دار، ولا يزال يدور، نقاش واسع في أدبيات العلوم الاجتماعية حول كون اللغة مكونًا رئيسًا للهوية القومية، لكن يكاد يجمع الباحثون على كونها المكون الرئيس لهوية أخرى، هي الهوية الثقافية أو الحضارية، فهذه تكاد تكون بديهية، لأن اللغة ثقافة وحضارة وليس أداة تواصل فحسب.
أقام المركز العربي مؤتمرًا بعنوان “اللغة والهوية في الوطن العربي”، وقد نشر المركز مجموعة من الأبحاث التي شارك بها الباحثون في المؤتمر في مجلدين.
حمل الأول عنوان “اللغة والهوية في الوطن العربي إشكاليات تاريخية وثقافية وسياسية”، وفي هذا الكتاب يناقش الباحثون العلاقة الإشكالية بين اللغة والهوية، والدعوات المتكاثرة خاصة في المغرب العربي لاعتماد اللغة الدارجة بدلا من الفصحى، كما يناقشون المطالب اللغوية التي يقدمها الأمازيغ في المغرب والجزائر، حيث إن المستفيد الأول من هذه التناحر الأمازيغي العربي هو اللغة الأجنبية (الفرنسية) التي تحتل أكثر بأكثر مواقع السياسة والاقتصاد والجامعات، وتأثير ذلك كله على هوية المغرب العربي وانتمائه وتماسكه الداخلي.
تناقش بعض الأبحاث قضايا هامة، وهي قضية العدالة اللغوية وضرورة صوغ سياسات لغوية راشدة، تستطيع أن تحفظ للغة العربية مكانتها المركزية، وأن تلتزم الدولة بضرورة تطوير وخدمة باقي اللغات الوطنية.
في المجلد الثاني “اللغة والهوية في الوطن العربي إشكاليات التعليم والترجمة والمصطلح”، يناقش الباحثون العلاقة بين لغة التعليم وتشكيل الهوية في البلدان العربية، وتخلص العديد من الدراسات إلى أن التعليم باللغة العربية ينتج أجيالا أكثر التصاقا بقضايا الأمة ومآسيها، من الذين يتعلمون بلغة أجنبية حيث يعانون الاغتراب عن مجتمعاتهم وقضاياهم.
شارك في إعداد المجلدين اثنان وعشرون خبيرًا في اللغة والعربية وعلم اللسانيات، ويشكل المجلدان مرجعًا هامًا لقضايا اللغة والهوية.
تشكل قضية اللغة مطلبًا دائمًا للكرد في سوريا، وهذا عاجلًا أم آجلًا سيطرح نقاشًا مطولًا حول هوية البلد الذي طالما عرف نفسه باعتباره “قلب العروبة النابض”، ومن هنا فإنه من المهم الاطلاع على الحوارات التي أجرتها بلدان المغرب العربي لتجاوز هذا الإشكال العميق.