدرة السعودية ونفوذها في المنطقة، كما أظهر استقلالية أكثر للقرار الخليجي بمعزل عن الرغبة الأمريكية التي كانت تسعى لتفادي أي توتر مع إيران يمكن أن يؤثر على نتيجة الاتفاق النووي، ولعل هذا سيكون أهم مميزات الشرق الأوسط الجديد الذي تستعد أمريكا لمغادرته متجهة إلى آسيا لمحاصرة التنين الصيني.

فمقابل المحور الإيراني “الشيعي” الذي يمتد من سواحل المتوسط حتى أواسط أفغانستان، أعلنت عاصفة الحزم بوادر تشكل حلف “سني” يمتد من باكستان إلى السودان يستهدف محاصرة الحلف الأول.

يصب هذا التدخل في المصلحة السورية بلا شك، فالواقع أن الأزمات في المشرق العربي لم تعد منعزلة عن بعضها، فالفاعلون الرئيسيون هم ذاتهم في سوريا واليمن والعراق، وما يجمع بينها هو انعدام تأثير الداخل والقدرة التامة للخارج في صوغ مجريات الأمور.

وبعيدًا عن التحليل السياسي للمنطقة ومآلها والذي يثبت دائمًا عجزه عن فهم التقلب السريع لسير الأحداث في المنطقة، فإنني شخصيًا أرى الحلف المشكل للقضاء على الحوثيين هو أبرز دليل على نهاية عصر الثورة بما حمله من آمال.

عندما لا يجد الشعب الثائر في سوريا خيارًا إلا دعم السعودية وهي الدولة التي دعمت الثورات المضادة في اليمن ومصر وليبيا وتونس، فهذا يعني أن الثورة لم تعجز عن إيجاد بديل فحسب، بل أنها تحولت ذاتها لساحة نفوذ للقوى المضادة لقيم الثورات ووجودها.

غطت الثورات من خلال تحولها إلى صراعات أهلية طائفية مسلحة على قيم الثورات ذاتها، فتراجعت إلى الخلف وغطتها طبقات سميكة من غبار الحديث عن الديمقراطية والدولة المدنية وحقوق الإنسان وتداول السلطة، وباتت قضية الشعوب الانتقام لزينب والأخذ بثأر الحسين ورد الاعتبار لعمر؛ إنه عصر بعث الأموات لنميت بهم الأحياء.

ليس هذا دفاعًا عن الحوثي بالتأكيد، فلا شك أنه ذراع للاحتلال الإيراني الجاسم على صدور السوريين، والتخلص من انقلابه واجب ومصلحة للعرب. ولكن قضية الحوثيين هي تراكمات من عهد الحكم اليمني البائد (كل اليمن بائد في الواقع) الذي أهمل مناطق الحوثيين وهيأهم ليكونوا عملاء للإيرانيين.

لقد انتهت الثورة السورية لتصبح مهمتها فقط إسقاط حليف إيران، أو بشكل أدق دعم المملكة في حربها ضد إيران كما انتهت الثورة اليمنية لذات النتيجة، وكل هذا لم يكن ليحدث لولا هذه الأنظمة أولًا، ولولا قصور النخب السياسية في البلدين وتخليها عن مسؤولياتها وتغليبها لمصالحها الحزبية والأيديولوجية الضيقة ثانيًا.

لا رابح في الحروب الطائفية، ولا تحتاج هذه المقولة إلى كثير كلام بغية إثباتها. والباحثون في التاريخ، يتمنون أن لا تمتد الحرب الأهلية الكونية هذه لثلاثين عامًا كما امتدت الحرب الأوروبية.

لقد كان المأمول أن نستفيد من تجارب الشعوب التي سبقتنا متجاوزين بذلك أخطاءهم لنصل إلى نتائجهم دون المرور بهذه الكوارث، كما كان المأمول أن تبني الثورات دولة لمواطنيها، ولكن المأمول شيء والمقدور عليه شيء آخر، وسنن الله أبقى وعلينا العمل وعليه الحساب.

مقالات متعلقة

رأي

المزيد من رأي