عنب بلدي – حباء شحادة
طلاب من مدرسة أبناء الشهداء في طرطوس وصلوا إلى روسيا لتمضية عطلة عيد النصر الروسي في مركز الاستجمام الدولي للأطفال “أرتيك” مع أبناء العسكريين الروس الذين قتلوا في سوريا، بحسب ما أعلن رئيس منظمة المحاربين القدامى الروسية “أخوة القتال”، دميتري سابلين، يوم الأحد 5 من أيار.
وكانت وكالة “ريانوفوستي” الروسية ذكرت أن الأطفال، الذين اختيروا على أساس تفوقهم باللغة الروسية، قاموا بجولة في المتحف بقاعدة حميميم قبل سفرهم.
تلك “المنحة” التي قدمها الروس للأطفال السوريين لم تكن الأولى، إذ وقعت الحكومة الروسية مع حكومة النظام السوري، في 13 من تموز من العام الماضي، اتفاقًا لتدريس الأطفال السوريين في المؤسسات التعليمية التابعة لوزارة الدفاع الروسية وعلى نفقتها بالكامل.
اعتاد السوريون على الدور الروسي في الصراع منذ بدئه، من دعمها السياسي والدبلوماسي للنظام حتى تدخلها العسكري عام 2015، الذي مثل بالنسبة لشريحة واسعة من الأطفال السوريين طعمًا آخر من الموت والفجيعة.
شارك التدخل الروسي بأشكاله المختلفة في إنهاء حياة ما يزيد على 28.5 ألف طفل منذ بدء الصراع، بحسب إحصائيات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وتشريد 2.6 مليون طفل داخل سوريا، و2.5 مليون طفل خارجها، بحسب إحصائيات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف).
لكن تدخلها الجديد في تدريب الأطفال وتشكيل مستقبلهم لم يعتده السوريون، ولم يألفوا أنباءه ولا دلالاته.
أهداف معلنة وأخرى مبطنة
زار نائب وزير الدفاع الروسي، دميتري بولغاكوف، بداية شهر أيلول من العام الماضي “معهد قوات السكك الحديدية والاتصالات العسكرية” التابع للأكاديمية العسكرية للإمداد والنقل، والتي تدرس فيها أولى دفعات الأطفال السوريين المؤلفة من ثمانية طلاب، والتي من المزمع أن تلحقها دفعات متجددة كل عام.
وصرح أن الهدف من تدريب الأطفال، الذين اختيروا من يتامى الحرب ومن “مدرسة أبناء الشهداء” في طرطوس، هو تأهيلهم ليصبحوا ضباطًا حقيقيين في الجيش السوري المستقبلي.
“الهدف هو رمزي”، حسبما قال الصحفي السوري الخبير بالشأن الروسي، الدكتور نصر اليوسف، لعنب بلدي، “مثلما يفعل الضباط والعساكر الروس الذين يوزعون الأكل والشرب ويقدمون بعض الخدمات الطبية والإغاثية ويصورونها وينشرونها على الملأ لكي يظهروا وكأنهم يحبون السوريين ويحاولون التخفيف من مصابهم”.
اختيار الأطفال من منطقة معينة وبأعداد محدودة يبين أنه محاولة للتقرب من سكان المنطقة، التي ينوي الروس الإقامة فيها لمدة 49 عامًا، حسبما قال اليوسف، إذ وقعت شركة روسية خاصة عقدًا مع الحكومة السورية لاستئجار مرفأ طرطوس لتلك المدة في 25 من نيسان الماضي، وأضاف اليوسف، “هذا نفاق ورياء”.
علاقات الأمس ومنعكسات اليوم
تعود العلاقات الدبلوماسية بين سوريا والاتحاد السوفيتي إلى عام 1944 وكان الاتحاد هو أول المعترفين باستقلال سوريا عام 1946.
ونمت تلك العلاقة بعد استلام حافظ الأسد لمنصب الرئاسة في سوريا، إذ افتتح الاتحاد القاعدة البحرية في طرطوس (وهي القاعدة الروسية الوحيدة على البحر الأبيض المتوسط) إثر اتفاق عام 1971.
درس الآلاف من الضباط السوريين والطلاب الجامعيين من مختلف الاختصاصات في روسيا خلال فترة حكم الأسد من عام 1971 حتى عام 2000. حاولت خلالها السلطات الروسية تلميع صورة بلادها وإظهار كل ما تستطيع من إيجابيات خلالها.
واسترجع اليوسف، أيام بعثته عام 1975 قائلًا، “بهرت بالمعاملة الحسنة وبما قدم لي. إذ تم تأمين مكان مجاني لي فيما يسمى بـ(بيت الاستجمام) الشتوي، خلال العطلة الدراسية الانتصافية، ثم قدموا لي مكانًا مجانيًا في أحد منتجعات سوتشي لمدة 21 يومًا مع الأكل والشرب والسباحة… لدرجة أني شعرت وكأني إمبراطور”.
وأضاف أن طريقة التعامل مع الأطفال هنا متشابهة فهي تهدف لكسب ودهم، واستغلالهم كذلك في تكريس اعتراف النظام السوري بجمهورية القرم كجزء لا يتجزأ من الاتحاد الروسي، من خلال عملها على جلب مجموعة من الأطفال السوريين المصابين إلى شبه الجزيرة لعلاجهم.
ماذا عن الأطفال؟
استغلال أبناء قتلى طرطوس وتدريبهم عسكريًا ستكون له عواقب على شخصياتهم وانتمائهم المستقبلي، حسبما قالت الاختصاصية النفسية كوثر سعيد لعنب بلدي.
وأوضحت أن التربية العسكرية تقوم على الطاعة، فهي تقمع الحرية وتلغي العقل، ولذلك ستحرم الأطفال من فهم معنى الحرية وستعيق تطورهم الطبيعي مقحمة إياهم في عالم القسوة والشدة.
ويولّد فقد أحد الأبوين أو كليهما، في حالة الحرب خاصة، الحقد لدى الطفل، الحقد الذي ستنميه التربية العسكرية القائمة على القوة، حسبما قالت الاختصاصية النفسية.
ويتعلق انتماء الطفل، الذي يتعلم مبادئ القوة وكره الآخرين، بالقوة الكبرى، وسيعمد لقمع الآخرين بالطريقة التي قُمع بها هو، بحسب الاختصاصية التي أضافت “لذلك فإننا سنخسرهم”.
الحصاد الحاضر والمستقبلي
حصدت روسيا نتاج استثمارها القديم في الطلاب الجامعيين السوريين، حسبما أشار اليوسف، “إننا نراهم يقفون إلى جانب النظام ويدعمونه، مع معرفتهم التامة أنه لا يمت بصلة لا للاشتراكية ولا للشيوعية، بل هو الأكثر همجية ووحشية في التاريخ”.
وتابع موضحًا، “يقفون إلى جانبه ويحاولون التظاهر بالمعارضة، ويشكلون منصات خلبية، كمنصة موسكو، وما إلى ذلك من المنصات الداخلية المنضوية في إطار هيئة التنسيق، وكل ذلك لكي يحققوا مصلحة روسيا فقط”.
وبالنسبة للأطفال فإن دورهم المستقبلي المرتقب في الجيش السوري، ليس من المكرمات البريئة، على حد تعبير اليوسف، وإنما سيصب في خدمة مصالح وخطط روسيا طويلة الأمد، الساعية لتكريس وجودها في سوريا لفترة طويلة.