شهدت نهاية العام الماضي وبداية هذا العام تقاربًا عربيًا مع النظام السوري، بعد سنوات من القطيعة الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية منذ بدء القمع العنيف للمظاهرات السلمية التي طالبت بالإصلاح وإسقاط النظام.
وبعد ثماني سنوات على الصراع السوري، الذي أدى إلى ما يزيد على 400 ألف قتيل، وفق تقديرات الأمم المتحدة، ونزوح نصف سكان سوريا داخل البلاد وخارجها، بدأت العديد من الدول العربية بالاتجاه نحو تطبيع العلاقات مع النظام، متذرعة بتبريرات متنوعة:
الذريعة الاقتصادية
قطر
عادت شركة الخطوط الجوية القطرية لعبور الأجواء السورية، بعد توقفها لثماني سنوات.
وبرر المدير التنفيذي للشركة، أكبر الباكر، يوم السبت 4 من أيار، القرار بأنه وسيلة للتغلب على الحصار المفروض على البلاد من جيرانها في الخليج العربي منذ سنتين.
وقال الباكر لوكالة “رويترز”، “هذا كله بسبب الحصار. نحن نخضع لحصار لذلك علينا أن نجد سبلًا لإنجاز متطلبات بلادنا. الأمر هكذا ببساطة”.
وتسبب تعديل مسارات الرحلات الجوية للشركة بخسائر سنوية كبيرة، مع ارتفاع تكلفة الرحلات وزمنها عند اتخاذها لمسارات جديدة.
وتوقع وزير النقل السوري، علي حمود، في لقاء مع “الإخبارية السورية”، في 23 من نيسان، أن تكسب الخزينة السورية من عبور الطائرات القطرية ما يزيد على 30 مليون دولار سنويًا.
الأردن
افتتح الجانبان الأردني والسوري معبر نصيب الحدودي رسميًا في 15 من تشرين الأول من العام الماضي، بعد ثلاث سنوات على إغلاقه بسبب الأحداث العسكرية.
وبدأت التعاملات التجارية والاقتصادية تعود بشكل تدريجي، وبلغت قيمة الصادرات عبره منذ افتتاحه وحتى بداية شهر نيسان ما يزيد على أربعة مليارات ليرة سورية، وفق تصريحات مدير الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام السوري بدرعا، خالد الظاهر، لوسائل إعلامية حكومية.
لكن القطاع الصناعي في الأردن انتقد الاشتراطات والقيود المفروضة على البضائع الأردنية الداخلة لسوريا، والتي أدت إلى تراجع الصادرات الأردنية بنسبة 70% خلال الربع الأول من عام 2019.
واستجابت وزارة الصناعة والتجارة والتموين الأردنية مع فرض الحظر على استيراد 194 سلعة صناعية وتجارية سورية من مطلع أيار الحالي.
في حين طالبت غرفة التجارة الأردنية بإعادة النظر بقرار الحظر، وقال رئيسها، العين نائل الكباريتي، إن القرار “سينعكس على القطاع التجاري الذي يعيش اليوم حالة إنهاك ولم يعد قادرًا على تحمل أي قرارات جديدة تؤثر على أعماله”.
الذريعة السيادية
الإمارات
أعادت الإمارات العربية المتحدة افتتاح سفارتها في دمشق في 27 من كانون الأول العام الفائت، وبحسب بيان للخارجية الإمارتية فإن الخطوة تؤكد “حرص الإمارات العربية المتحدة على إعادة العلاقات بين البلدين الشقيقين إلى مسارها الطبيعي، بما يعزز ويفعل الدور العربي في دعم استقلال وسيادة الجهورية العربية السورية ووحدة أراضيها”.
وبرر وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية، أنور قرقاش، عبر حسابه على “تويتر”، عودة العلاقات بتفعيل الدور العربي في سوريا، كونه أصبح “أكثر ضرورة تجاه التغول الإقليمي الإيراني والتركي”.
الدور العربي في سوريا أصبح أكثر ضرورة تجاه التغوّل الإقليمي الإيراني والتركي، وتسعى الامارات اليوم عبر حضورها في دمشق إلى تفعيل هذا الدور وأن تكون الخيارات العربية حاضرة و أن تساهم إيجابا تجاه إنهاء ملف الحرب وتعزيز فرص السلام والاستقرار للشعب السوري.
— د. أنور قرقاش (@AnwarGargash) December 27, 2018
وسبقت افتتاح السفارة عودة الشركات الإماراتية إلى السوق السوري للاستثمار، وكذلك استأنفت شركة طيران “فلاي دبي”، في 16 من كانون الثاني الماضي، استئناف رحلاتها الجوية إلى العاصمة السورية دمشق.
البحرين
أعادت كذلك البحرين فتح سفارتها في دمشق في 28 من كانون الأول الماضي، وذكرت حينها وزارة الخارجية البحرينية أن “البحرين تحرص على استمرار العلاقات مع سوريا، وعلى أهمية تعزيز الدور العربي وتفعيله من أجل الحفاظ على استقلال سوريا وسيادتها”.
وكان وزير الخارجية البحريني، الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، اجتمع مع وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في أيلول 2018، ووصف اللقاء حينها أنه “حميمي”.
وصرح آل خليفة بشأن العلاقة مع سوريا، في مقابلة مع صحيفة “الشرق الأوسط”، “العلاقة مع سوريا نريدها علاقة بين بلدين عربيين. وفي نهاية المطاف، أنا لا ألغي سوريا فقط لأن لها علاقة مع إيران”.
وقال عبر حسابه على “تويتر” نهاية العام الماضي، إن البحرين تقف مع سوريا في حماية سيادتها وأرضها من أي انتهاك.
سوريا بلد عربي رئيسي في المنطقة ، لم ننقطع عنه و لم ينقطع عنا رغم الظروف الصعبة . نقف معه في حماية سيادته و أراضيه من اي انتهاك . و نقف معه في اعادة الاستقرار الى ربوعه و تحقيق الأمن و الازدهار لشعبه الشقيق #سوريا
— خالد بن أحمد (@khalidalkhalifa) December 28, 2018
كما أعلنت شركة “طيران الخليج” البحرينية عن إطلاق وجهات جديدة إلى سوريا عام 2019، وفق ما نقلت صحيفة “الوطن” البحرينية بداية العام.
السودان
زار الرئيس السوداني، عمر البشير، سوريا بشكل غير معلن والتقى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في العاصمة دمشق، في 16 من كانون الأول من العام الفائت.
وقال بيان صادر عن الرئاسة السودانية إن الرئيسين السوداني والسوري “أكدا على أن الأزمات التي تعاني منها المنطقة العربية تتطلب إيجاد مقاربات جديدة للعمل العربي تقوم على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”.
الذريعة الأمنية
موريتانيا
صرح الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، في مؤتمر صحفي في أيلول من العام الماضي أن “سوريا لم يحطمها البعثيون”، محملًا المسؤولية “للإسلام السياسي”.
كما حافظ النظام السوري والموريتاني على التمثيل الدبلوماسي بينهما، إذ واصل السفير السوري عمله داخل السفارة في موريتانيا، وبالمقابل واصلت موريتانيا فتح سفارتها في سوريا، وبقي سفيرها أحمد ولد أعل، رغم سحبه لأشهر قليلة.
مصر
شهد الموقف المصري تغيرًا من الثورة السورية إثر وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم بعد تنحية الرئيس السابق محمد مرسي، الذي عرف بدعمه للمعارضة السورية.
وزار رئيس مكتب الأمن الوطني السوري، اللواء علي مملوك، مصر، نهاية العام الماضي،بدعوة من رئيس جهاز المخابرات المصرية، عباس كامل، وعقد الطرفان لقاء ثنائيًا بحثا خلاله القضايا السياسية والأمنية وجهود “مكافحة الإرهاب”. بحسب وكالة الأنباء الرسمية (سانا).
وقال الأسد في مقابلة مع قناة “المنار”، في آب من عام 2015، إن “هناك تعاونًا بين مصر وسوريا على الصعيد الأمني والعسكري، ولقاءات بين مسؤولين سوريين ومصريين”، معتبرًا أن “سوريا ومصر في خندق واحد في محاربة الإرهابيين”.
العراق
تعتبر العراق من الدول الداعمة للنظام السوري، سياسيًا واقتصاديًا، كما تقاتل ميليشيات عراقية إلى جانب قوات الأسد.
وجرت محادثات مشتركة حول إعادة فتح معبر القائم- البوكمال الحدودي، ودعا رئيس الوزراء السوري، عماد خميس، إلى الإسراع في افتتاحه، على هامش اجتماعات الدورة التاسعة للجنة العراقية السورية المشتركة التي عقدت في العاصمة السورية دمشق في نيسان.
ونقل بيان لوزارة التجارة العراقية عن خميس قوله إن “العلاقات بين العراق وسوريا أخوية وتاريخية تملؤها المحبة والتواصل على جميع المستويات، وإنهما خرجا منتصرين في الحرب على الإرهاب وقدما تضحيات كبيرة من الدماء في سبيل التصدي للإرهاب وهزيمته”.
الذريعة القومية
دعمت عدة دول عربية عودة سوريا إلى الجامعة العربية خلال انعقاد جلستها الأخيرة في شهر آذار، من بينها لبنان والجزائر والعراق وتونس ومصر.
وكان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، هو الرئيس العربي الأول الذي يبدي علنًا رغبة بلاده في إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، إذ نقلت عنه وكالة “سبوتنيك” الروسية في شباط قوله إن بلاده تدعم التشاور العربي لتحقيق ذلك.
وافتتحت هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية، مكتبًا لها في سوريا، بداية هذا العام، بحضور مسؤولين من وزارة الإعلام في حكومة النظام السوري و”منظمة التحرير الفلسطينية”.
لكن الدول العربية لم تتفق على عودة سوريا للجامعة، وربط أمينها العام، أحمد أبو الغيط، عودتها بالابتعاد عن إيران قائلاً، في لقاء مع محطة “صدى البلد” الشهر الفائت، “عندما نتأكد كعرب بأن المقعد السوري في الجامعة العربية لا تشغله إيران، نطمئن حينها أن مداولاتنا ومفاهيمنا عربية خالصة”.
–
https://twitter.com/ElBaladOfficial/status/1116079664940843008