محمد رشدي شربجي
كنت قد قلت سابقًا إن معركة حلب هي آخر معارك الثورة السورية ضد النظام السوري، وإن المعركة مع القاعدة هي آخر معارك الثورة على الإطلاق. وفي كلتا المعركتين كانت النتيجة معروفة والقادم هو المجهول فقط، وإن كان بإمكان المرء دائمًا أن يتوقع الأسوأ.
منذ بدايته كان اتفاق أستانة (الذي ترعاه روسيا وتركيا وإيران) مطاطًا وهائمًا وجرى بمعزل عن الأطراف السورية المعنية به سواء كان النظام أو المعارضة، وقد فرض فرضًا على النظام السوري، المتعطش هو وبقية المرتزقة في محور الممانعة لمزيد من الدماء، وعلى المعارضة السورية التي كانت وما زالت بطبيعة الحال في وضع العاجز، دون الالتفات لمطالبها بمعالجة ملف الأسرى في مسالخ النظام السوري.
وفي وضع كوضع المعارضة السورية المبتلية بذاتها وبكثرة الأعداء والعداوات بها وحولها، فجر اتفاق أستانة خلافاتها ووسعها، في حين استغل النظام فرصة الهدنة التي أراد دائمًا أن تكون منفصلة ومناطقية مع فصائل محلية وليس على المستوى الوطني العام ريثما يستطيع إسكات جبهات أخرى، كما حصل مع جبهات درعا وريفي دمشق وحمص.
خلال الأشهر الماضية سيطر تنظيم القاعدة (الذي يقاتل اليوم باسم هيئة تحرير الشام) على معاقل المعارضة السورية وسحب منها سلاحها الثقيل وهجّر أبرز فصائلها إلى مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، وبدل تدعيم الجبهات المترهلة أساسًا، جرت في سلوك كالكوميديا السوداء محاولات سخيفة لتثبيت حكم حكومة الإنقاذ المحسوبة على تحرير الشام.
والنتيجة هي ما نراه اليوم حيث تشن منذ بداية الشهر قوات النظام السوري بدعم روسي هجمات مركزة على مناطق المعارضة انتهت بسيطرة النظام على مناطق خارجة عن سيطرته منذ أكثر من ست سنوات.
وتبقى حسابات الضامنين شيئًا آخر غير مصالح السوريين، فتركيا مسكونة بهاجس حزب العمال الكردستاني شرق الفرات وهي مستعدة لتقديم تنازلات في غير ملف للحصول على مكاسب هنا، وهو ما يفسر الصمت المريب على قصف النظام السوري لنقاط المراقبة التركية، التي اكتفت إما بتلقي القذائف أو حتى الانسحاب.
ولا شك أن التوجه الأمريكي الحالي والتوتر الدائم بين أمريكا من جهة وتركيا وإيران وروسيا من جهة أخرى سيدفع الأخيرتين لتنحية خلافاتهم جانبًا وإيجاد اتفاق من نوع لا شك أنه سيكون على حساب الحلقة الأضعف، أي المعارضة السورية.