عنب بلدي – يامن مغربي
لطالما أثار فصيل “جيش الإسلام” الجدل في أوساط أهالي الغوطة الشرقية لدمشق والناشطين والصحفيين، سواء كانوا ذوي خلفيات سياسية أو أيديولوجية، قريبة من خطه السياسي والديني أو بعيدة عنه، وذلك منذ سيطرته على الغوطة الشرقية حتى انسحابه منها وتهجير أهلها.
وطالت “جيش الإسلام” اتهامات عدة بمحاربة كل من يحيد عن خطه، واعتقالهم في سجني “التوبة” و”الباطون”، عدا عن اتهامات لم تثبت صحتها حتى الآن باغتيالات استهدفت عددًا من الشخصيات السياسية التي تملك حاضنةً شعبيةً في مدينة دوما بريف دمشق، ومنهم الطبيب عدنان وهبة.
وسيطر “جيش الإسلام” على مساحات واسعة من الغوطة الشرقية بعد عام 2013، وتركز نفوذه في مدينة دوما، بينما انسحب من المنطقة إلى الشمال السوري في نيسان 2018 بموجب اتفاق مع روسيا، جاء بعد حملة مكثفة استهدفت مدن الغوطة.
تيارات سياسية محاربة
عامر السليم، وهو اسم مستعار لناشط سياسي ينتمي إلى “تيار الناصريين”، فضل عدم ذكر اسمه الصريح لأسباب أمنية، بقي موجودًا في الغوطة الشرقية حتى عام 2015، قال لعنب بلدي إن “جيش الإسلام” لم يمنع في بدايات الثورة الناشطين أو السياسيين من العمل بشكل مباشر، ولكن عندما تمت له السيطرة بعد تحرير الغوطة حاول الهيمنة على كل القطاعات، بحجة وقوفه على الجبهات وتحريره للغوطة، و”هذه المحاولات كانت مزعجة للناس بطبيعة الحال”.
ورغم أن كثيرين من الناشطين عملوا في المجالات الخدمية والطبية والإغاثية، إلا أن أدوارهم تهمشت على أيدي “جيش الإسلام”.
ويتقاطع موقف السليم مع رافع حسان، وهو أيضًا اسم مستعار لناشط مدني عمل في المجال الإغاثي والإعلامي في دوما، إذ قال لعنب بلدي إنه لم يكن باستطاعة جيش الإسلام في البداية قمع أي تيارات غير إسلامية أو منعها من الوجود على الأرض، وبقي يراقب تحركاتها وينتظر لحظات ضعفها، وفي نفس الوقت كان يعمل جاهدًا لكسب حاضنته الشعبية في مدينة دوما وضواحيها.
وأشار رافع إلى تأثير البيئة الاجتماعية الموجودة في المنطقة بمساعدة الفصيل على فرض نفسه، فـ “الغالبية من سكانها كانوا محافظين وكان من السهل لـجيش الإسلام استعطافهم بلغة الدين وأن يجرهم إلى صفّه عن طريق الخطابات الرنانة السلفية”، بحسب تعبيره.
الاتهامات التي وجهت لـ “جيش الإسلام” لم تتعلق فقط بعمل الناشطين، بل حتى بفصائل عسكرية أو تيارات سياسية كانت مشابهة للخط الذي انتهجه، إذ أضاف عامر السليم، “عانى الجميع من الفصيل وممارساته، فإلى جانب الاعتقالات المتكررة لناشطين أو غيرهم، وكل فصيل أو تيار مخالف لأيديولوجيته، مهما كانت خلفيته السياسية، سواء كان قوميًا أو شيوعيًا أو ناصريًا تمت محاربته واعتبره جيش الإسلام ضده لا معه، وحاول جمع الكل تحت لوائه”.
لماذا لم تتحرك هذه التيارات؟
“لم يكن هناك أي مجال للمقاومة”، أجاب عامر السليم، فـ “الفصيل كان يمتلك العدة والعتاد، بينما بقية الفصائل كانت أقل قوة. كنا نملك حاضنة شعبية ولدينا قوة عسكرية صغيرة، هي أقرب للشرطة لحماية المنشآت فقط، لذا لم يكن لدينا القدرة الفعلية على المقاومة”.
“كان من السهل على جيش الإسلام اعتقال الناس، لذا فضل كثيرون العمل ضمن الشق الخدمي، كدائرة النفوس وتفعيل البلديات وتنظيف الشوارع وحتى فتح القبور وتأمين آليات للعمل وتفعيل القطاع الزراعي…”.
وعن انتماءات التيارات السياسية المعارضة لتوجه الفصيل، أوضح السليم، “كان هناك ناصريون وإخوان مسلمون وقلة قليلة من الشيوعيين، وهؤلاء تحديدًا كانوا يخفون انتماءاتهم بطبيعة الحال”.
ويطلق رافع حسان وصف “فترة التصفيات” على مرحلة من عام 2013، تم خلالها اختطاف فريق مكتب توثيق الانتهاكات “VDC”، ومن بعدها شن “جيش الإسلام” حملة “تطهير البلاد من رجس الفساد” على بقية الفصائل غير الإسلامية، وتم اعتقال وتصفية كل معارضيه في مدينة دوما، حيث كان “جيش الأمة” يساوي “جيش الإسلام” عددًا لكن لا يساويه بالتنظيم، فتم اعتقال قائده “أبو صبحي طه” و”أبو علي خبية” وحُل الفصيل بعدها.
منذ تلك اللحظة بدأ “جيش الإسلام” فرض سيطرته على جميع القطاعات، بما فيها المدنية والخدمية، وضيق الفصيل السبل على نزار الصمادي، رئيس بلدية دوما، فاقتصرت مهامه على البلدية ضمن سلطة محدودة وتحت مراقبة من الجهاز الأمني لـ “جيش الإسلام”، بحسب رافع حسان.
هل كانت هذه التيارات تملك حاضنة شعبية فعلًا؟
توجد ملاحظات على عمل التيارات السياسية في الغوطة تقول إنها لم تكن مؤثرة أساسًا حتى ما قبل عام 2011، لكن عامر السليم رد بأن “الناصريين منتشرون في مدينة دوما وهذا ليس جديدًا. في المقاهي الشعبية كان من السهل تمييز البعثيين من الناصريين، وتحديدًا الجيل السابق ممن تعلق بأفكار التيار الناصري، وأورثوها لأولادهم بغض النظر عن التشويه الذي لاحقهم على مدى سنوات، وأنا منهم، والكثيرون مثلي”.
وقد طالت الاغتيالات في الغوطة عددًا من الشخصيات الناصرية، ومن أبرزها الطبيب عدنان وهبة، وهو إحدى الشخصيات أصحاب الشعبية الكبيرة في الغوطة، ولم يُعرف القتلة حتى اليوم، وفي هذا الصدد قال عامر السليم، “الناس قالت في البداية إن القاتل هو النظام، ومع مرور الأيام بدأت الناس تغير رأيها، دون أن تتهم فصيلًا أو شخصًا بعينه”.
كما تعرض العديد من العاملين في القطاع الطبي والإغاثي لمضايقات وصلت إلى حد التعدي بالضرب.
“جيش الإسلام” يرد على الاتهامات
تواصلت عنب بلدي مع الناطق الرسمي باسم “جيش الإسلام”، حمزة بيرقدار، لسؤاله عن الاتهامات التي يوجهها الناشطون للفصيل وقيامه بممارسات “ديكتاتورية” بحق ناشطين وصحفيين وسياسيين، في الغوطة الشرقية.
وقال حمزة بيرقدار، إن “الثورة السورية ثورة شعبية انطلقت في مطلع 2011، مطالبها كانت واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، الحرية والعدالة والكرامة وإسقاط النظام بكل رموزه وأركانه، من هذه المبادئ والأهداف انبثق جيش الإسلام كما بقية الفصائل الثورية”.
“لم يكن همّ جيش الإسلام مجابهة أو مكافحة التيارات والأحزاب وغير ذلك، لأننا جزء من ذلك الشعب الذي خرج بهذه الثورة بكل أطيافه وألوانه وأشكاله”، أضاف بيرقدار، راميًا الكرة إلى هدف الفصيل المعلن بـ “الدفاع عن أهلنا وشعبنا ضد من استباح دماءهم وأموالهم وأعراضهم، نظام الأسد الظالم المستبد وحلفائه”.
ونفى الناطق باسم “جيش الإسلام” هذه الاتهامات بقوله،”ما يشاع عن تعاملنا بديكتاتورية مع التيارات الأخرى لا أساس له من الصحة”.
وأضاف بيرقدار أن “جيش الإسلام” أعطى الحرية لبعض التيارات لممارسة نشاطاتها “بما لا ينافي الأخلاق والثورية ومبادئها”، معتبرًا أن “بعض الأحزاب لم يكن لهم وجود أصلًا في الغوطة وبعضهم كانت نشاطاتها محصورة بمطبعة وعدة أشخاص للنشر مثل حزب التحرير”.
وفيما يخص الناشطين والعمل المدني، أكد بيرقدار أن “باب العمل للناشطين ومنظمات المجتمع المدني وغيره كان مفتوحًا على مصراعيه”، مردفًا “طبعًا ضمن الضوابط الثورية التي تحددها قيمنا وتقاليدنا وما يناسب الواقع الذي مررنا به في الغوطة في ظل القصف والحصار وسياسة التجويع والظلم التي مارسها الأسد وحلفاؤه على أهل الغوطة”.
من هم الناصريون؟
نشأ التيار الناصري في سوريا، بشكله الحالي، عقب الانفصال عن مصر في عام 1961، وانتهاء عهد الجمهورية العربية المتحدة.
رغم أن أفكار القومية العربية والدعوة لإنشاء دولة عربية موحدة من المحيط إلى الخليج كان موجودًا ومنتشرًا بين أوساط السوريين ما قبل وصول عبد الناصر إلى سدة الحكم في مصر، إلا أن الاسم بات أكثر وضوحًا بعد الانفصال.
ويؤمن الناصريون بأفكار الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، فيما يخص القومية العربية والسياسات الاقتصادية.
وأسسوا عدة أحزاب، منها حزب الاتحاد الاشتراكي (تأسس عام 1964) وتعرضوا للاضطهاد بعد انقلاب البعث عام 1963.
كما يوجد الكثير من الناصريين غير المنضمين لأحزاب ناصرية بشكل علني نتيجة غياب الحياة السياسية في سوريا.