عنب بلدي – اقتصاد
شكل طريق الحرير قبل قرون طويلة شريان حياة للتجارة الصينية، من وإلى دول العالم، وتحاول الصين منذ عام 2013 إحياء هذا الطريق، لإيصال بضائعها بأسهل وأسرع طريقة ممكنة لجميع قارات العالم، عبر طريقين، بري وبحري.
مبادرة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، جاءت تحت اسم “الحزام والطريق”، وتعتمد على إنشاء بنى تحتية بالتعاون مع 68 دولة.
ما هو طريق الحرير
هو مجموعة من الطرق البحرية والبرية المترابطة مع بعضها كانت تسلكها السفن والقوافل بين الصين وأوروبا لتجارة الحرير والتوابل والعطور.
ويبلغ طوله 12 ألف كيلو متر تقريبًا، ويبدأ من المراكز التجارية في شمال الصين لينقسم إلى فرعين: الأول هو الطريق الشمالي عبر شرق أوروبا والبحر الأسود وصولًا إلى مدينة البندقية الإيطالية.
أما الجنوبي فكان يمر عبر سوريا والعراق وتركيا وصولًا إلى مصر والبحر الأبيض المتوسط.
ويغذي الطريقان كلًا من قارتي أوروبا والقارة الإفريقية.
طريقان بري وبحري
ينطلق الطريق البري من الصين مرورًا بكازاخستان وإيران وتركيا، ثم إلى روسيا، وصولًا إلى ألمانيا وإيطاليا وهولندا.
بينما يبدأ الطريق البحري من الصين إلى فيتنام وماليزيا والهند ويكمل طريقه باتجاه سيريلانكا وكينيا، ليصل إلى اليونان وإيطاليا.
وهو ما سيعطي الصين هيمنة عسكرية وسياسية واقتصادية على مستوى العالم.
أقامت الصين قاعدة عسكرية لها في جيبوتي، كما أقامت في بحر الصين العديد من القواعد العسكرية البحرية.
واستفادت، بعد تقديمها قروضًا لعدد من الدول، من تشغيل شركات صينية في بناء البنى التحتية، ما أدى إلى تحريك عجلة الاقتصاد.
بدأ العمل بالطريق تاريخيًا منذ العام 200 قبل الميلاد، وتوقف منذ سيطرة العثمانيين على طرق التجارة.
حماس حكومي سوري
منذ سنوات يتم الترويج عبر الإعلام الحكومي السوري من جهة، أو وسائل الإعلام المقربة من الحكومة السورية، لطريق الحرير، ولأهمية سوريا في الطريق القديم، والذي كان يمر عبر مدينة تدمر السورية، عدا عن مشاركة سورية حكومية في مؤتمر “حزام واحد.. طريق واحد”، في العاصمة الصينية بكين، في 25 من شهر نيسان الماضي، والتي أكدت فيها بثينة شعبان، مستشارة رئيس النظام السوري بشار الأسد الإعلامية، أن هذا المشروع يأتي لمواجهة الهيمنة الغربية.
إضافةً إلى عشرات المقالات الصحفية المنشورة في الصحف الرسمية الثلاث والمتحمسة للمشروع ضمن الرؤية الحكومية.
مواقف الحكومة السورية تأتي متناغمة أيضًا مع مواقف حلفائها، روسيا وإيران، اللتين توليان اهتمامًا خاصًا بالمشروع الصيني، كونه يمر بأراضي البلدين أيضًا، وهو ما عبر عنه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في أثناء مشاركته في المؤتمر ذاته، من خلال دعوة بقية الدول للانضمام إلى المشروع.
ولا يختلف الموقف الإيراني عن مواقف سوريا وروسيا، من الترويج لأهمية هذا الطريق بالنسبة لإيران، خاصةً مع العقوبات الأمريكية عليها، وهذا ما دفع العديد من وسائل الإعلام العربية الموالية لإيران، أو التابعة لها بشكل مباشر للإثناء على هذا المشروع وأهميته، خاصةً مع محاولات طهران لإنشاء سكك حديدية تربط إيران بسوريا عبر العراق وصولًا إلى مدينة اللاذقية السورية، بعد زيارة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الأخيرة إلى العراق في شهر آذار الماضي.
ما علاقة سوريا بالطريق؟
تعتبر سوريا حجر أساس في مشروع طريق الحرير الصيني، ضمن الخط الجنوبي للطريق.
ويقول المستشار الاقتصادي جلال بكار لعنب بلدي إن أهمية سوريا تكمن بكونها مركزًا استراتيجيًا لعبور القوافل وتغذية البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا، موضحًا أن توقف كل الشحنات بعد الوضع الأمني المتردي أدى إلى خسائر تقدر بالمليارات لكل من تركيا والأردن وحتى العراق، وبالطبع للصين وأثرت بشكل مباشر على الواردات الإفريقية.
ويضيف بكار أن الصراع في سوريا تسبب بارتفاع تكاليف الشحن والاستيراد من الصين بسبب توقف الخط الجنوبي، خاصة أن سوريا كانت بوابة الدخول إلى الشرق الأوسط بشكل كامل.
وتضم البلاد التي اتفقت معها الصين على إحياء طريق الحرير ما لا يقل عن أربعة مليارات نسمة من الصين شرقًا حتى دول الاتحاد الأوروبي غربًا، ومن المتوقع أن تصل تكاليف تأهيل الخط الجنوبي، والذي يعبر من سوريا، إلى أربعة مليارات دولار، وتقدر عائداته بـ 165 مليار دولار سنويًا.
ويقول المستشار بكار إن ملف طريق الحرير في سوريا ينقسم فعليًا إلى شقين أساسيين هما تأثير طريق الحرير على سوريا، وتأثير الأمن في سوريا عليه أيضًا، خاصة مع غياب الأمن الاقتصادي في البلاد، وهو ما لا يدعم متطلبات خطوط النقل، وبالتالي لن يتم إنجاز خط المنطقة الجنوبية، وهذا ما سيؤثر سلبًا على اقتصاد سوريا، وتخسر بناء على ذلك المليارات.
وفيما لو تم المشروع في سوريا فإن الأرباح المتوقعة منه سنويًا تصل إلى 1.8 مليار دولار، بحسب بكار، الذي أردف أنه ذلك يتوقف على توفير الحماية والأمن للطريق في سوريا.
خلافات أوروبية ومخاوف خليجية واعتراض أمريكي
بقدر ما أبدت الصحف الإماراتية، وعلى رأسها صحيفتا الاتحاد والبيان، حماسها لطريق الحرير، بقدر ما تملك الإمارات مخاوف جمّة، بسبب دعم الصين لميناء غوادر في باكستان، والذي يهدد الموانئ الإماراتية بشكل مباشر، خاصة أن المصانع في شمال الصين ستنقل بضائعها إلى الميناء الباكستاني بشكل مباشر، ما دعا الصين لاستئجار الميناء من باكستان لأربعين عامًا مقبلة، كما شرعت سلطنة عمان بإنشاء ميناء “الدقم”، وهو الذي يشكل أيضًا خطرًا إضافيًا على موانئ الإمارات.
ويتيح ميناء غوادر إيصال النفط والغاز الذي تحتاجه الصين بطريقة أسهل، كونه أقرب جغرافيًا إليها من موانئها التي تقع في أقصى شرق الصين.
ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 50 مليار دولار سنويًا.
ولا تختلف مواقف دول الخليج الأخرى عن الموقف الإماراتي، باستثناء موقف قطر، التي دخلت على الخط وساعدت في تمويل ميناء غودار.
وزاد مشروع طريق الحرير الخلافات القائمة أصلًا بين دول الاتحاد الأوروبي حول عدة ملفات، فالاتحاد يخاف من ميل ميزان القوى الاقتصادية لصالح الصين، إضافة لمخاوف تعريض استقلالية وسيادة أوروبا للخطر، وهذا ما عبر عنه مفوض الميزانية في الاتحاد الأوروبي، غنثر أويتنغر، لكن إيطاليا خالفت التوقعات الأوروبية وتحمست للمشروع، خاصةً مع الاستثمارات الصينية التي ستدخل إلى روما.
أما أمريكيًا، فلدى الولايات المتحدة مخاوف كبرى من تقويض همينتها السياسية والتجارية، ما جعلها تخوض حربًا تجارية مع الصين، توجت بمواجهة علنية بين مندوبها في الأمم المتحدة والمندوب الصيني في مجلس الأمن، في 16 من آذار الماضي، إلى جانب سلسلة الضرائب التي يعمل عليها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ضد أنشطة الصين التجارية.